محمد صادق الحسيني
كل شئ في زمن الكورونا يشي بانهيار منظومة او معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية وتبلور منظومة جديدة بديلة لها رويداً رويداً..!
الصراع الدولي المحتدم ، بين قوى الامبرياليه العالميه بقيادة الولايات المتحدة والدول الداعيه الى اقامة علاقات دوليه قائمة على المنافع المشتركه بعيداً عن روح الهيمنة والسيطرة على ثروات الشعوب ومنع استكمال الدول لسيادتها على أراضيها وثرواتها و مسيرتها المستقبلية ، التي تحدد استقلالها الاقتصادي وتامين نمو وتطور شعوبها من عدمه ، في ظل اجتياح وباء الكورونا لمعظم دول العالم قد بدأ يأخذ ابعاداً استراتيجية ستقود العالم الى تغييرات جذريه في قيادته .
واولى نتائجه الحتمية ستكون انهاء سيطرة الولايات المتحده على القرار الدولي وعلى قيادة العالم ، وهو تحول نوعي لم يحدث منذ انهيار الاتحاد السوفييتي حتى الآن.
فالولايات المتحدة ، التي ظل ينكر رئيسها بكل صلف وعنصرية وجود وباء كورونا حتى قبل ايّام ، اصبحت هي المركز الرئيسي لهذا الوباء في العالم ، مما جعلها في موقف اكثر ضعفاً في حروبها التجاريه ضد الصين وفي فرض عقوباتها على روسيا وايران وسورية وغيرها من الدول . فها هي مجموعة ال ٧٧ وغيرها من القوى الدولية تطالب الولايات المتحده بانهاء عقوباتها ضد ايران وغيرها . كما ان الصين وروسيا كانتا تناديان بذلك منذ امد بعيد .
من جهة اخرى فان مظاهر الضعف ، التي تعاني منها واشنطن ، لا تقتصر فقط على فشلها في التصدي لوباء كورونا في الولايات والمدن الاميركيه وانما كذلك في فشلها الذريع في حماية العسكريين الاميركيين من هذا الوباء .فبعد إصابة اكثر من ١٥٠٠ من موظفي البنتاغون بوباء كورونا ها هم جنود البحريه الاميركيه ، على متن حاملة الطائرات الاميركيه ، ثيودور روزفلت ، المنتشره في غرب المحيط الهادئ ( جزيرة غوام ) مع مجموعتها القتاليه ، التي تعمل بالطاقة النوويه ، وعلى متنها ٥٠٠٠ بحار اصيب عدد منهم بالوباء مما اضطر قائد الحامله ، الكابتن بريت كروزيير ، الى طلب الاستغاثة من مسؤوليه والذين اصدروا أمراً بطرده قبل يومين ، من سلاح البحريه الاميركيه ، بدل إغاثته ، ولكنهم اضطروا ، على الرغم من ذلك ، الى اخلاء اربعة آلاف من أولئك البحاره وإخضاعهم للحجر .
ولم يقف الامر عند حاملة الطائرات ، ثيودور روزفلت ، بل ان عدداً من بحارة حاملة الطائرات الاميركيه ، رونالد ريغان ، المنتشره مع مجموعتها القتاليه ، كجزء من الاسطول السابع الاميركي ، في قاعدة يوكوسوكا Yukosuka البحريه في اليابان وقد اضطرت قيادة سلاح البحرية الاميركيه الى اخلاء الآلاف من بحارتها الى اليابسة وإخضاعهم للحجر ايضاً .
ولكن ما علاقة هذا بذاك ؟ اي ما هي العلاقه بين إصابات الجنود الامريكيين بوباء كورونا وصراع بلادهم مع الصين حول قيادة العالم ؟
ولتوضيح هذه العلاقه لا بد من الإضاءة على بعض النقاط المهمه ، التي لا ترى بالعين المجردة ، تماماً كما هو حال فيروس كورونا . ومن بين اهم هذه النقاط ما يلي :
1. ان إصابة قرابة العشرة آلاف بحار اميركي ، في المحيط الهادئ وبحر اليابان ، بوباء الكورونا وخروجهم من الخدمة عملياً ، يعني ان حاملتي طائرات اميركيتين في تلك المنطقه ، على متنهما حوالي ١٨٠ طائره حربيه قد خرجتا من الخدمة ايضاً . وهو الامر الذي يشكل خللاً كبيراً في ميزان القوى العسكري ، بين الصين وروسيا من جهة والولايات المتحده وحلفائها من جهة اخرى .
