لِمَاذَا قُتِلْنَا فِي بَيْتِنَا الَّذِي بَنَيْنَاهُ بِعَرَقِ الْجِبَاهِ الْمَجْبُولِ بِدَمِ الشَّهَادَةِ؟(غازي قانصو)
بِقَلَمِ أ.د.غَازِي مُنِير قَانْصُو- الحوار نيوز
لِأَنَّ اسْتِنَارَةَ الْعَقْلِ خَطِيرَةٌ، وَلِأَنَّ الْإِيمَانَ بِالْحقِّ المُغصوبِ قُوَّةُ الفَضِيلَةِ. وَلِأَنَّ الْمَوْقِفَ سِلَاحٌ، وَالرُّضُوخَ اعْتِرَافٌ، وَالرَّفْضً اعْتِزَازٌ. وَلِأَنَّ حُرِّيَّةَ الْعَيْشِ مَسْؤُولِيَّةٌ فِي الْبَدْءِ وَفِي النِّهَايَةِ، وَلِأَنَّ مَطْلَبَنَا الْحَقُّ فِي عَيْشٍ صَالِحٍ هِيَ تِلْكَ الْفَضِيلَةُ الَّتِي تَجْعَلُ مِنْ الْعُنْفِ الْمُقَابِلِ عَمَلًا إِجْرَامِيًا.
لَقَدْ حَاوَلُوا طَمْسَ الْحَقِيقَةِ فِي سُطُورِ الْبَاطِلِ، وَتَجْرِيدَ الْكَلِمَةِ الحَقّةِ مِنْ سِلَاحِهَا، وَتَقْيِيدَ الْفِكْرَةِ باسترجاعِ الحُقُوقِ المَسْلُوبةِ بِسَلَاسِلِ الْجَهْلِ وَالْخَوْفِ.
لَكِنَّنَا وَقَفْنَا بِصَلَابَةٍ مُتَمَسِّكِينَ بِإِيمَانِنَا بِأَنَّ الْقُوَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ لَيْسَتْ فِي الْعُنْفِ الإجْرَامٍي، بَلْ فِي الْكَلِمَةِ والموقفِ والبناءِ عليهٍما كُّلّ ما يَقتَضِيانِه، فِي إطارِ الِايْمَانِ الْمُسْتَنِيرِ، وفِي الْعَقْلِ الْمُنْفَتِحِ، وَفِي الْقَلْبِ الْمُؤْمِنِ بِعَدَالَةِ قَضِيَّتِنَا، وفِي ما تستطيعُ اليَدُ امتلاكَهُ للدفاعِ عن الانسانِ والعِرض والأرضِ والوطنِ والأُمّةِ.
وَكُلَّمَا حَاوَلُوا إِسْكَاتَنَا، زَادَ إِصْرَارُنَا عَلَى رَفْعِ صَوْتِ الْحَقِّ، وَكُلَّمَا زَادَ بَطْشُهُمْ، تَأَكَّدْنَا مِنْ عَظَمَةِ رِسَالَتِنَا.
لِأَنَّ اسْتِنَارَةَ الْعَقْلِ بِالِايْمَانِ عَظِيمَةٌ، لِذلِكَ يَرَوْنَهَا خَطَرًا عَلَى تُجَبُّرِهِمْ، فَهُمْ يُدْرِكُونَ جَيِّدًاً أَنَّ الْعُقُولَ الْمُسْتَنِيرَةَ تُهَدِّدُ عُرُوشَهُمْ الْمَبْنِيَّةَ عَلَى الظُّلْمِ وَالْجَهْلِ.
وَلِأَنَّ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْحَثِيثِ نَحْوَ التَّنَوُّعِ وَالْإِثْرَاءِ الْفِكْرِيِّ الْإِنْسَانِيِّ تَحْتَ قِيَادَةِ الْفِكْرِ الْمُنْفَتِحِ السَّلِيمِ، بِقِيَادَةٍ رُؤْيَوِيَّةٍ وَبِشَخْصِيَّةٍ أَخْلَاقِيَّةٍ أمِينَةٍ وَمُتَوَاضِعَةٍ، يَكْسِرُ كُلَّ قُيُودِ الْعَبِيدِ. لِهَذَا، يَخْشَوْنَنَا، وَيُحَاوِلُونَ بِكُلِّ قُوَّتِهِمْ تَدْمِيرَنَا.
وَلَكِنْ، أَيُّهَا الظَّالِمُونَ، لَنْ تَسْتَطِيعُوا اغْتِيَالَ الْفِكْرِ وَالْإِيمَانِ والعزيمةِ والموقفٍ والسلاحِ، لَنْ تستطَيعُوا أنْ تَقْتُلُوا الْحَقِيقَةَ.
أجل، لَقَدْ قُتِلْنَا فِي بَيْتِنَا الَّذِي بَنَيْنَاهُ بِعَرَقِ الْجِبَاهِ الْمَجْبُولِ بِدَمِ الشَّهَادَةِ، لِأَنَّنَا اخْتَرْنَا طَرِيقَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ، لِأَنَّنَا رَفَضْنَا الرُّضُوخَ وَالِاسْتِسْلَامَ. يا سَادَة، سَتَظَلُّ أَرْوَاحُنَا الْحُرَّةُ تَحَلِّقُ فَوْقَ رُكَامِ الظُّلْمِ، وَسَتَبْقَى كَلِمَاتُنَا ومواقِفُنا سَيْفًاً مَسْلُولًاً فِي وَجْهِ طُغْيَانِكُمْ.
قَاتَلَهُمُ اللهُ، فَإِنَّهُمْ يَدْرُونَ جَيِّدًاً مَا يَفْعَلُونَ، وَمَا يُجْرِمُونَ، وَمَا يَسْفِكُونَ مِنْ دِمَائِنَا الزَّاكِيَةِ، وَسَيَنْقَلِبُونَ. وَسَتَبْقَى دِمَاؤُنَا النَّقِيَّةُ شَاهِدَةً عَلَى جَرَائِمِهِمْ، وَسَتَظَلُّ كَلِمَاتُنَا نُورًاً يَهْتَدِي بِهِ الْأَحْرَارُ، وَدَرْبًاً يَسِيرُ عَلَيْهِ السَّاعُونَ لِلْحُرِّيَّةِ وَالْكَرَامَةِ.
سَنَظَلُّ نَرْفَعُ رَايَةَ الْحَقِّ، وَلَنْ نَرْضَى بِغَيْرِ الْعَدْلِ بَدِيلًاً، العدلُ الَّذِي يَحْتَرِمُ إِنْسَانِيَّةَ الْإِنْسَانِ، كَائنًا مَنْ كَانَ، وَسَيَبْقَى انْفِتَاحُ عُقُولِنَا، وَإِيمَانُنَا بِالْكَلِمَةِ، قُوَّةً لَا تُقْهَرُ، مَهْمَا حَاوَلُوا كَسْرْنَا أَوْ تَقْيِيدَنَا.