سياسةمحليات لبنانية

نهج جديد لصندوق النقد الدولي تجاه الانفاق الاجتماعي


في الوقت الذي ينشغل فيه المجلس النيابيّ اللبنانيّ بمناقشة الموازنة المرسلة إليه من الحكومة، والقاضية في ما تقضيه، بعصر النفقات إلى الحدود الدنيا، ورفع الإيرادات إلى الحدود القصوى، لهدف السيطرة على العجز المتفاقم زمنيّا، وردّه إلى بيت الطاعة، ومن ضمنه النفقات الاجتماعية على الصحّة والتعليم، تنفيذا لتوصيات "المؤتمر السيدريّ" المعوّل عليه إنقاذا، وتراحما، من الحال التي وصلت إليها أحوال الجماعات اللبنانيّة، بعد ان عاث فسادا، من اوكلوهم أمرهم، سلطة وتدبير شأن، في البلاد والعباد.
في ظلّ هذا، تأتي كلمة المديرة العامة لصندوق النّقد الدولي السيدة كريستين لاغارد، لتميط اللثام عن توجّه جديد لدى الصندوق تجاه الانفاق الاجتماعي، لا سيما على الصّحّة والتّعليم، والتقاعد، لما لهم من دورٍ حيويّ في زيادة رفاهية المواطنين، وتعزيز التماسك الاجتماعي، معتبرة انّ الانفاق الاجتماعيّ هو عنصر أساسيّ في العقد الاجتماعيّ، ومهمّ لتوفير الأمن المالي للمواطنين، والسلام الاجتماعيّ، ويعزّز من التآلف في العلاقات الاجتماعيّة والإنسانيّة.
وأضافت، إنّ الإنفاق الاجتماعي مهم. وتنبع أهميته اليوم من كوننا نواجه سيلا من التحديات الجديدة: متقاعدون أكثر، وعاملون أقل؛ آثار تتركها التكنولوجيا على العمل والأجور؛ تصاعد في عدم المساواة ومطالبات بمزيد من الإنصاف؛ حواجز أمام مشاركة المرأة في الاقتصاد وتحقيق إمكاناتها الكاملة؛ خطر وجودي يتمثل في تغير المناخ؛ تراجع في الثقة، وتزايد في الاستياء، ونفور من التعاون العالمي.
وتابعت، خلُص تحليلنا إلى أن ارتفاع عدم المساواة يمكن أن يقوض النموّ المستمر، كما خلص إلى أن الاستثمار العام في الصحة والتعليم يعطي دفعة للإنتاجية والنموّ ويحد من عدم المساواة في الفرص والدّخل. وبالمثل، فإن برامج الإنفاق الاجتماعي التي تعيد توزيع الدخل من الفئات الأعلى دخلا إلى الفئات الأقل دخلا يمكن أن تخفّض الفقر وعدم المساواة. ويمكنها أيضا إكساب الأسر منخفضة الدخل مزيدا من الصلابة في مواجهة الصدمات الاقتصادية – بما في ذلك الصدمات الناشئة عن التطورات الديمغرافية والتكنولوجيا والمناخ – التي يُتوقع أن تصبح أكثر تواترا وإرباكا. وفي جميع برامجنا، تشكّل حماية الفقراء ومحدودي الدخل هدفا رئيسيا في الوقت الراهن، وستظل هدفا رئيسيا فيما بعد.
من الواضح إذن أن الإنفاق الاجتماعي ليس مجرد بند من بنود المصروفات، إنما هو الطريقة الأكثر حكمة للاستثمار في رفاهية مجتمعاتنا. فالتوسع في إتاحة التعليم والرعاية الصحية يوسّع نطاق مكاسب الإنتاجية لتشمل الفئات السكانية المختلفة، مما يتيح الازدهار لكل المواطنين. ولجني ثمار اقتصاد عالمي أقوى في المستقبل، يجب أن نبدأ بتقوية البرامج الاجتماعية اليوم.
وأضافت المديرة العامة للصندوق، بطبيعة الحال، لا يوجد حل واحد يناسب الجميع عندما يتعلق الأمر بتصميم برامج الإنفاق الاجتماعي للحد من الفقر وتعزيز الإدماج وحماية الأسر الضعيفة. فكل بلد له تفضيلاته المختلفة، ويواجه تحدياته المختلفة، ولديه تطلعات مختلفة على المدى البعيد. ولكن العمل المشترك يمكننا من طرح الأسئلة الصحيحة، والتوصل إلى الإجابات الصحيحة على ما نرجو.  
وفي نهاية المطاف، إن علينا التزاما تجاه الفقراء والضعفاء؛ تجاه من يفتقرون إلى الأمن المالي ويرزحون تحت وطأة المرض؛ من تُرِكوا وراء الركب ولا يجدون من الفرص سوى القليل، بما في ذلك النساء والفتيات؛ وتجاه الأجيال القادمة. وعلينا التزام بمساعدة البلدان في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول 2030.
وكما قال فرانكلين روزفلت بحكمته المعهودة – وهو صديق عظيم لمنظمة العمل الدولية وداعم كبير لها –"إن معيار تقدمنا لا يكمن فيما إذا كنا قد أضفنا إلى الوفرة التي يملكها المقتدرون، بل ما إذا كنا نوفر ما يكفي لمن لا يملكون إلا النذر اليسير."
وهذا القول ليس صحيحا من وجهة النظر الأخلاقية وحسب، إنما هو سليم أيضا من المنظور الاقتصادي. فلنعمل معا، إذن، لبلورة سياسات للإنفاق الاجتماعي تجمع بين الذكاء والرحمة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى