طبعلوم

واقع الكوليرا في لبنان:هل نحن في خطر؟(د.طلال حمود)

حوار مع النائب الدكتور عبد الرحمن البزري

الحوار نيوز-د.طلال حمود

تشغل الأوساط الطبيه والإجتماعية في لبنان حالياً مشكله انتشار وباء الكوليرا، بحيث اننا نتابع كل يوم وبقلق كبير وحذر شديد اخبار إنتشار هذا الوباء الذي بدأ يؤرق الكثيرون من اللبنانيين الغارقين في كل تراكمات وتداعيات الأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والمعيشية والصحية التي تتوالى فصولها منذ اكثر من ثلاث سنوات.

فلم يكد الشعب اللبناني يتنفّس الصعداء نتيجة قرب إنتهاء فصول “جائحة كورونا ” التي خلّفت خسائر بشرية وإقتصادية مهولة، وتركت آثارها المُدمّرة والمشؤرمة في مختلف المدن والقرى والبلدات اللبنانية بحيث انها لم توفًر للأسف الشديد أية عائلة لبنانية، حتى اطل علينا منذ ايام شبح انتشار وباء الكوليرا الذي بدأ زحفه الينا هذه المرّة مُنطلقاً من عكار المصابة اصلاً بالصميم والغارقة منذ زمن طويل في حالة الفقر والحرمان المزمن والإهمال الكبير من كافة سياسيي وزعماء لبنان ومسؤوليه؟!. وقد ساعد على إنتشاره السريع عدّة عوامل لها علاقة بعمق الأزمة الإقتصادية والمعيشية والوضع المزري لكل مؤسسات الدولة وقطاعاتها، وتشمل التردّي الكبير في حالة كافة البنى التحتية الأساسية والحاجة المُلحّة والمُتعذّرة حالياً للقيام بأوسع وأشمل عملية إعادة تأهيل لهذه البنى واخيراً الإنتشار الفوضوي والعشوائي لمخيمات اللاجئين السوريين والمكتظة ايضاً بدرجات غير منطقية وفي ظروف غير صحية ابداً لا يمكن ان توصف لفظاعتها. ومتابعه لهذا الملف، وللوقوف على آخر تطوّراته قمت البارحة وبإسم ملتقى حوار وعطاء بلا حدود بالتواصل مع النائب الصديق الدكتور عبد الرحمن البزري الذي تمنّيت عليه ان يوافينا بشكلٍ مُوجز عن واقع إنتشار وباء الكوليرا في لبنان، تعريف هذا المرض وما هي اسبابه؟ وكيف ينتشر؟ وما هي أهم العوامل والأسباب المساعدة التي ادّت الى تمدّده بسرعة؟ وما هي الإحتياطات والإجراءات اللازمه لمنع انتشاره والأدوية التي تُستعمل في علاجه؟
وقد جاءت إجابات الدكتور البزري على الأسئلة المطروحة على الشكل التالي:
الكوليرا هو مرض جرثومي تُسببه بكتيرياذ اسمها “Vibrio cholerae” نأخذها عبر الشرج الفموي، يعني عبر الطعام أو الشراب المُلوّث او بواسطه الأيدي المُلوّثه التي نضعها في فمنا عن قصد أو عن طريق الخطأ.
والكوليرا كجرثومه غير مقاومه للحموضه، وبالتالي فإن حموضه المعده دون تناول ادويه الحمايه التي يأخذها البعض يجب ان تكون كافيه للقضاء على عدد صغير من ميكروبات الكوليرا. وعندما نُصاب بالكوليرا فإنه في أغلب الأحيان هناك تلوّث في مصدر المياه والطعام وفي الغالب المياه.
إن اوّل حاله كوليرا سُجّلت في لبنان كانت عند لاجئ سوري في عكار. وبعد التحقيق الطبي من قِبل “هيئة الترصّد الوبائي” في وزارة الصحة اللبنانية، اعترف أنه كان في زياره لسوريا منذ فتره قريبه.
المفروض أن موضوع الكوليرا كان يجب ان يكون مُراقباً أكثر على الحدود البرية في لبنان، لأن الكوليرا كانت موجوده في سوريا منذ شهر آب 2022. ويُحكى ان هناك آلاف او عشرات الآلاف من الحالات مُنتشره في كافه المناطق السوريه الخاضعه للنظام السوري، كما تلك التي تقع خارج سلطه النظام، ولكن معظمها مُنتشره في مناطق المعارضه السوريه. والجميع يعرف ان الحدود البريه بين لبنان وسوريا غير مُراقبه جيداً وهذا ما قد يكون قد ساهم بشكل كبير في إنتقال الوباء بسهولة من سوريا الى لبنان. لذلك فإن الاحتمال كبير ان يكون تم استيراد اول حالة كوليرا من سوريا سواء بواسطه الشخص المُصاب او بواسطه دخول اطعمه مُلوّثه. وقد بدأت الحالات تتكاثر بسرعة.
*الطريقه الأفضل لمواجهه الكوليرا* هي من خلال تأمين المياه السليمه للإستخدام الإنساني، سواء مياه الشرب او مياه للإستعمال (غسل الخضار والفاكهه والتنظيف) وتأمين المياه السليمه لري المزروعات واطعام الثروه الحيوانيه وما الى ذلك. وللأسف الشديد في لبنان فإن أغلبيه مصادر المياه والمياه بحدّ ذاتها غير صحيه. وإذا كانت صحيه فقد تكون غير متوفره بسبب عدم وصولها الى اماكن استخدامها بسبب انقطاع التيار الكهربائي وتهرّب مصالح المياه في مختلف المناطق وخاصة النائية والريفية منها، من شراء المحروقات التي من خلالها تُضخ المياه من الآبار كي تُوزّع للإستعمال الانساني المُباشر وغير المباشر.
النقطه الثانيه الخطره في لبنان انه لا توجد رقابه ولا صيانه جدّية على نظام الصرف الصحي ونظام معالجة المياه المبتذله، ولا يتمّ تنظيفه بشكلٍ دوري، ولا يتمّ التأكّد من سلامته بشكلٍ دوري بسبب الأوضاع الإقتصادية وفشل الدولة وترهّل وغياب الإدارات والمؤسسات، وبسبب وجود فجوات او فشل فيه في مناطق عديده. ومحطات الضخّ الرئيسيه او حتى الفرعيه التي تمّ إنشاؤها عبر مجلس الإنماء والاعمار والتي استلمت جزءا منه مصالح المياه في المناطق او لا يزال تحت سلطه مجلس الانماء والاعمار ونتيجة الوضع المالي والاقتصادي المُتردّي لا يتمّ ابداً صيانته ومراقبته. لذلك فإن مُعظم الآلات الموجوده هي غير فعّاله ويوجد برك مليئه بالوحول والترسبات التي قد تتلّوث بسرعة في داخل مراكز الضخّ الفرعيه والرئيسيه. وهي كلها بحاجه الى تنظيف جيد كي يتمّ اعاده تشغيلها هذا في حال اتصلت بالتيار الكهربائي الذي وللأسف لا نراه إلا قليلاً او ابداً في بعض المناطق.حتى خطوط الخدمات ما عادت تصل بشكلٍ دائم وكافي للمناطق. اذاً غياب المياه الجيده، فشل او عدم صلاحيه نظام الصرف الصحي، تلكّؤ المؤسسات الدوليه وعلى رأسها مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) واليونيسيف وغيرها في صيانه مخيمات اللاجئين السوريين والتخلّص من المياه المُبتذله والاوساخ في المخيمات، خصوصاً ان معظم مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان وبسبب سياسه لبنانيه رسميه لم يتمّ فيها إنشاء ايه بنى تحتيه جدّيه. وعليه فإنه اذا دخل عليها اي مرض فمن الممكن له الانتقال بسرعة بواسطه المياه الملوثة والاكل الملوث او مياه الصرف الصحي، وهذا ما يجعل إحتمالية إنتشار أي وباء بسرعه عالية جداً.

بالإضافه الى ذلك فإن الانقطاع التامّ للتيار الكهربائي الذي يؤمّن المياه ويؤمن محطات الصرف الصحي ويؤمن ايضاً سلامه الغذاء من خلال حفظه في البرادات يساهم بشكل كبير في تفاقم كل هذه الأمور.
ولكل تلك الأسباب فإن لبنان بيئة خصبة وجيدة لإنتشار المرض بسرعه بحال دخلت مثل هذه الأمراض الى لبنان. مثال على ذلك، التهاب الكبدي الوبائي من “نوع ألف او A” والذي هو ايضاً مُرتبط بسلامه المياه وبسلامه الغذاء موجود حالياً في لبنان بكثرة، اي يوجد اكثر من ١٥٠٠ الى ١٦٠٠ حاله، في حين اننا كنا نرى ١٠٠ الى ١٥٠ حاله سنوياً فقط في السابق. هذا كله بسبب فشل البنيه الصحيه التحتيه اللبنانيه. نحن ندفع الآن ثمن الفشل السياسي وانهيار المؤسسات وتوقّفها عن العمل، كما دفعنا في السنوات الماضية ثمن اقتصادي وتربوي ومعيشي فإننا ندفع الآن ثمن صحي.
اما بخصوص الاجراءات المطلوبه للحدّ من إنتشار هذا الوباء فهي دون شك التباحث في اسرع وقت مع المؤسّسات الدوليه التي ترعى شؤون النازحين كي تُسارع الى تأمين المياه والمحروقات والطاقه وسلامه الصرف الصحي للاجئين وللعديد من المناطق اللبنانيه. وهناك حالياً مُفاوضات من طرف وزارة الصحة اللبنانية للحصول على لقاحات. وفي حالة إنتشار الكوليرا فإنّ جرعه واحده من اللقاح بدل تناول جرعتين تكفي لتأمين الحماية اللازمة، لأن الجرعه الواحده تكفي احيانا لتأمين على الاقل نسبه حمايه عاليه جداً في حال وجود وباء، ومن المِمكن ان نحصل على هذه اللقاحات خلال عشره ايام او اسبوعين وهذا ما تأكّد اليوم من خلال تصريحات وزير الصحة الدكتور فراس الأبيض. وهي لقاحات تُعطى بواسطه الفمّ، والكميات الرئيسيه منها ستُطلب لأماكن الاكتظاظ واماكن انتشار وباء الكوليرا واماكن وجود اللاجئين السوريين اضافه الى السجون التي ان دخلت الكوليرا عليها سنكون امام كارثه صحيه كبيرة.
واكمل البزري قوله إنّ الإستعدادات الأخرى كتأمين الأمصال سواء المصل بالوريد او المصل الذي يؤخذ بالفمّ عن طريق الشرب فستكون بالتنسيق مع الامم المتحده ومنظمه الصحه العالميه ومع وزاره الصحه.مع العلم ان لبنان كان قد استعدّ منذ سنوات بشكلٍ لا بأس به لمواجهه الكوليرا التي كانت قد وصلت الى العراق يومها وقد كان لبنان قد اخذ إجراءات لا بأس بها في تلك الفترة. وبعض هذه التدابير والإجرءات والتجهيزات لا تزال صالحه حتى اليوم كالمنشورات التي توزّعها وزاره الصحه والتي كانت قد اعدّت سابقاً من اجل التوعية حول وباء الكوليرا. اخيراً تلعب المُضادّات الحيويه دوراً كبيراً في علاج هذا المرض وخاصه بالحالات الحادّة والشديده. ولذلك يتمّ تأمين والتأكد من وجود كميات نسبياً جيده من هذه المضادات الحيوية في حال تفشّى المرض بشكل اوسع.

*دكتور طلال حمود،
مُنسّق ملتقى وحوار بلا حدود.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى