هلا بالسعودية الجديدة …
أن تُهدد المملكة العربية السعودية الولايات المتحدة الأميركية ورئيسها دونالد ترامب بإجراء أكبر اذا ما تعرضت لعقوبات أميركية ،فإنه لعمري أفضل ما يمكن أن يسمعه مواطن عربي خلال قرن مضى من الزمان .
وإنه لكلام يثلج الصدر عندما يصرح مصدر سعودي مسؤول لوكالة الانباء السعودية الرسمية بإن”لاقتصاد المملكة دورا مؤثرا وحيويا في الاقتصاد العالمي ،وأن اقتصاد المملكة لا يتأثر الا بتأثر الاقتصاد العالمي “،وهو كلام أكثر من حقيقة.
وعندما تكلف الرياض المدير العام لقناة “العربية” الإعلامي تركي الدخيل بأن ينطق بما نطق به ونُشر في الوكالة الرسمية السعودية ،فإنه كلام يستحق التوقف عنده بإمعان وتركيز شديدين ، ويستأهل إعادة نشره والتذكير به للتمعن والاستنتاج والاستمتاع أيضا .
يقول تركي الدخيل: إن المعلومات التي تدور في أروقة اتخاذ القرار السعودي تتجاوز لغة البيان الصادر عن الحكومة السعودية بشأن الحديث عن عقوبات اقتصادية ضد المملكة.تلك المعلومات تتجاوز لغة البيان ،وتتحدث عن أكثر من 30 إجراء سعوديا مضادا لفرض عقوبات على الرياض، بل إن التحليلات توشك أن تتوافق مع هذه الأطروحات، وهي سيناريوهات كارثية للاقتصاد الأميركي قبل الاقتصاد السعودي”.
ويذكر الكاتب السعودي البارز بأن الولايات المتحدة لو وقّعت عقوبات على السعودية، فسوف يواجه العالم كارثة اقتصادية ..”فالرياض عاصمة وقوده، والمس بها سيصيب إنتاج النفط قبل أي شيء حيوي آخر، مثل عدم التزام السعودية بإنتاج السبعة ملايين برميل ونصف المليون. وإذا كان سعر الـ(80) دولاراً قد أغضب الرئيس ترامب، فلا يستبعد أحد أن يقفز السعر إلى مئة ومئتي دولار ،وربما ضعف هذا الرقم، بل ربما تصبح عملة تسعير برميل النفط هي العملة الصينية اليوان بدلاً من الدولار”.
ويضيف الدخيل أيضا وأيضا: “إن فرض عقوبات من أي نوع على السعودية من قبل الغرب، سيدفعها إلى خيارات أخرى قالها الرئيس ترامب بنفسه قبل أيام، إن روسيا والصين بديلتان جاهزتان لتلبية احتياجات الرياض العسكرية وغيرها، ولا يستبعد أحد أن تجد من آثار هذه العقوبات قاعدة عسكرية روسية في تبوك شمال غرب السعودية”.
ثم تطرق إلى احتمالية تقرب الرياض من حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني وتحولهم “من عدوين إلى صديقين”، وأيضًا التقارب مع إيران أو “ربما التصالح معها”.
واختتم المقال بالقول إن ما أشير إليه “إجراءات بسيطة ضمن ما يزيد على ثلاثين إجراء ستتخذها الرياض مباشرة، دون أن يرف لها جفن، إذا فرضت عليها عقوبات، كما تتداول المصادر السعودية المقربة من اتخاذ القرار”(انتهى كلا م الدخيل).
إن الكلام السعودي يستحق التوقف عنده بإمعان وتركيز شديدين ،ليس من باب التهديد والوعيد للولايات المتحدة والغرب ،بما يحرك لدينا نوعا من الزهو والتشفي ، بل من زاوية أن المملكة السعودية تعرف كل هذا جيدا ،وتعي قدرها وقيمتها وأوراق القوة التي تمتلك ،ومع ذلك تواصل سياستها تجاه الولايات المتحدة والغرب ،على الرغم من الصلف والابتزاز المكشوف الذي يتعاطى به ترامب وأمثاله مع المملكة والعالم العربي وقضاياه المحقة .
اذا وصلت السعودية الى مثل هذه القناعة والى مثل هذا التعاطي مع أميركا والغرب ،وهو ما يزال حلما في مناماتنا ،فإن ذلك يعني:
أولا : الوصول الى أكثر من منتصف الطريق في تحقيق وحدة عربية غير مسبوقة ،تضع مصالح العرب فوق كل المصالح،وتجعل من الجامعة العربية تكتلا فاعلا لا اسما على غير مسمى.
ثانيا:سوف تتحقق وحدة إسلامية تجمع السعودية وايران وتركيا ،وحولهم كل دول العالم الإسلامي ،بما يجعل منظمة التعاون الإسلامي حقيقة لا مجرد شعار بلا مضمون.
ثالثا:سوف يضطر الغرب الى مفارقة عقلية الاستحواذ والسيطرة تجاه الأمتين العربية والإسلامية.
رابعا:سوف تتحقق التنمية في العالمين العربي والإسلامي،وتغادر الأمة حالة الفقر والجوع نتيجة خيراتها الوافرة التي يذهب معظمها هدرا على الحمايات الأجنبية.
خامسا:سوف تتحرر مصر من ضائقاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،وتعود المحروسة لتلعب دورها الريادي في العالمين العربي والإسلامي.
سادسا:سوف تغادر الأمة فتنتها المذهبية وتتوقف حرب صفين المستمرة منذ أربعة عشر قرنا.
سابعا:سوف يغدو الأمل بتحرير فلسطين أكبر من حلم بعيد المنال ،بل حقيقة لا تقبل الجدل.
ثامنا وأخيرا لا آخرا:سوف يصبح السيد علي خامنئي والسيد حسن نصر الله والحاج إسماعيل هنية (مع حفظ الألقاب) جنودا في الدفاع عن السعودية ومقدسات المسلمين.
هل يتحقق كل هذا الانقلاب بناء على موقف حازم للمملكة السعودية ،أم أن ما سلف هو مجرد أضغاث أحلام؟
أيا كان الغد ،فإن المملكة لم تعد قادرة على الاستمرار في سياساتها الراهنة ،ولا بد من سعودية جديدة ،وهي أمام طريقين لا ثالث لهما :
إما أن يسود منطق ولي العهد محمد بن سلمان الذي يبدو أنه قرر المواجهة في الداخل والخارج حتى النفس الأخير.
وإما أن تقوم سعودية أخرى بلا محمد بن سلمان ..سعودية متوازنة تنقذ المملكة من المآزق التي دخلت بها خلال السنوات العشر الماضية.
وفي الحالتين :هلا بالسعودية الجديدة !