رأي

متى تتحّول معركة الاستنزاف بين حزب الله و اسرائيل الى حرب شاملة..ومن يبدأها؟ (جواد الهنداوي)

 

  د.جواد الهنداوي* – الحوار نيوز

 

  جميع الحروب التي خاضتها اسرائيل مع الجيوش العربية في القرن الماضي اشتركت بالخصائص الآتية :

    – مُددها القصيرة ، والتي عُدّتْ بالايام .

    – جيوش عربية مقابل جيش اسرائيلي مدعوم امريكياً وغربياً .

   – خيانات عربيّة من هذا وذاك ،لتأمين انتصار اسرائيل ، وكأنَّ وجود وقوة الكيان الصهيوني ضرورة لبعض الدول العربية .هذا استنتاج ، تمليه الوقائع والاسباب ، و الاّ بماذا تُبّررْ الخيانة والحرص على انتصار اسرائيل ؟

  – انتصار اسرائيل في جميع تلك الحروب .

  – وعندما توقفّت الحروب بين جيوش العرب واسرائيل ، لم تتوقف اسرائيل عن الاستمرار في تحقيق الانتصارات ،حيث رسّختْ وجودها ،بعد اتفاقيات اوسلو في تسعينيات القرن الماضي ، والتي ابرمتها مع السلطة الفلسطينية ،برعاية امريكية ودولية و اممية ، تبيّنتْ أنها كاذبة وخدعة . وعزّزت اسرائيل جهودها للهيمنة على المنطقة ، ووسّعت جغرافيتها بأقتضامها المستمر للاراضي الفلسطينية، ودخلت في علاقات تطبيعية واسعة مع دول عربية اخرى .

مَنْ فَهِمَ خُطط ومقاصد اسرائيل وامريكا وبعض العرب تجاه فلسطين والمنطقة ، هي الجمهوريّة الاسلامية الايرانية ، واقول الجمهورية الاسلامية الايرانية ، وليس ايران تميزاً عن حقبة ايران الشاه ، حيث أعلنت الجمهورية الاسلامية في إيران عداءها ومحاربتها للصهيونية ،المتمثلّة في امريكا واسرائيل و  الغرب وحلفائهم ،منذ اليوم الاول لتأسيسها .

أصبحَ كُلُّ من يُعادي و يحارب  اسرائيل ،حركة او دولة او شعب ،ذراعا لايران ! أصبحَ حزب الله ذراعا لايران ، واصبحت دولة سوريّة ذراعا لايران ،أصبحَ الحوثيون ذراعا لايران ،أصبحَ الحشد الشعبي ذراعا لايران ،اصبحت الحركات الفلسطينية المقاومة ( حماس ،الجهاد ، الجبهة الديمقراطية الشعبية وغيرهم ) أذرُع لايران ، كما يصفُ البعض ،بَيدَ انها حركات او دول او شعوب تحرّرية ضّدّ احتلال واستبداد ومطامع الصهيونية والامبريالية والرجعيّة ، ومدعومة من إيران و روسيا ودول اخرى ،قد ادركت مخاطر الصهيونية والامبريالية والرجعيّة .

الآن ،وبعدما شاهدَ وعاشَ الشعب العربي من المحيط الى الخليج جرائم الصهيونية والنازيّة الجديدة في غزّة ، و عبّرَ هذا الشعب واحرار العالم عن عدائهم ومقتهمْ للصهيونية ولامريكا و لاسرائيل ، أصبحَ الجميع ، على الاقل في منطقتنا ، يفهم ويتفهّم عداء ايران للصهيونية النازيّة ، التي( واقصد ايران ) قدّرت خطورة وجود هذا الكيان النازي في المنطقة على مصالحها وعلى مصالح شعوب المنطقة ، وأصبحَ هذا الجميع يستغربُ من مواقف بعض الدول العربية ، التي تعارض تبني قرارات حاسمة تجاه اسرائيل ،خلال القمة العربية والاسلامية، التي أُخِتتمتْ ،قبل ايام ،  في الرياض . غزّة كشفت ان اسرائيل بؤرة تجمّع للنازيّة ، لا تمتْ للانسانية بصلة ، وخطورتها على العالم وليس على المنطقة فقط .

 أعودُ ،بعد هذه التوطئة ، الى موضوع المقال .

