قضاءكتب

“أسباب النقض أمام محكمة التمييز العسكرية” للقاضي طاني لطوف:اجتهادات وقرارات حول الإرهاب والعمالة

 

بقلم أسعد الخوري – الحوار نيوز

 

“أسباب النقض أمام محكمة التمييز العسكرية” كتاب جديد للقاضي طاني لطّوف رئيس محكمة التمييز العسكرية شرفًا. (صادر عن المؤسسة الحديثة للكتاب – لبنان، 256 صفحة من القطع الكبير).

القاضي لطّوف أمضى 35 عامًا في سلك القضاء بدأها قاضيًا منفردًا في حلبا والقبيات ومن بعدها بشرّي ثم انتقل بعدها إلى قضاء التحقيق والنيابة العامة الاستئنافية في الشمال، ومن ثم إلى النيابة العامة التمييزية المالية حيث أمضى عدة سنوات. ومن بعدها حطّ رحال القاضي لطوف في القضاء العسكري حيث تمّ تعيينه رئيسًا لمحكمة التمييز العسكرية بداية العام 2015 واستمرّ في منصبه حتى انتهاء خدماته لبلوغه سنّ التقاعد أواخر نيسان 2021.

وقد لفت القاضي لطّوف خلال توليه مهمّاته في رئاسة التمييز العسكرية، ندرة المراجع التي تُعنى باجتهادات وقرارات هذه المحكمة العليا وهي شبه محصورة في كتاب القاضي الشيخ أمين نصّار الذي تولى رئاسة محكمة التمييز العسكرية من العام 1991 حتى العام 1995، والذي تولّى جمع اجتهادات المحكمة خلال فترة تولّيه رئاستها.

ويقول القاضي لطّوف انه كان من الضروري إكمال هذه المسيرة من خلال تحديث هذا الاجتهاد وتوحيده وإكماله وإيجاد الحلول المناسبة لكل قضية بمفردها، خصوصًا في موضوع الإرهاب، مع تحوّل محكمة التمييز العسكرية إلى محكمة إرهاب.

وينوّه القاضي لطّوف في مقدمة كتابه، بالمجهود الكبير الذي يقوم به القضاء العسكري في لبنان لجهة حجم الملفات المفصولة أمامه، وخطورتها. وان ما يبرز أهمية القضاء العسكري مساهمته الفعّالة في التصدي لمعظم الجرائم الكبرى والهامة على صعيد الوطن، خصوصًا بعد انتشار ظاهرة الإرهاب العابر للحدود، التي دفعت دولاً أخرى إلى إيجاد محاكم متخصّصة بهذا النوع من الجرائم.

ويضيف القاضي لطّوف انه ورغم ان محكمة التمييز العسكرية هي محكمة استثنائية وأن معظم مستشاريها هم من القضاة الضباط، فإنها لم تتحوّل يومًا، طيلة هذه السنوات الست (أي خلال توليه رئاسة المحكمة) إلى “محكمة عرفية” تتخذ قراراتها بصورة اعتباطية جائرة، رغم خطورة الملفات التي نظرت فيها. بل كانت محكمة جزائية عدلية عليا تخترم حق الدفاع وتصون حقوق المتهم من خلال محاكمات علنية شفّافة، تراعي كل معايير العدالة، وبالمقابل تصون المجتمع والوطن من خلال سرعة وفاعلية إجراءاتها وحسن أدائها وعدالة اخصامها.

ويتابع القاضي لطوف: ان القضاة الضباط شكّلوا قيمة مضافة لهذه المحكمة من خلال علمهم وثقافتهم القانونية وتجربتهم العسكرية والأمنية وتنشئتهم من خلال مؤسسة عُرفت على الدوام وما زالت، كعنوان للشرف والتضحية والوفاء.

لقد نظرت محكمة التمييز العسكرية، منذ بداية تولّي القاضي لطّوف رئاستها وحتى تقاعده بأكثر من ألف ملف، معظمها يتعلق بالإرهاب أو بالتعامل مع العدو الإسرائيلي. ويؤكد أنه قد صدرت فيها “قرارات بإجماع هيئة المحكمة، بعد نقاشات معمّقة، فساهمت بمجهود قضاتها، في حفظ الأمن الوطني اللبناني وأدّت رسالة القضاء بدقة والمسؤولية عالية”.

يتضمّن الكتاب مئات الاجتهادات المختارة التي تغطّي معظم أسباب النقض أمام محكمة التمييز العسكرية، وهي منتقاة من أكثر من ألف نظرت فيها المحكمة خلال تولي القاضي لطّوف رئاستها. والهدف من ذلك تسهيل عمل رجال القانون والمحامين والمهتمّين بشؤون القضاء العسكري.

اجتهادات وقوانين

“اختصاص المحكمة العسكرية” يشكّل بندًا أساسيًا في الكتاب. وتحت عنوان (لجهة مخالفة الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان)، يرى القاضي لطّوف أنه “بخصوص مخالفة الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان واتفاقية الدولة اللبنانية القاضية بعدم ترحيل السوريين المعارضين للنظام، فإنه يعود لهذه المحكمة على ضوء الجرم الذي ارتكبه المدّعى عليه أن تقضي في الفقرة الحكمية بترحيل المتهم إلى خارج الأراضي اللبنانية. أما بخصوص الإتفاقية مع الأمم المتحدة بخصوص عدم الترحيل فإن الموضوع يخرج عن صلاحية هذه المحكمة لجهة الترحيل أو كيفية تنفيذه…”.

ويعني هذا الأمر أن المحكمة العسكرية تُحاكِم وتَحكُم، لكن قرار التنفيذ يبقى لدى السلطة التنفيذية اللبنانية التي ترتبط بالاتفاقيات المعقودة مع الأمم المتحدة، وتلجأ إلى تنفيذها تمامًا.

محاكمة عامر فاخوري

في اجتهاد القاضي لطّوف (الصفحة 250 من الكتاب) تحت عنوان (حصول خطأ في تطبيق القانون الواجب التطبيق): حيث أن مفوض الحكومة لدى محكمة التمييز العسكرية يدلي بأن القرار المطعون فيه قضى بتطبيق أحكام القانون الجزائي اللبناني رغم اشاراته إلى أحكام المادة 2 (أصول محاكمات مدنية) التي تنصّ على تقدّم أحكام المعاهدة الدولية على أحكام القانون العادي، بخلاف القرار الاتهامي الذي استند إلى القانون الدولي الإنساني والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمعاهدات والاتفاقات والقرارات المرتبطة بالجمعية العامة للأمم المتهحدة للقول بأن الأفعال المسندة للمتهم هي جرائم حرب ضد الإنسانية غير قابلة للسقوط بمرور الزمن.

يقول القاضي لطّوف: حيث أن المادة 2 (أصول محاكمات مدنية) تنصّ على أنه عندما تتعارض أحكام المعاهدات الدولية مع أحكام القانون العادي تتقدّم في مجال التطبيق، الأولى على الثانية…

يضيف: حيث أنه تطبيقًا لمبدأ لا جريمة بدون نصّ لا تستطيع المحاكم اللبنانية حاليًا ملاحقة انتهاكات القانون الدولي الإنساني، التي لا تخضع لمرور الزمن ولا تعتدّ بالحصانات الرسمية، لأنه غير منصوص عنها في قانون العقوبات، كما أن لبنان ليس صاحب اختصاص لممارسة الإختصاص الشامل حيث تلتزم كل دولة بملاحقة المتهمين بإقتراف مخالفات جسيمة كالتعذيب أو المعاملة اللانسانية أو النفي أو الحجز غير المشروع… رغم أنه ملزم باحترام تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1261 تاريخ 25 آب 1999 الذي ألزم كافة الدول بوضع حدٍ للإفلات من العقاب وملاحقة مرتكبي الانتهاكات العظيمة لإتفاقيات جنيف للعام 1949…

وبعد شرحٍ وافٍ للقاضي لطوف عن الاتفاقيات الدولية ودور المحاكم اللبنانية من عادية واستثنائية، يخلص إلى التأكيد بأن “القانون الواجب التطبيق هو القانون الداخلي اللبناني، وتحديدًا أصول المحاكمات الجزائية”…

كتاب رئيس محكمة التمييز العسكرية شرفًا القاضي طاني لطّوف مرجع هام للمحامين والقضاة وكافة المتقاضين. الإجتهادات الهامة التي يتضمّنها الكتاب جديرة بالدراسة والتمحيص باعتبارها تشكّل مراجع قانونية هامة، تُضاف إلى الإجتهادات التي صاغها قضاة ومحامون خاصة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ القضاء في لبنان.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى