قالت الصحف: قراءة في استقالة بيفاني وتداعياتها
الحوارنيوز – خاص
استقالة مدير المالية العامة في وزارة المالية آلآن بيفاني وانعكاساتها في هذا التوقيت كانت محور إفتتاحيات الصحف وتعليقاتها.
– صحيفة "النهار" عنونت" "استقالات المستشارين: دومينو الهروب أم تداعي السيطرة" وكتبت تقول:" إذا كانت تبريرات عدّة من تلك التي طرحها المدير العام لوزارة المال ألان بيفاني لاستقالته بعد عقدين من توليه هذا المنصب لم تشف غليل الكثيرين وربما لم تقنعهم بتوقيتها المتأخر للقول إنه لا يريد أن يكون شاهداً على الإنهيار في فصوله السابقة والحالية واللاحقة، فإن ذلك لا يقلّل خطورة دلالات هذه الاستقالة ولا أيضاً مروحة من الوقائع المالية التي أوردها في مؤتمره الصحافي الذي شرح فيه دوافع استقالته. ذلك أن بيفاني، بإبرازه دفاعه القوي عن الخطة المالية للحكومة والذي بدا من خلال هذا الدفاع كأنه العراب الفعلي وواضع الخطة بكل تفاصيلها ومحاورها واتجاهاتها عكس في استقالته اتساع تداعيات الصراعات التي تمحورت على أرقام الخسائر التي وردت في خطة الحكومة والتي استدعت تأليف لجنة تقصي الحقائق المنبثقة من لجنة المال والموازنة النيابية التي أنجزت تقريرها وسيقدمه غداً رئيس اللجنة النائب ابرهيم كنعان الى رئيس مجلس النواب نبيه بري.
الحرب الصامتة تارة والمعلنة طوراً بين الحكومة واللجنة التي دارت طوال الفترة السابقة في موازاة المفاوضات الجارية بين الفريق اللبناني برئاسة وزير المال غازي وزني وفريق صندوق النقد الدولي لم تحط رحالها قط على رغم "هدنات" متقطعة من دون التوصل الى حلّ جذري لتوحيد أرقام الخسائر المالية، مع أن صندوق النقد الدولي كرّر أكثر من مرة تبنيه لأرقام الحكومة. لكن الجانب الآخر من تداعيات استقالة بيفاني التي يفترض أن يتخذ مجلس الوزراء قراره اليوم بقبولها أو رفضها تتمثل في الخلفية الأخطر التي تتصل بتداعي إدارة الأزمة المالية على يد الحكومة نفسها التي لم يوفرها بيفاني كما المصارف في انتقاداته وحملاته، علماً أن استقالته شكّلت المؤشر الثاني تباعاً لحال التفكك التي تحاصر الحكومة في هذا الملف بعدما سبق بيفاني الى الإستقالة قبل أسبوعين المستشار في وزارة المال هنري شاوول وهو كان أيضاً أحد أعضاء الفريق المفاوض مع صندوق النقد الدولي.
وما لن يكون سهلاً على الحكومة والسلطة كلاً أن تتجاهله بعد بدء مسار استقالات يصعب التكهن بنتائجه المباشرة، هي الانطباعات القاتمة التي بدأت تتشكل لدى أوساط ديبلوماسية غربية كما لدى أوساط سياسية واقتصادية محلية حيال الفقدان المتدرج لسيطرة الحكومة وقدرتها في الحدود الدنيا على احتواء الأزمة بحيث صارت يوميات التدهور المالي تشكّل الإثبات الحي والأشد خطورة لصورتها وتماسكها، فيما يسجّل الدولار في السوق السوداء قفزات قياسية مطردة بلغت به أمس حدود الـ8300 ليرة. كما أن هذه الأوساط تتساءل عما إذا كانت الاستقالات في "حكم المستشارين" تنم عن احتدام الصراعات بين المكونات السياسية للحكومة والسلطة، أم أن هؤلاء يسارعون الى القفز من المركب المتهاوي لإدراكهم أنه يشارف الغرق؟
– صحيفة "الاخبار" عنونت:" استقالة آلان بيفاني: نهاية انتفاضة مدير عام" وكتبت تقول:" عشرون عاماً قضاها ألان بيفاني مديراً عاماً لوزارة المال، خُتمت أمس. قدّم استقالته بعد أن وُئِدت خطة الحكومة سياسياً، من دون إيجاد بديل لها. المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من الانهيارات الاجتماعية – الاقتصادية، وبيفاني لا يُريد أن يكون داخل المركب فيما هو غير قادر على إنقاذه. استقالة تبدو نذير الأسوأ
"القصّة مش متعلقة بمدير عام"، كما قال ألان بيفاني خلال مؤتمره الصحافي أمس، وكرّرها خلف الكاميرات. المدير العام لوزارة المال قرّر أن يستقيل "لأنني أرفض أن أكون شريكاً أو شاهداً على ما يجري. ففي الظروف القائمة بات المطلوب أكثر من تحيّن الفرص لتحقيق إنجاز ولو ضئيل، وخوض مواجهة هنا وهناك، كما كان الحال في السابق". ولكن بعيداً عن خلفيات قرار بيفاني، أو عن كلّ المُساءلات المشروع أن توجّه له بعد 20 سنة في الإدارة العامة، يبقى الأساس أنّ استقالته لا تُختصر بقفز أحد المسؤولين من المركب، بل هي أقرب إلى تعبير عن واقع لبناني كئيب، تطال تبعاته الشريحة الأكبر من الطبقات الاجتماعية. المعركة، غير المتكافئة أصلاً، تزداد شراسةً مع جبهة النظام الاقتصادي – السياسي القائم.
إخراج بيفاني لنفسه من دائرة القرار يُعدّ انتصاراً لـ"حزب المصرف"، الذي شغّل مرة جديدة وكلاءه من السياسيين، مُتمكّناً من تحويل خطته المالية وأرقامه إلى وثيقة رسمية تصدر عن مجلس النواب. ممثّلو الكتل النيابية في "البرلمان" وقفوا بمواجهة ممثلي الكتل نفسها في الحكومة، حتى باتت "خطة الإصلاح الحكومي" يتيمة. في الخطة الأخيرة هفوات وخطايا عديدة، وملاحظات جمّة حول مقاربة الأزمة، ولا سيّما في الشقّ الاجتماعي، غير أنّ أهميتها كانت تكمن في تحديدها للمرة الأولى خسائر المالية العامة ومصرف لبنان، وتدعو إلى استعادة أموال جنتها الأقلية على حساب الأكثرية، واستعادة مال منهوب ومُهرّب مع الفوائد. وبالتالي، استقالة بيفاني مؤشّر خطير إلى ما ستؤول إليه الأوضاع في البلد. فالشعب سيدفع ثمن الخسائر التي لم يُشارك في تكوينها، والمودعون الذين قامر أصحاب المصارف بأموالهم، سيبقون "عبيداً" لأصحاب المصالح. "نعم، نحن اليوم مُشرفون على مرحلة جديدة من الاستيلاء على أصول اللبنانيين، وسحق الطبقة غير الميسورة، وتحميل فئات الدخل الأدنى والمتوسط الأكلاف الباهظة"، قال بيفاني. كلامه بدا أقرب إلى نعيٍ لخطة الحكومة المالية التي شارك في وضعها، رغم أنّ بعض الوزراء يؤكّدون أنّه لا تراجع عن الأرقام المُعتمدة فيها. اللافت أنّ من تفوّه بهذا الكلام وخاض المعركة أمس، ليس تلميذ المدرسة الماركسية أو أحد اليساريين، بل أستاذ ليبرالي، مؤمن بالنظام الرأسمالي الحرّ، ويوصف بـ"ابن الدولة". حتّى هذا النموذج، نبذته الأوليغارشية اللبنانية، التي تُريد أن يكون البلد "ملكية خاصة" لها.
