أدب وشعرثقافة

حوار مع “المعري”(محمد قجة)

 

محمد قجّة* – الحوارنيوز – خاص

1 – طابت أوقاتك بكل خير يا أبا العلاء وشيخ الحكماء وفيلسوف الشعراء ..

 – أنا ﻻأستحق لقب أبي العلاء .. ألم تسمعوا بقولي :

( دعيت أبا العلاء وذاك مينٌ

ولكن الصحيح أبو النزول )

 

2 – هذا تواضع منك .. وهانحن نراك بيننا بعد ألف عام وأنت ملء سمعنا وبصرنا وبصيرتنا . . . ونحن نعلم سيرة حياتك الرصينة .. ولكن ..ألم يعرف الحب طريقه إليك ؟!

  • تلك أيام الصبا .. ليس منها غير الذكريات .. ومن شعري في الصبا :

 مِـنْـكَ الـصُّـدُودُ وَمِـنِّـي بِالصُّدُودِ رِضَا

 

مَـنْ ذَا عَـلَـيَّ بِـهَـذَا فِـي هَـوَاكَ قَـضَـى

 

 

3  – ونحن نعلم أنك في شبابك كنت تتفاخر ؛ ولكنك تمزج هذا التفاخر بحكمتك المبكرة . ما الذي تذكره من عمر الشباب ؟

 –  أﻻ في سبيل المجد ما أنا فاعل

     عفافٌ وإقدام وحزم ونائل

    وإني وإن كنت اﻷخير زمانه

    ﻵتٍ بما لم تستطعه اﻷوائل

 

4 – فقدت بصرك طفلا.. ولكن بصيرتك ظلت متوقدة .. وها أنت تبرح المعرة يافعا إلى حلب حيث أهل أمك “بنو سبيكة ” الذين تقول فيهم :

( كأن بني سبيكة فوق طير

  يجوبون العزائز والوهادا )

ثم نراك تتنقل بين أنطاكية واللاذقية وطرابلس الشام ، إلى أن تقصد بغداد ثم تغادرها مهموما مكتئبا .. وتلزم بيتك في المعرة رهين محبسيك .

    يأخذ عليك كثيرون أنك كنت كثير الشك مما جعلهم يتحاملون عليك ويتهمونك في صدق إيمانك .. فهل لك رد عليهم ؟

  – إن الذين يرمونني بذلك ﻻ يذكرون قولي المشهور :

( أثبتُ لي خالقا حكيما

ولست من معشر نفاة)

وقولي :

( يا خالق البدر وشمس الضحى

  معوّلي في كل شيء عليك  )

وقولي :

( رددت إلى مليك الخلق أمري

  فلم أسأل متى يقع الكسوف)

 

5 – هذا صحيح يا شيخ الحكماء .. ولكنهم يرمونك بالشك وضعف اليقين ويزعمون أن ذلك وارد في شعرك . ألست القائل :

 ( كذب الظن ، لا إمام سوى العقل

مشيرا في صبحه والمساء )

–  إنني أتعجب من الذين يتقولون على شعري .. أنا أدعو إلى تحكيم العقل والتفكير .. وهل في ذلك مخالفة لما ورد في كتاب الله : يعقلون . يفكرون . يتفكرون . يعلمون .

وهل يعيب شعري قولي :

( خذوا في سبيل العقل تهدوا بهديه

   وﻻ يرجون غير المهيمن راج )

وقولي :

( وإنك إن تستعمل العقل لم يزل

  مبيتك في ليل بعقلك مشمسا )

 

6 – ولكنك متهم بنقدك الحاد لبعض مظاهر عصرك ، وعدم رضاك عنها في أحوال اجتماعية واقتصادية وسياسية ، وملاحظاتك في “رسالة الغفران”

  – نعم لقد فعلت ذلك . وما قلته يصلح لكل زمان ومكان .. وهل الدعوة إلى العدل والمساواة أمر بغيض ؟!!

   لقد انتقدت الملوك فقلت :

( تسمى رجال بالملوك جهالة

  وﻻ ملك إﻻ الذي خلق الملكا)

وقلت :

( الناس للناس من بدو وحاضرة

بعض لبعض ، وإن لم يشعروا ، خدم )

   فهل في قولي هذا ما يعيبني ؟!

 

7 – هذا ﻻ يعيبك بل إنه يشرفك .. وهل انتقدت أحواﻻ اجتماعية أخرى ؟

  • نعم .. دعوت إلى اﻹنصاف والمساواة

( لقد جاءنا هذا الشتاء وتحته

   فقير ضعيف أو أمير متوج )

  ودعوت الى السلام والهدوء فقلت :

( فإن ترشدوا ﻻتخضبوا السيف من دم

   وﻻ تلزموا اﻷميال سبر الجرائح )

  وقلت :

( وأصفح عن ذنب الصديق وغيره

  لسكناي بيت الحق بين الصفائح )

 

8 – كما انك كنت تشكك في نزاهة القضاء الذي يغض النظر عن الفاسدين الأثرياء ويعاقب الفقراء في سرقات صغيرة ؛ وذلك في قولك : ( يد بخمس مئينٍ عسجد وُدِيت

ما بالها قُطعت في ربع دينار )

– نعم قلت ذلك وانا عند رايي .

 

9 – ولكنك كنت كثيرالتشاؤم ، اتذكر قولك :

( أولو الفضل في اوطانهم غرباء

تشذ وتنأى عنهم القرباء )

 ويؤخذ عليك أنك أخذت المعنى من أستاذك المتنبي أبي المحسّد في قوله :

( أفاضل الناس أغراض لذا الزمن

  يخلو من الهم أخلاهم من الفِطن)

 – (يضحك أبو العلاء مسرورا ويقول) : ألم يقل المتنبي :

( أنا الذي نظر اﻷعمى إلى أدبي )

والمتنبي كان يقصدني .. فأنا هو اﻷعمى الذي نظر إلى أدبه !!

 

10 – من المعلوم انك يا ابا العلاء معروف على المستوى العالمي اكثر من اي شاعر عربي آخر حتى استاذك المتنبي .

– نعم اعرف ذلك .. وهذا يسعدني .. ولعل مرد هذه الشهرة لأعمالي النثرية وابرزها ” رسالة الغفران ” التي هي فتح جديد معرفيا وفنيا وحضاريا ؛ واعلم ان كتابي هذا تأثر به وقلده كثيرون منهم ” دانتي ” . وكذلك كتبي الأخرى ” الصاهل والشاحج ” وهو نقد سياسي واجتماعي على لسان الحيوانات . وكتاب ” الفصول والغايات ” وكتاب ” رسالة الملائكة ” وغيرها من الكتب .

 

11 – ستبقى يا ابا العلاء شغلنا الشاغل ومحور اهتماماتنا الفكرية والادبية والشعرية والحضارية ؛ لأنك عبقري استثنائي من الصعب ان يجود بمثله الزمان .

*مؤرخ وكاتب – سورية

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى