سوريا بين النموذجين العراقي والليبي!(نسيب حطيط)
د.نسيب حطيط – الحوارنيوز
تسارعت الاحداث الميدانية في سوريا، بعد هدوء ومساكنة أستمرت أكثر من سنتين، والتي اختتمت “عشرية” الربيع العربي الدموية في سوريا ،حيث كان وقف النار غير الرسمي بمثابة القنبلة التركية-الأميركية الموقوتة المغطاة بمفاوضات التضليل وتفاهمات الخداع التركي التي انفجرت بشكل مفاجئ لا يمكن تصديقه،فسقطت مدينتا حلب وحماه بأقل من 10 أيام، وهما اللّتان صمدتا عشر سنوات في حرب شرسة !
والسؤال: ماذا جرى في سوريا حتى انهارت خطوط الدفاع للجيش السوري وحلفائه ، سواء سُمّي هذا الانسحاب “إعادة انتشار” أو “حماية المدنيين”، او ان خديعة حصلت في عمليه تضليل باختراق شبكة الاتصالات واعطاء أوامر بالإنسحاب؟
والسؤال الثاني: ما هو الهدف من هذه العملية ؟
هل هو تقسيم سوريا لثلاثة دول وفق فيدرالية او كونفدرالية أو دويلات صغيرة تشابه امارات الخليج ( سنّية وكردية وعلوية).. أم إبقاء سوريا موّحدة وفق النموذج العراقي مع استقلالية لإقليم الأكراد وإقليم العلويين واعطاء الحكم للسنّة، بسبب أكثريتهم العددية ،كما هو الحال في العراق، وإبقاء إقليم “الدروز” معلّقاً بانتظار تغيير معالم الشرق الاوسط بشكل اجمالي ،لجمع دروز لبنان وسوريا وفلسطين في “مثلث” الجولان وحاصبيا والجليل الاعلى !
إن سقوط “حلب وحماه” لا يعني بالضرورة سقوط النظام وتفكك الدولة السورية،إلا في حالة واحدة، إذا استقرت الفصائل المسلحة “المصنّفة إرهابية” وفق التعريف الأميركي الظاهري(الا اذا ألغت اميركا تصنيفها وتحالفت معها مثل طالبان) والدولي، وبالتالي لا يمكن الإعتراف بسيطرتها السياسية وانحسار دورها ،كأداة تنفيذية ميدانياً وسيكون القطاف السياسي ، لتركيا بشكل مباشر وأميركا بشكل استراتيجي ومستدام .
ان بقاء سوريا أو تفكيها او تقسيمها، لا يمس السوريين فقط او الدولة او حزب البعث او العلويين، بل يمس روسيا بشكل أساسي ،لأن سقوط سوريا يعني الغاء الوجود الروسي في منطقة البحر المتوسط، والتي عمل الروس من ايام “القياصرة” على ان يكون لهم موطىء قدم في المياه الدافئة، وخروجهم من سوريا أكثر خسارة من طرد الرئيس أنور السادات للمستشارين السوفيات من مصر وإلغاء الدور الروسي في الشرق الأوسط.
سقوط سوريا او تفكيكها يمس الأمن اللبناني عموما والمقاومة خصوصاً ويمس إيران والعراق ،لأن سوريا تشكل العقدة الرئيسية في محور المقاومة، وخسارتها تعني خسارة التواصل بين ساحات المقاومة وخنق الساحة اللبنانية، ووضع المقاومة في لبنان بين فكي كماشة إسرائيلية في الجنوب وتكفيرية في الشمال والشرق، مع الوجود الأمريكي الجديد على المستويات الأمنية والسياسية والإدارية، وسقوط سوريا يعني سقوط آخر الدول العربية المقاومة.
يمكن توصيف المشهد الميداني والسياسي العام في سوريا على انه المعركة ما قبل الأخيرة بين المشروع الاميركي والمشروع المقاوم،فإذا سقطت سوريا ستقفز اميركا وإسرائيل، للهجوم على إيران وليس العراق وفق التسلسل الذي بدأ من غزة ولبنان وسوريا ولاعتبارات عراقية ولمعلومات استخبارية، تملكها اميركا من الداخل الإيراني والذي عبّر عن جزء منه مستشار المرشد الأعلى السيد لاريجاني عن الاختراقات، وبالتالي يمكن ان تختصر أميركا الأوقات وتبدأ بضرب الرأس لمحور المقاومة.
المعركة في سوريا الآن، ليست حربا بين الدولة السورية والجماعات التكفيرية ،بل هي حرب بين المشروع الأميركي والمشروع المقاوم والوجود الروسي في المنطقة، وبالتالي فإن العمل الميداني ليس مسؤولية الجيش السوري فقط ،بل مسؤولية حلفاء سوريا وفي مقدمتهم (إيران وروسيا) للدفاع عن مصالحهم في المنطقة، وتأخير وصول الهجوم الأميركي الى ساحاتهم بقياده الرئيس الامريكي الجديد ترامب.
لقد كانت الحرب على لبنان الخطوة الاولى ،للهجوم التكفيري-الأمريكي على سوريا ،لاعتقاد الاميركيين وبناء على تجربة العشر سنوات الماضية ان إخراج المقاومة من الميدان السوري ،سيسهّل عملية إسقاط المدن ويجعل المواجهة مباشرة بين سوريا وإيران وروسيا مع الجماعات التكفيرية وأميركا، دون الإختباء وراء المقاومة اللبنانية!
اذا لم تبادر ايران وروسيا للتحرك الميداني ،فإن سوريا في خطر،مع وجوب التنبّه لعدم نقل قوات من المقاومة الى سوريا، لحاجة لبنان لها، سواء في جبهة الجنوب بمواجهة إسرائيل(خاصة ضمن مهلة الستين يوما ،لأن الحرب لم تنته) او الشمال والشرق لحماية البقاع.