خاصة وان القوات البحريه الصينيه ، المنتشره في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي ، ومعها سلاح البحريه الروسيه ، في غرب المحيط الهادئ ، اي في المنطقه العسكريه الروسيه الجنوبيه الشرقيه / مقاطعة فلاديفوستوك ، الى جانب سلاح البحريه والقوه الصاروخيه في كوريا الشمالية ، كل هذه القوات تحاصر ، استراتيجياً ، القوات الامريكيه المنتشره في غرب المحيط الهادئ وفي عمقه الشرقي ، باتجاه سواحل الولايات المتحده الغربيه ، وكذلك تلك القوات المنتشره في بحر اليابان . الامر الذي يجعل القوات الاميركيه ، في مسرح العمليات المذكور اعلاه ، تواجه العديد من المشاكل التي تجعل وضعها غاية في الصعوبه ، في حال حصول نزاع مسلح مع تلك المنطقه . او بالأحرى في حال قررت الولايات المتحده التحرش عسكرياً بالصين او التعرض لقواتها البحريه في بحار الصين .
2. اما النقطه الثانيه ، التي تجب الإضاءة عليها ، فهي ان السيطره السريعة للدولة الصينية على وباء كورونا وحصر انتشاره بشكل كامل في مناطق صغيره نسبياً من الصين ، ومنع انتشاره بين أفراد القوات المسلحه الصينيه ، بكل صنوفها ، افشلت مشاريع المخططين العسكريين الاستراتيجيين الامريكيين ، الذين كانوا يأملون غير ذلك ويمنون النفس بانتشار الوباء بشكل واسع بين أفراد الجيش الصيني ، وبشكل يؤدي الى شلل في قدراته الصاروخيه والبحريه ، خاصة في منطقة أرخبيل سِنكاكو ( Senkaku ) شمال شرق جزيرة تايوان ، المنشقه عن الصين الام والمدعومة اميركياً ، مما يجعل نجاح الولايات المتحده في تنفيذ اعتداءات عسكريه ضد الصين الشعبية ممكناً .
3. وهنا ، عندما انقلب السحر على الساحر ، وفشلت مخططاتهم ، بدأت القوى الخفيه ، التي تحكم الولايات المتحده ، وتحرك الكثير مما يطلق عليه في واشنطن مراكز صنع القرار ، بدأت تلك القوى بشن حملة إعلامية مركزه ، في وسائل اعلام اميركية وأوروبية ، تركز فيها على مخططات الصين لمهاجمة جزيرة تايوان المنشقه ونشر المزيد من القوات البحريه ، الرديفة لسلاح البحريه الصيني ، وهي قوات تنتشر على طول بحار الصين وعرضها ، وخاصة في مناطق جزر باراسيل ( Paracels ) بحر الصين الجنوبي وجزر سِنكاكو ، في جنوب بحر الصين الشرقي ، وهي جزر صينية خالصه . ولكن الولايات المتحده تتهم الصين بنشر القوات البحريه الرديفة ( عباره عن جيش من الصيادين مقَسَّم الى مجموعات صغيره مجهزة بزوارق صيد….اي ما يشبه جيش الزوارق السريعة الايرانيه ولكن على نطاق اوسع بكثير ) ، نقوا ان واشنطن تتهم بكين بنشر هذه القوات لتثبيت سيطرتها على الجزر الصناعيه ، التي أقامتها الصين في بحارها لتعزيز امنها ، والتمهيد لغزو جزيرة تايوان وضمها للصين الام …او للبر الصيني .