حين عُينّ مديراً عاماً سنة 2000، في عهد الوزير السابق جورج قرم، أعلن بيفاني "الحاجة إلى تصحيح النموذج الاقتصادي القائم، ومحاربة الفساد". كانت تلك بداية "انتفاضة" أصغر مُدير عام في الدولة (عُيّن قبل أن يبلغ عمره 32 سنة). متخرّج في معهد الدراسات العليا التجاريّة في باريس، رافق 9 وزراء مالية، تميزّت العلاقة مع أغلبيتهم بالنزاع البارد، فكان عرضةً للعديد من الحملات السياسية و"كتم الصوت". نجحت هذه الحملات في تثبيت فكرة لدى قسم من الرأي العام أنّ بيفاني "جزء من التركيبة" وتُحرّكه مصالحه الخاصة، وأنّه في الـ20 سنة الماضية كان شاهداً على كلّ الممارسات من دون أن يُبادر إلى فضحها. توضع رقبة الرجل تحت المقصلة، هو الذي حذّر في الـ2009 (خلال مناسبة في وزارة المال) من أنّ "البلد سينهار إن لم تقم وزارة المال بواجبها".
لم يكن بيفاني صامتاً طوال الوقت، بل قدّم عشرات المذكرات بالخطط الواجب على السلطة التنفيذية اتخاذها حتى نتجنّب مرحلة الانهيار، مُحيلاً العديد من الملفات إلى الهيئات الرقابية والقضائية المعنية. وعمل مع فريق عمله على مجموعة من البرامج والقوانين، ويُعدّ أبرز ملّفين: الإصلاحات الضريبية وإعادة تكوين حسابات الدولة المالية "المفقودة" منذ الـ1993 حتى الـ2017. راهن الجميع على فشله في إتمام المهمة، فاعتُبرت "أهمّ المعارك"، خاصة أنّها ترافقت مع تقرير يوثّق التدخلات في عمل الإدارة "ومنعها من إنجاز مهمّتها في إعادة تكوين الحسابات، أو إجبارها على مسّ هذه الحسابات بطريقة خاطئة، والتلاعب بقيودها لطمسها وإخفاء حقيقتها" (راجع "الأخبار" عدد 7 آذار 2019).
التعدّي على صلاحياته، كان إحدى مشاكل بيفاني داخل الوزارة. "إدارة معطّلة، فوضى وفلتان بالتفصيل، مستشار يتحكّم في كل شيء ويتسلّط على الموظّفين ويدير الوزراء ويلغي قرارات المدير العام، هبات لا تسجّل، سلفات لا تُرد، فريق خاص من خارج الملاك الشرعي يقوم بكلّ الأعمال الحسّاسة من دون أي رقابة ولا يخضع لأي قانون أو نظام"… بعض ممّا قاله بيفاني أمام النواب في جلسة اللجنة النيابية الفرعية، عام 2011، المكلّفة بتقصي الحقائق حول حسابات الدولة المالية. في تلك الفترة، منعت وزيرة المال، ريّا الحسن، بيفاني من المثول أمام اللجنة ثلاث مرات، قبل أن ترضخ.
استمر الرجل في التحذير من منحى الأمور في البلد، فقال خلال ندوة في الجامعة الأميركية – بيروت سنة 2017، إنّ "التبسيط يطغى على النقاش في السياسات الماليّة، ولا تقدّم سوى حلول سطحيّة… ما نحتاج إليه اليوم هو أبعد بكثير من الاكتفاء برفع الجباية وخفض الهدر والفساد".
