14 آب 2006 : للإنتصار وجه واحد (احمد عياش)
د.أحمد عياش -الحوار نيوز
لم ينتظر أحد اشارة للعودة .فحتى نداء الرئيس نبيه بري المتأخر لساعات بعد قرار وقف اطلاق النار للعودة سمعناه في السيارة ونحن في منتصف طريق العودة ما بعد سهل الدامور ووسط زحمة سيارات لا مثيل لها ووسط مشاهد لن تتكرّر.
لم ينتظر احد شيفرة اذاعة النور او تلفزيون المنار.
عبروا و عبرنا بسياراتنا فوق جسر مليء بالحفر تخرج من اطرافها خطوط حديد متكسّرة،لا يعبر الجسر الا بهلوان او منتحر.
من الحب ما صنع المستحيل.
كنا شكلا للمستحيل.
عبرنا جميعا كبهلوانيين،
عبرت كل السيارات المتعبة بالمشتاقين،ما من سيارة الا وكانت تعج بعشرة احباب فوق بعضهم البعض بين صغير وكبير . عبرت المركبات كصفّ تلامذة مهذبين يخرجون من قاعة الدراسة الى بهو الملعب للاستراحة وللركض وللسعادة .
لا تذمّر ،الجميع على موعد مع ضيعته .
لا قيمة للزمن او للوقت هنا.
المهم ان تصل الناس الى بيوتها.
الرغبة بالعودة فاقت رغبات السفر .
المغامرة انتصار.
قررت الناس ان تدفن شهداءها بفخر فيما بعد.
المطلوب هو العودة وبعدها لكل حادث حديث واغنية.
زحمة بلا فوضى او فوضى بلا ضجيج او ضجيج مستحبّ.
نادرا ما يشارك اللبناني في مهرجان لسيارات لا تتسابق .
يعلم الجميع انهم سيصلون بعد قليل،بعد يوم،بعد يومين او بعد حين.لكنهم سيصلون.
انطلقنا فجرا و وصلنا منتصف الليل.
نادراً ما تقرر الناس لوحدها تحدي الخوف والشوق والاقدار، أيحترم العدو الاصيل اتفاق وقف اطلاق النار ام سيخرقه.
الموت للعدو الاصيل ولو عاش.
لا فرق.
الناس قررت العودة وعادت.
تبيّن بالجرم المشهود ان الناس لا تنتظر احدا لتعود من حيث أتت.
في منتصف شهر آب وفي قمة الحرّ وفي عزّ التعب كان الكلام داخل السيارات بحثا عن ثغرة في شارع بلا حطام وبلا حجارة ليعبروا بسلام.
في الرابع عشر من شهر آب من سنة 2006تحولت كل السيارات لمركبات بهلوانية طائرةو مغامرة وحتى في بعض الاماكن عبرت المركبات كملالات برمائية.
إن تسأل يا صديقي،يا اخي،يا رفيقي ما هو شكل الانتصار؟
يكون الانتصار مشهد عربات مزدحمة فيها ناس مبتسمة وسط دمار و فوق خراب ،تحمل جثث ابطالها لتدفنها في تراب قراها قبل اذان الظهر او بعد أذان العصر.
لا يهمّ.
للانتصار شكل واحد، وجه جنوبية نازحة تعود منتصرة في يوم زفاف الناس على الارض.
زفّت الناس انفسها و ارواحها على الارض،مع الارض،للارض.
عاش الجنوب.
عاش لبنان.
عاش ابطال المقاومة.