4. وبناءً على ما تقدم فان النتيجة النهائية ، قريبة المنال ، في الصراع الدولي على بحار العالم ، وبالتالي على مقدرات هذا العالم ، اذ ستكون بالتأكيد لصالح المحور المعادي للهيمنة الاستعمارية الاميركيه . وستضطر الولايات المتحده ، مجبرة ، للبدء في سحب قواتها البحرية والجويه من كل البحار المشار اليها اعلاه دون قيد او شرط ، وعلى عكس ما تريده واشنطن تماماً . اذ ان المخططات الاميركيه تهدف الى اخضاع الصين وإرغامها على التفاوض مع الولايات المتحده ، تماماً كما هو الحال الذين تتمناه مع ايران ، من موقف الضعيف .
5. ولكن الصين ، وكما تؤكد الوقائع في العلاقات الدوليه الحاليه ، قد تجاوزت هذه المرحلة ( مرحلة الخضوع للضغوط ) بكثير ، وبدأت هجوم الربيع في كامل مسرح المواجهة الدولي مع الولايات المتحده . فها هي طريقها الواحد وحزامها الواحد تتفرع الى عدة طرق وعدة أحزمة . فهناك الطريق البري ، من بكين الى مدريد ، وهناك الطريق البحري من موانئ الصين المختلفه الى مرسيليا الفرنسيه ، وهناك الجسور الجويه الى مختلف الاتجاهات وكلها تنقل المساعدات والتجهيزات الطبيه الصينيه لمساعدة شعوب العالم على الانتصار على الوباء المنتشر حالياً . وهذا يعني ، بالترجمة الفعلية الدقيقة ان الصين قد بدأت في الجلوس على عرش العالم ، المستند الى التعاون الدولي الحقيقي والمثمر ، وفي ظل انكفاء كامل للولايات المتحده الاميركيه عن المسرح الدولي ، اذا ما استثنينا اعمال القرصنه الجويه التي تمارسها ادارة واشنطن ، لسرقة التجهيزات الطبيه الصينيه المرسله الى شعوب العالم ، كما حصل مع الطائره التي كانت تحمل شحنة كبيرة من هذه التجهيزات وتتجه الى المانيا عندما استولت عليها ، اول امس ، جهات اميركيه مجهوله ، في مطار بانكوك وحولت اتجاهها عنوة الى اميركا . وهو نفس الامر الذي حصل مع شحنة مساعدات كندية متجهة الى فرنسا تمت قرصنتها ، من قبل واشنطن ، قبل ايّام في كندا .
6. كما يجب ملاحظة ان هجوم الربيع الصيني هذا لا يقتصر على المساعدات الإنسانيه والطارئة فحسب ، بل انه يمتد الى مجالات الاستثمار المستدام ، في طيف واسع من المشاريع الانتاجيه والخدماتيه ، التي تعزز اقتصاد الدول الناميه وتبني قاعدة لاستقلال وطني حقيقي لهذه الدول وانفكاكها من نير الاملاءات الاميركيه .
فها هو البنك الدولي يؤكد في آخر احصائية له ، حول الاستثمارات الصينيه ، ان مجموع ما استثمرته الصين في الدول الافريقيه ، قد وصل الى ٢٠٨ مليار دولار …. اضافة الى استثماراتها في العديد من الدول الاخرى ومن بينها دولة الاحتلال الاسرائيلي . اذ ان الجهات التنموية المعنيه في الصين قد استثمرت مبالغ كبيره في ميناء حيفا الفلسطيني المحتل ، كما استثمرت بقوه في قطاع الصناعات الدوائية ، واستحوذت على كبريات مصانع الأدوية هناك . وهي استثمارات استراتيجيه اثارت غضب سيد البيت الابيض . الا ان حكومة الاحتلال وافقت عليها ، رغم انها اشد التصاقاً بالسيد الاميركي ، من بعض الأذناب العرب الذين يرفضون فتح باب التعاون مع الاستثمارات الصينيه ، رغم انها غير مشروطة على الإطلاق ولا ترتبط باي اهداف سياسية ، سوى تمتين العلاقات الدولية على قاعدة المصالح المتبادلة .
وتلك الايام نداولها بين الناس