في الأسابيع الماضية، كان بيفاني أحد الذين سُعّرت الحملة ضدّهم لوضعهم الخطة المالية التي تبنّتها رئاسة الجمهورية والحكومة. ففلسفة الخطة "تكمن في أن يُسهم في إطفاء الخسائر كلّ من استفاد من النظام القائم بشكل غير منطقي". اتُهّم بأنّه يسعى إلى حاكمية مصرف لبنان، وبتهريب ملايين الدولارات إلى الخارج، وحُمّل مسؤولية كلفة سلسلة الرتب والرواتب، علماً بأنّ الأرقام التي قدّمها حينها كانت محصورة بالإداريين، قبل أن يُضم إليها العسكريون والمدرّسون وتُصبح واحدة من أدوات الزبائنية السياسية… كلّ ذلك بقي "مقبولاً"، إلى أن تبيّن لبيفاني انقلاب القوى التي تبنّت الخطة عليها، من دون وجود أي خطة بديلة. أبلغ المسؤولين نيته الاستقالة، فطلبوا منه التراجع، من دون أن يُقدّم له أي أحد ضمانة عن تحسّن الخيارات، فأعلن أمس أنّه "بات من شبه المؤكد أنّ المشروع الذي سيُفرض على اللبنانيين بمرور الوقت هو الذي سيأخذ منهم مرة أخرى قدرتهم الشرائية وقيمة ودائعهم والأملاك العامة التي هي ملكهم وثروتهم"، مُعتبراً أنّ الحملة على الخطة لأنّها "لامست بنية النظام عبر طلب التدقيق الجنائي لاسترداد الأموال المنهوبة، واسترداد الفوائد المرتفعة جداً التي حصلت عليها قلّة من المستفيدين، وتحميل المساهمين في المصارف قسطهم من الخسائر، بحسب القانون ووفقاً لمنطق النظام الليبرالي الحرّ". هذا النظام الذي يقضي "برسملة المؤسسات، ومنها المصارف، عند وقوع الخسائر". مشكلة بيفاني أنّه مؤمن ببرنامج مع صندوق النقد الدولي، من دون أن يبحث في الخيارات الأخرى، رغم كلّ الضرر الذي سيتسبّب فيه. ولكن أصحاب المصالح كانوا أيضاً موافقين على "الصندوق"، قبل أن "يفهموا أنّه مطلوب منهم المساهمة، لأنّ حجم الفجوة كبير جدّاً، فبدأت الحملة على أرقام الخطة".
بعد المؤتمر، تلقّى بيفاني اتصالات من الرئيس ميشال عون، ورئيس الحكومة حسّان دياب، ووزير المال غازي وزني، وأبلغوه رفضهم الاستقالة. أما بالنسبة إليه، فمحسوم أنّه أصبح المدير العام "السابق" لوزارة المال.
– وتحت عنوان "الاستقالات المالية تهدد التفاوض مع الصندوق" كتبت "اللواء":
بين اجتماع مجلس الدفاع الأعلى لبحث اقدام إسرائيل على التنقيب عن الغاز في البلوك رقم "9" المتنازع عليه مع لبنان، في وقت غرق البلد بأزمات المديونية، والانهيارات المالية والحصار المتفاقم على الخدمات والسلع الغذائية، والشح بالدولار، مع الارتفاع الجنوني، وعقد جلسة لمجلس الوزراء، مثقلة بالمشكلات، ولعل أبرزها، استقالة المدير العام لوزارة المالية، التي أعقبها بعقد مؤتمر صحفي يستشف منه ان الاستقالة جاءت على خلفية الخلاف المحتدم حول الأرقام بين مصرف لبنان ووزارة المال، التي وضعت خطة التعافي الاقتصادية باشراف مباشر من بيفاني نفسه.. موكداً ان "ارقام الحكومة، ومقاربتها هي الصحيحة" والتي سيفندها أكثر بعد قرار مجلس الوزراء، لجهة قبول الاستقالة أو التريث بها، في حوار تلفزيوني مساء اليوم.
في الحيثيات، قال بيفاني: اخترت ان استقيل، لانني أرفض ان أكون شريكاً أو شاهداً على الانهيار، ولم يعد الصبر يجدي اليوم، مشيراً إلى ان استقالته جاءت بعدما "استنفذت كل جهد لإنقاذ ما يمكن انقاذه".
وتحضر استقالة بيفاني امام طاولة مجلس الوزراء للبحث في تداعياتها، وسط معلومات عن تولي المدير العام بالوكالة مهامه، لحين البت بالاستقالة، التي يبدو انه مصر عليها، لأن أحداً لا يستمع إلى ما يقوله.
وكشف مصدر مطلع ان خلافاً وقع مع وزير المال، وان الخطة هي سبب الاستقالة.
على ان الأخطر، صعود الدولار صعوداً جنونياً على الرغم من الإجراءات التي تتخذ على مستوى المنصة الالكترونية وغيرها، إذ قفز فوق الـ8000 ليرة لبنانية لكل دولار.. الأمر الذي يُهدّد بانفجار الوضع، مع استمرار التحركات الاحتجاجية، إذ اعرب مصدر أمني عن مخاوفه من الاشتباك الذي وقع في محلة شاتيلا بين عناصر من الجيش "قبل الحاجز" وعدد من المتظاهرين، الذي رموا الحجارة على العناصر العسكرية.