اسرائيل تواجه اليوم معارك استنزاف في الشمال و في الجنوب ،وستطول ايام هذه المعارك ، والزمن يمضي لصالح المقاومة في غزّة ولصالح عدالة القضية الفلسطينية،حيث دُوّلتْ القضية انسانياً وسياسياً ودبلوماسياً ، ولم تعدْ قضية العرب او المنطقة، وانما قضيّة شعوب العالم الحُرّة . اصبحتْ اسرائيل كياناً منبوذاً ، و اطلعت شعوب العالم على جرائمها ،والتي تُرتكبْ بدعم امريكي وغربي  .

اسرائيل في حالة دفاع امام هجمات مقاتلي حزب الله في جنوب لبنان . حالة لا تسّرُ اسرائيل ولا تتناسب مع غطرستها ولا تتناسب مع ماركتها المُسوّقة في العالم ،بأعتبارها قوّة لا تُقهرْ ،و لا تُمّسْ . اسرائيل ، وبالرغم مما تتكبّده من خسائر  ، جراء هجمات حزب الله ، لن تستطعْ شّنَ حرب انتقامية واسعة على لبنان . يكتفي جنرالاتها  بالتهديد والوعيد ،عند تفرغّهم من غزّة ،هكذا يقولون . امريكا اطلقت العنان لاسرائيل بارتكاب الجرائم بحق المدنيين في غزّة ، وقيّدتها في معادلة الرّدْ الموزون في جنوب لبنان ، و أمتنعت عن الرّدْ على صواريخ اليمن وعلى صواريخ فصائل المقاومة في العراق وسوريّة . لا يمكن لامريكا ان ترعى وتدير ثلاث حروب في آن واحد ( اوكرانيا ،غزّة ، جنوب لبنان . ) .

يستفيدُ حزب الله من الوضع العسكري والسياسي الراهن لامريكا ، وينتصرُ لغزّة في معركة استنزاف مفتوحة مع اسرائيل ، معركة يرتقي فيها كل يوم شهيد واكثر من الحزب ،ويستخدم فيها حزب الله يوماً بعد يوم سلاحا اكثر تطوراً ، حتى ان بعض جنرالات العدو وصفوا المعركة مع الحزب بأنها ” معركة تكنلوجيا و ادمغة “، اشارة الى التطور التدرجي لنوع السلاح المُستخدم والى التوسع الجغرافي التدريجي لاهداف المقاومة في جنوب لبنان  . وقد لاحظنا عدد شهداء اكثر للمقاومة  في لبنان ،في الايام الاولى للمعركة ،مقارنة بالوقت الحاضر ،بالرغم من اتساع وتنوّع اهداف المقاومة ،، ما يدّلُ على ان المقاومة تدير المعركة بمهارة وبتكتيك مُتغيّر لتفويت الفرصة على العدو من معرفة او تخمين مُسبق لما ستقدم عليه  .

لن تعلن المقاومة او الحزب صراحة الحرب الشاملة على اسرائيل . ستترك خيار الحرب الشاملة على الجنوب اوعلى لبنان  للعدو ، وهو وامريكا عاجزون عن البدء بها . مصلحة المقاومة في الجنوب وفي غزّة ،  ومصلحة محور المقاومة الا ينتصر العدو في غزّة ، وأنْ يستمر العدو بتلقي الضربات وبشّل الحياة و القدرة على البقاء  في شمال فلسطين وفي غلاف غزّة ، وكذلك الحال للقواعد الامريكية المنتشرة في سوريّة وفي العراق .

معارك الاستنزاف داخل القطاع وفي شمال فلسطين ،اي من جنوب لبنان ، والاستهداف اليومي للقواعد الامريكية تُفقد العدو و امريكا حالة الاستقرار وتنهكهما ، وتُفشِلْ مخططاتهما بالتوسّع وبالتطبيع وبالتآمر .

هل تستطيع امريكا و ربيبتها اسرائيل تحمّل اعباء ونتائج معارك استنزاف عسكري واقتصادي ،تتوسّع يوماً بعد يوم ، في منطقة الشرق الاوسط ، وفي اوكرانيا ؟

 لا اعتقد ذلك .

 

  *رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز

  القدرات /بروكسل /  ٢٠٢٣/١١/١٨ .

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى