نحو ” شرق اوسط مسالم ” بجرائم اسرائيل بديلاً ل “شرق اوسط جديد ” بجرائم داعش (جواد الهنداوي)
بقلم السفير الدكتور جواد الهنداوي – الحوار نيوز
يبدو انَّ أميركا ودول حقوق الانسان ، كفرنسا خاصة ، تحاول اسدال الستار على مرحلة ” الشرق الاوسط الجديد او الكبير ” و على فشلها في تحقيق الاهداف المرسومة لتلك المرحلة ، وهي : تصفية القضية الفلسطينية ،هيمنة اسرائيل ،تدمير عناصر محور المقاومة . أدوات المرحلة كانت فصائل الارهاب ك”داعش” واخواتها وعملاء الامبريالية الامريكية والصهيونية واسرائيل ، والذين نشطوا كثيراً حينها . كان الدواعش يتسارعون ويتسابقون ،وفي جحورهم قنابل صالحة للانفجار بين عموم الناس ،في الاسواق ،وفي كل مكان مكتظ بالتجمعات ،مثل ما نرى اليوم اسرائيل و أميركا ( ابوي داعش) يلقون بقنابلهم على المنازل والبنايات المكتظّة بالعوائل و الاطفال .
فشلَ مشروع الشرق الاوسط الجديد او الكبير فشلاً ذريعاً ، وخابَ ظن أميركا وحلفائها ، و انهزمت عصابات الارهاب في العراق وفي المنطقة ،على يّدْ قوات الحشد الشعبي و القوات الامنية العراقية ، وفصائل المقاومة في لبنان ،وعلى يّدْ الجيش العربي السوري .
تعود أميركا ومعها دول حقوق الانسان ،اليوم ، مستخدمة حاضنة ومهد الارهاب و الدواعش ( اسرائيل ) لتتبنى مشروعا قديما ،ولكن بعنوان وبأدوات جديدة العنوان هو “مشروع الشرق الاوسط المُسالم ” ، مصطلح ، وردَ على لسان سفير فرنسا في جنيف ،وهو يعلن عن تأييد بلاده غير المسبوق لما تقوم به اسرائيل اليوم ،بأرتكابها جرائم حرب وإبادة جماعية وتطهير عرقي وترحيل قسري لشعب فلسطين .
مشروع الشرق الاوسط الكبير كان صهيونياً في الفكرة والتنظير ( يعود الى شيمون بيرس ، وزير خارجية اسرائيل الاسبق ) ، كوندا رايسي التبني ( نسبة الى وزيرة خارجية أميركا ، كوندوليزا رايس ) ، وداعشي التنفيذ .
مشروع اليوم ( مشروع الشرق الاوسط المُسالم ) هو من ذات الجينات الصهيونية الامبريالية ، وله ذات الاهداف ، ولكن تولّت اسرائيل تنفيذه بدلاً من داعش ،وبالتعاون مع من تبقى من داعش وقوات سوريا الديمقراطية والخونة والعملاء ، وسيتجلى دور هؤلاء رويداً رويدا .
يخطئ مَنْ يعتقد أنَّ الهدف من مشروع ” شرق اوسط مسالم ” هو الانقضاض على حماس والجهاد الاسلامي في غزّة ، الهدف ابعد من ذلك بكثير .غزّة هي الساتر الاول لصّد المشروع مثلما كان العراق هو الساتر الاول لصّدْ داعش وافشال مشروع الشرق الاوسط الكبير .
محور المقاومة ( ايران وحركات المقاومة ) على وعي وادراك لاهداف مشروع الشرق الاوسط المسالم والذي حلّ (بالتسمية وبالادوات فقط ) محل مشروع الشرق الاوسط الكبير ،لذلك يرّدد حزب الله وترّددْ ايران وعلناً بأنَّهم سيدخلون المعركة ،ومن اوسع ابوابها ، عند ايَّ توغل بري في غزّة او ترحيل قسري لسكانها . يعلمون بأنَّ الساتر الاول المقاوم لمشروع الشرق الاوسط المسالم هو قطاع غزّة بشعبه وبمقاومته .
شاءت الاقداران يكون قطاع غزّة ، وهو محدود بجغرافيته ، ومُجرّد من ادنى مقومات العيش ( بسبب الحصار وجرائم القتل والاعتداء) ، وليس أمامه إلا أنْ يواجه اسرائيل وينتصر ،وبرهن هذا القطاع على امتلاكه كُلَّ ارادة و قوة وشجاعة “الامة ” .
قاعدة الاشتباك الميداني في المنطقة الآن هي انَّ أميركا واساطيلها تتكفل بمواجهة حزب الله في جنوب لبنان ، وعلى اسرائيل التعامل مع قطاع غزّة ،وهي مُطلقة اليد في ارتكاب ما تستطيع عليه من جرائم .
ومثلما شاركت ايران و بقوة في دعم العراق و سوريّة والمقاومة في مواجهة عصابات داعش الارهابية ،و ساهمت كذلك في افشال مشروع الشرق الاوسط الكبير ،تساهم اليوم ايضاً و بقوة في دعم حماس والمقاومة الفلسطينية واللبنانية في مواجهة اسرائيل وفي افشال مشروع الشرق الاوسط المُسالم .
و بعدما أمّنت ايران المقومات العسكرية لنجاح معركة طوفان الاقصى ، من خلال الدعم في السلاح والمال والخبرة ، تتحرك الآن دبلوماسياً في المنطقة ،حيث يلتقي وزير خارجيتها قيادات المقاومة في بيروت ، و يلتقي رئيس وزراء لبنان و وزير خارجية السعودية و يزور سوريّة والعراق ، و كأنه في زياراته هذه يناظر ما يقوم به وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية ،والذي زار اسرائيل وصرّح عن دعمه المطلق ، وعبّرَ عن ارتباطه العقائدي والديني مع اسرائيل ،وزار كذلك المملكة العربية السعودية والاردن والتقى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ، وكان لقاء فاشلاً ،وحسب تصريح القيادي في منظمة التحرير الفلسطينية عباس زكي .
ستفشل اسرائيل في غزّة مثلما فشلت أميركا في أوكرانيا .
سيكون لأميركا وللغرب فشل آخر يُضاف الى فشلهم في اوكرانيا .
اسرائيل ،ومن خلفها أميركا والغرب ، امام خياريّن :
- توغّل برّي مُعزّز بدعم و بأسلحة محظورة وعلى ارضٍ محروقة ، ولكن ثمنه باهظ جداً على وجود اسرائيل وعلى ما تبقى من دور و مكانة لأميركا و الغرب في المنطقة والعالم . التوغّل البري سيطول ويتحول الى حرب استنزاف لاسرائيل (اذا بقيت اسرائيل ) ، و لأميركا ،وله تداعياته على انظمة عربية في المنطقة ،وسيعزّز من دور روسيا و دور محور المقاومة ،وستنتهي حرب اوكرانيا وفق تمنيات الرئيس بوتين .
- الخيار الآخر هو الاستمرار في المعركة من دون توغّل برّي ، بانتظار مبادرة لوقف اطلاق النار وحّل سياسي . ومهما تكن ابعاد وشروط هذا الحّل ،سيُعدْ تعزيزاً للنصر الذي حققته حماس ، و خسارة كبيرة لاسرائيل على المستوى الاستراتيجي و لمحورها .
استبعدُ ان تغامر أميركا بحرب بريّة في منطقة ،هي بأمسّ الحاجة لنفطها وغازها وتطبيعها مع اسرائيل . تخشى أميركا بأنْ يصيبها فشل آخر مُكلف ،بعد فشلها في اوكرانيا .
حماس و المقاومة الفلسطينية ،وبعد مرور سبعة ايام على بدء طوفان الاقصى ، احتوت الهجمة البربرية الاسرائيلية ،والتي استهدفت المدنيين والمباني .حماس والمقاومة استطاعتا خلط اوراق وملفات المنطقة وترتيب اولويات فواعل المنطقة ، حيث نقلت القضية الفلسطينية مِنْ حالة التطبيع الى حالة التحرير .
المقاومة الفلسطينية ، ومعها محور المقاومة هم في موقف المنتصر ،واسرائيل ومعها مَنْ معها هم في حالة انكسار وحيرة وافلاس معنوي واخلاقي .
*رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات ، بروكسل ، ٢٠٢٣/١٠/١٥ .