سياسةمحليات لبنانية

ثورة النّاس: نزع القوامة والوصاية والارتياب عنها

 

كلما لاح في الأفق تحرّك شعبيّ، لاحت معه التساؤلات عمن يقف وراءه، وإذا ما وطأت أقدام النّاس الشوارع، ثار حولها ألف التباس والتباس، وتنكّب من جعل نفسّه قوّاما عليهم الجملة الشهيرة: "لا صوت يعلو على صوت المعركة"، والمتنكب هذا، قد يكون فردا، او جماعة سياسيّة، مصابة بداء الارتياب، ومرض الوهم، لا ترى دوافع الوافدين للشوارع سوى من باب التآمر على القضايا الكبرى، وكلما زلق لسان واحد او أكثر من المحتجين من بين مئات الآلاف بعبارة يعتبرونها من وجهة نظرهم غير سويّة، أخذوها حجّة على المحتجين أجمعين، فوصموهم بالخيانة والتآمر والعمالة وغيرها من العبارات التي تفيد المعنى ذاته، متناسين أنّهم هم وسياساتهم (أي الأوصياء) سببا في النّطق بتلك العبارات وفي احتجاج النّاس في الشوارع.

لم يسأل الأوصياء أنفسهم يوما عن الأسباب التي دفعت هذه الكتلة البشرية الموجودة اليوم في الشوارع، وغالبيتها من الشباب، ولا تكلّفوا عناء السؤال حتى، لا بل أعملوا عقلهم المؤامراتيّ تشغيلا، ونسوا أنّهم من دفع بها إلى الشارع، نتيجة فسادهم السياسيّ، والاقتصاديّ، والاجتماعيّ، وقلبوا القيم المجتمعيّة رأسا على عقب، وجعلوهم توابع، لا حول لهم ولا قوّة، ونهبوا خيرات البلاد، التي هي خيرات النّاس، دون أن يرفّ لهم جفن، او تغمض عين، ثمّ أتوا ليحاكموهم على غضبهم، ويحاسبوهم على ما يقولونه علنا، أو على ما يعتمل في صدورهم ولم يقولوه، وكأنّهم كانوا يطعمونهم قبل ذلك المنّ والسلوى، لكنّهم لم يحفظوا العهد، فخانوهم وثاروا عليهم.

فتشوا أيها الأوصياء، قوى سياسيّة، تابعين، مناصرين، او أفراد مرتابين، عمّا اقترفت أياديكم، وأفعالكم، افتحوا سجل دفاتركم القديمة، وتساءلوا عمّا فعلتموه لهؤلاء النّاس ولماذا توسّطوا الشوارع، ستجدون أنّكم السبب المباشر وغير المباشر لكلّ ما حدث، وما سوف يحدث.

حان الوقت لتخرجوا من ارتيابكم ووصايتكم واوهامكم، ولتقوموا بجردة حساب لأفعالكم، وتصارحوا الناس وتطلبوا فعل الندامة على كلّ ما اقترفتم بحقها، وإصلاح ذات البين، وتبيان الفعل الأبيض من الفعل الأسود، فالوقت داهم، والإصلاح مطلوب، إذا ما كان بعد اليوم لذلك سبيلا. 
 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى