الاخلاق،الارادة والقدر: الوباء وحرب الهوية
حكمت عبيد -الحوارنيوز خاص
كتاب جديد للمؤلف الدكتور حاتم علامي، صدر حديثاً عن منشورات جامعة MUBS.
يأتي الكتاب ليتناول موضوعاً اساسياً يفتقر الى الاهتمام في المكتبة العربية. حيث يتناول تطور المسألة الأخلاقية، والهوية الأخلاقية ونظام القيم.
ويتوقف المؤلف في قراءة جديدة للإرادة وعلاقتها بالقدر في ما يسميه الإرادة القدرية.
يحتل موضوع مواجهة العالم مع وباء كورونا جزءاً اساسياً يتم التعاطي معه من المنظار الاخلاقي لعرض الاستحقاقات التي تواجهها البشرية. وفي مجال حرب الهويات الجديدة، يتناول الكتاب إشكالية العلاقة مع الطبيعة، حيث يقول د. علامي:
نستزيد من الادب الروائي في التبصر في العلاقة بين الطبيعة والانسان، فحقيقة العلاقة بين الصراع والتكامل والتناغم شغلت الفلاسفة والمفكرين، بقدر ما شغلت الكتاب الوجوديين، فجاءت الرواية صورة لمسار العلاقة في عمقها واحتمالاتها.
تمثل رواية ارنست همنغواي في الصراع بين العجوز سانتياغو والفتى مانولين مع البحر صورة الصراع بين الإرادات،
حيث الصراع المرير بين العجوز واسماك القرش والسمكة الجبارة؛ وتعتمد الرواية على جاذبية تصويرية اخاذة في تناولها امل الصياد بعد خيبته على مدى اربعة وثمانين يوماً دون ان يظفر بأي سمكة. الصراع الذي ينتهي بالحصول على السمكة الكبيرة يفتح معه صراعاً مع اسماك القرش المتوحشة في تصوير لصراع لا ينتهي بين القوة العقلية والتصميم والإرادة مع قوى الطبيعة التي تدافع عن مصيرها للبقاء؛ مع ما يمثله الفتى مارلين من استمرار الرحلة الانسانية بين الاجيال؛ فالصراع مع القدر يتموضع في العلاقة الصراعية بين الطبيعة في روعتها وتجسيدها لمنظومة متكاملة للبقاء.
تبدأ المسألة في موضوعنا بتقييم اساس العلاقة بين الطبيعة والانسان، فهل الانسان بكونه كائناً حياً هو جزء من الطبيعة، وقد خضع في مرحلة مبكرة لتأثيراتها بتقلباتها وقوتها وعواصفها وسيولها، الى مرحلة لاحقة في إخضاع الطبيعة وتوظيف مواردها لصالحه، وقد اتيحت له ادوات قهر واستغلال نتيجة التقدم التكنولوجي وتغير طابع الحياة.
يمكن ان نفهم ان الطبيعة لن تأذن بتدميرها بالطريقة التي مورست من قبل الانسان، بعد ان عاش الانسان لقرون في موقع الخوف من الطبيعة الى تطور قدرات الانسان وبصورة خاصة في القرن التاسع عشر، فارتبط التقدم بمفاهيم السيطرة التي اخذت تتعزز وصولاً الى هيمنة النمط الرأسمالي، واعمال التدمير المسلح، وتدمير البيئة، وتطور الصناعات دون اعتبار للتوازنات الطبيعة.
في تحليل العلاقة، فإنه يمكن ان نترقب في نتائج عبث الانسان بالتوازنات والردود الطبيعية، وهي ردود على مستويات عدة:
فهي على المستوى الاول، وفي المدى المنظور تأتي من خلال مشكلات التلوث للموارد كرد مباشر على الاستغلال المشوه، اقتراناً بكل التشوهات التي تعتبر ضريبة الاستهتار بحق الطبيعة وتكامليتها وشراكتها للانسان.
وجاءت تطورات التكنولوجيا والاسلحة التدميرية وازدياد نسبة غاز الكربون وتخريب طبقة الاوزون، فضلاً عن مخاطر الاسلحة الذرية، والانتشار السكاني والاستهلاك البشري لخيرات الطبيعة، لتشكل رد فعل الطبيعة في المستوى الثاني حيث يتفق العلماء على ان البشرية ستدفع ثمن الممارسات الخاطئة.
اما صورة المواجهة مع الكورونا فهي استعادة لحقيقة النتائج الصادمة الناجمة عن اختلال التوازن، وتفاقم الواقع الذي ينتج الاوبئة سواء من خلال الفتك بعوامل وعناصر التوازن؛ او من خلال اساءة استخدام التقدم العلمي ومحاولات التلاعب بالاستقرار، واستغلال التطور الجيني والبيولوجي في نطاق الجشع البشري، او لتوظيف هذا العقل في الحروب الفتاكة التي تقوض الحد الادنى لاحترام قيم الحياة وسمو الانسان.
في رواية 2012 النهاية، استعاد وليام غلادستون مفارقة حسية مسكونة بهواجس الانسان حول ماهية القدر، ووساوس اللاوعي الايديولوجي، واسقاطات الثواب والعقاب في مقاربة عالم مثالي تتحداه ارادة الحياة بنفس قوة الارادة التي تعمل على انسنة نسق الصيرورة الطبيعية في عالم البشر.
ليست المرة الاولى التي يجري الحديث فيها عن نهاية الكون الا ان المنظومة الفكرية التي عمل الكاتب على إخراجها في الكتاب (2012، النهاية، تأليف ويليام غلادستون، ترجمة حسان البستاني ط1، 2010) تنوعت المؤشرات فيها بين العوامل الأرضية والعوامل المرتبطة بالكواكب السماوية و تمثلها في الشخصيات الإنسانية المنفعلة بتقلبات الطبيعة.
يستند الكاتب الى البحاثة الماياويين، حيث يمثل 21 كانون الاول 2012 نهاية الرزنامة الماياوية وبداية حقبة جديدة، مع تغيرات هائلة تنمو مع الوقت؛ في الرواية محطات مع الانفجار الكبير في 12 آذار 1949، وحالة النورانية 1965. من الخيال الادبي، الى المقاربات بحدس انساني بالعلم والتحليل والخيال سيناريوهات متعددة بهاجس مصير العالم.
في عصر الكورونا، تعود الى الذاكرة التنبؤات بنهاية العالم نتيجة الاوبئة التي تغزو العالم، ومنها امثلة الطاعون، والايبولا، وفيروسات الانفلونزا المختلفة، وتستذكر الهواجس وباء الفطريات التي استطاعت ان تلتهم الكثير من البرمائيات.
السيناريو الثاني يستحضر فكرة اصطدام الكويكبات بالارض، ومنها تنتشر افكار حول المخلوقات الفضائية.
السيناريو الثالث ينطلق من الظروف البيئية، مع ارتفاع حرارة البحار، وتسرب غاز الميثان؛ وذلك انطلاقاً من تغيير المناخ المستمر.
السيناريو الرابع مرتبط بتطور اجيال التكنولوجيا وعصر الروبوت وفرضية انقلاب الروبوت على الانسان، مع تطور عصر الذكاء الاصطناعي. السيناريو الخامس يقوم على نقص المواد الغذائية والموارد نتيجة التزايد السكاني.
السيناريو السادس يتعلق بالثورات البركانية، بعد ان كانت بعض المظاهر المحدودة امراً واقعاً في عدد من مناطق العالم، وتستحضر بعض السيناريوهات امكانية انفجار بركاني هائل.
السيناريو السابع يعتمد على التوهج الشمسي وإرسال الكتونات وايونات وإشعاعات تعطل جميع الاجهزة الالكترونية.