رأي

ليس في جبيل وكسروان من باع عقارا للحزب أو لغيره(ناجي أمهز)

 

كتب ناجي أمهز :

 

منذ أسبوع، ضجّ الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في منطقتي جبيل وكسروان، بخبر بيع عقار لأحد قيادات حزب الله. وما إن شاع الخبر حتى انتفض الأهالي، وكأن من يود شراء العقار بينهم هو قنبلة نووية موقوتة.

 

ولكن تبيّن فيما بعد أن الشخص المعني هو شيعي، ولكنه ليس منتسبًا لحزب الله، وكل ما في الأمر أنه سأل عن إمكان شراء عقار.

 

قبل عامين، في 2022، أثار مقال نُشر على أحد المواقع الإلكترونية تحت عنوان “إيران تشتري أراضي المسيحيين في لبنان” ضجة كبيرة. كان المقال يتحدث عن شخص عربي مجنّس من أصل إيراني يشتري أراضي وعقارات بتكليف من حزب الله، ويبيع أرباح كل صفقة للحزب بقيمة لا تقل عن 50 ألف دولار.

 

أثر هذه المقالة تدخّلت مؤسسات مارونية كبرى، وكاد الموضوع يتحول إلى خلاف كبير بين المكونات اللبنانية.

 

الكنيسة وكافة القوى السياسية المارونية لا تخفي أو تخجل من إعلان موقفها الواضح ضد بيع الأراضي للغرباء تحت أي عذر.

 

في جبيل وكسروان، هناك جهات تتابع بدقة أي بيع لأي عقار للغرباء، فالمسيحيون في المنطقة يعارضون بشدة أي تغيير ديموغرافي أو جغرافي.

 

يدرك حزب الله حساسية موضوع العقارات والتغيير الديموغرافي، خاصة في جبيل وكسروان، ولذا فإن جميع قيادات حزب الله في هذه المناطق هم من أبناء جبيل وكسروان نفسها. بينما في بقية مناطق لبنان، قد تجد أن ابن البقاع مسؤول في الجنوب، أو ابن الجنوب له مسؤوليات في البقاع أو بيروت، لكن في جبيل وكسروان، حتى في المجالس الحسينية، تجد فقط أبناء المنطقة.

 

منذ عام 2019، بدأت تظهر على الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي مزاعم بوجود “حرس ثوري” أو “احتلال إيراني” في جبيل. وتبيّن أن سبب هذه المزاعم من قبل بعض الساسة والإعلاميين الموارنة هو أنهم لاحظوا تطورًا وحراكًا سياسيًا واجتماعيًا لدى شيعة جبيل وكسروان لم يعهدوه بهذا الحجم من قبل، ما جعلهم يعتقدون أن إيران والحرس الثوري وراء هذا التطور.

 

أمام هذه الشكوك، ولإبعاد حزب الله مثل هذه الشبهات التي هي غير صحيحة بالمطلق عن شيعة المنطقة، فإنه لا يوجد حتى في الاحتفالات المركزية لحزب الله حضور لغير أبناء المنطقة.

 

 

وحقيقةً، إذا كان لدى الموارنة هاجس من تغيير الديموغرافيا في كسروان وجبيل، فإن الشيعة لديهم “فوبيا” من بيع الأراضي للغرباء، فهم لا يؤجرون حتى للغرباء، وحتما وبكل تأكيد فانه لا يعقل ان يكون لقيادات الحزب أي دور في سمسرة العقارات، سواء في البيع أو الشراء. حزب الله هو حزب مقاومة له دوره الوطني، ممنوع على قياداته التدخل في هذا الأمر، لا من قريب ولا من بعيد.

 

بل إن قيادة حزب الله في المنطقة شغلها الشاغل وحرصها الكبير هو تعزيز الترابط والتقارب الشيعي المسيحي، لذلك لا حاجة له لمثل هذه الأعمال التي تؤدي إلى نتائج خلافية كبيرة، وهو لن يجني منها شيء لا على المستوى الاجتماعي ولا السياسي.

 

أهالي جبيل وكسروان، وخاصة الشيعة، غير مستعدين لبيع متر واحد من أرضهم ولو بمثقاله ذهبًا.

 

شيعة جبيل وكسروان يتغنون بكونهم فلاحين يؤمنون بمقولة “فلاح مكفي أمير مخفي”، وهم يعشقون الأرض ويحسنون إصلاحها وزراعتها كما يعشقون أبناءهم ويحسنون تربيتهم وتعليمهم، وهم اليوم في أرفع المراتب العلمية.

 

في قرى جبيل وكسروان، سواء كانت مسيحية أو شيعية، يُعتبر بيع الأرض للغرباء عملاً معيبًا للغاية بحق البائع، ولن يهنأ الشاري، لأن لهذه القرى خصوصيتها وعاداتها وتقاليدها. وكلمة “غريب” مشهورة في المنطقة، فإذا لم تكن ابن المنطقة أبًا عن جد، فإن كلمة “غريب” ستلاحقك إلى ما لا نهاية.

 

الجميع يعرف أن من يبيع أرضه في جبيل وكسروان لغريب لا يمكنه البقاء في القرية أو في المنطقة كلها لأن الناس “ستأكل وجهه”.

 

كما لا يجرؤ مختار أو رئيس بلدية، شيعيًا كان أم مسيحيًا، على توقيع عقد بيع أرض أو منح رخصة أو أن يكون شاهدًا على عقد بيع أو شراء لغريب، وإلا سينتهي من العمل الاجتماعي ولن يجد من ينتخبه. كذلك أي نائب يُعرف عنه أنه سمسار لبيع أرض لغريب يتم مهاجمته وطرده من العمل السياسي.

 

أي حزب مهما كان حجمه، عندما يدخل في هذه الزواريب قد لا يخرج منها بسهولة في المنطقة.

 

في جبيل وكسروان، من المحرمات بيع متر واحد لأي غريب كان. نشهد العديد من المشاكل على العقارات منذ فترة طويلة جدًا وقد تستمر لفترة طويلة جدًا.

 

تُعتبر جبيل وكسروان قلب الكنيسة وروحها وأرض قديسيها، ومساحة للعيش المشترك بين المسيحيين والشيعة منذ قرون مضت، لذلك تحرص كافة القوى السياسية المسيحية بشدة على الجغرافيا الجبيلية الكسروانية. وهذا الأمر نفسه موجود عند شيعة المنطقة الذين لا يقل حرصهم عن حرص المسيحيين في ما يتعلق بالجغرافيا والديموغرافيا.

 

الرجاء وقف مثل هذه الاشاعات وليعلم الجميع، انه في جبيل وكسروان أصلا، حزب الله لا يريد شراء عقارات، وشيعة المنطقة لن يبيعوا للغرباء، لانهم بغنى عن الخلافات مع جيرانهم، وهم ملتزمون بما الزم مسيحيو المنطقة انفسهم.

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى