رأي

موقفان متعارضان من الدولة و السلطة:حزب الله في لبنان والمرجعية في العراق(نظير جاهل)

د.نظير جاهل- الحوار نيوز

ملفت  التباين  بين المرجعية الإسلامية الشيعية في العراق وبين حزب  الله في لبنان  من حيث موقفهما من أحزاب السلطة .

ففيما اقفلت المرجعية بابها في وجه القوى السياسية والعراق على أبواب انتخابات نيابية ،وهي بالاصل تقف موقفاً سلبياً منها ،رغم محاولتها دون كلل الإيحاء بانها  قريبة من خطها،  يبدو الحزب دائم السعي لاظهار حرصه على تماسك تركيبة القوى السلطوية رغم تنافرها وترهلها  وارتهانها وفسادها .

فنحن هنا أمام  مزاجين أو فلسفتين للسلطة والدولة .

الجماعة المرجعية

تبدو المرجعية لا سلطوية . وبالفعل  ما معنى أن تقفل المرجعية بابها بوجه القوى السياسية الشيعية، والعراق يستعد لخوض انتخابات تعتبرها هذه القوى تاريخية مفصلية وكذلك المجتمع الدولي؟

في الأصل تتجه المرجعية في الحقل السياسي إلى منع تمركز القوة الذي يؤدي حكماً إلى ارتهان الدولة للتوازنات الدولية الإقليمية و إلى تهميش المجتمع وتفكيك نسيجه المتنوع.

 تفصل المرجعية في وجهتها هذه بين السلطة والدولة. وبالفعل اهم ما تأخذه المرجعية على القوى السياسية هو عدم بنائها للدولة بما هي آلية لإعادة نشر القوة وليس أداة لتقاسم مغانم النفوذ بينها بما  يؤدي الى استهلاك طاقة الجماعة .

والمقصود هنا بالجماعة هي هذه الآلية التي تجمع الناس خارج السلطة وتمنع هذه الاخيرة من تفكيك الروابط الأهلية والمدينية أو من استهلاكها في مشاريع نفوذ ترهنها بنهاية المطاف لحقل السيطرة العالمية.

  موقف الحزب

بالمقابل وفي نموذج معاكس يجعل الحزب  في لبنان الدولة مكاناً لتقاسم النفوذ مع القوى السلطوية ،ما  يقذف الطائفة الإسلامية الشيعية  إلى اطار خارج الدولة وذلك بتحويلها إلى جماعة ولائية  لا تلتئم  بآلية  ذاتية  تقليدية  خارج الجهاز الحزبي المرتبط مباشرة بحقل المعادلات السلطوية الدولية الإقليمية.  ولذلك بالضبط، ففيما يندفع الحزب إلى الانخراط بمنطق تحويل الدولة إلى إطار  لتقاسم النفوذ ، بما يعرضها للاستنزاف والاستهلاك ،  يتحول هذا التقاسم ، الذي يخضع  بنهاية المطاف لهيمنة  مراكز السيطرة  إلى آلية تدميرية تبدأ بالنهب وتنتهي باضملال الوجود السياسي والاجتماعي وتؤدي إلى تقويض الدولة .

هذا بالضبط ما أدى إليه تغييب خط الامام موسى الصدر وانتزاع الطائفة من  إطار مبدأ الدولة.

القاضي البيطار وصهاريج المازوت

وعلى العكس تماماً لما هو سائد في الخطاب  الذي يروجه اعلام المقاومة ،فإن مساهمة الحزب بتحويل  الدولة إلى آلية تقاسم نفوذ مع القوى السلطوية المرتهنة ، أو قبوله بهذا المنطق ،لا يؤمّن له  المكانة للاضطلاع بدوره الأساسي في الصراع، الا وهو إقامة معادلة ردع دفاعية مع العدو الاسرائيلي.

 إذ كيف يمكن  مثلاً لمقاومة تقيم توازن ردع مع قوة عدوانية بخطورة الكيان الصهيوني ،أن تصل في مجال  معالجة فقدان الأمن الاقتصادي الذي يزيد من الجرائم ويسهل اختراقات العدو الى هذه الدرجة من  الهشاشة واللافعالية   ؟

والاهم  كيف يمكن أن تمارس على  هذا النحو من التنصل  من المسؤولية  الوطنية الأمن الوقائي من التفجيرات والانفجارات التي كشفت وجود اماكن شديدة الخطورة قابلة أن يستخدمها  هذا العدو ؟

 لا يمكن لجهاز أمن المقاومة أن يكون غير معني بما تسبب بانفجار المدينة  او ان لا تكون لديه أي فكرة عما  إذا كان ما حصل هو تفجير من قبل العدو ام لا ،وان لا يهتم الا بالاستدعاءات والتوازنات الطائفية داخل السلطة اللبنانية المتهاوية.

واخيراً لا يمكن للحزب مواجهة تقويض الأمن الاقتصادي الذي يفسد البيئة الداخلية ويسهل الاختراقات الاستخباراتية ببواخر مازوت تُصوَّر تارةً كأنها اختراق  للهيمنة الأميركية ، وأخرى كأنها خدمة إنسانية وهي بكل الحالات لن توقف الوصايات الخارجية التي تحاول استثمار انهيارالبلد  لتطبيع وجهة التطبيع مع العدو..

ومن هنا فإن عدم إرساء معادلة أمنية فعالة تقوم عليها دولة وطنية جامعة لا تعوضه اي معادلة جزئية تنطلق من منطق “الساحة” مهما بلغت قوتها.

  ثنائية السلطة /الدولة

العبرة هنا هي أن ما يحدد  تفلت القوى والجماعات أو الدول الإسلامية  من الهيمنة الدولية او تبعيتها انما النموذج التي تقدمه لعلاقة السلطة بالدولة .وهو نموذج يدور في حقل الاسلام الشيعي اليوم بين المرجعية القائمة على جماعة التقليد، ومبدأ النصح والإرشاد وبين  ولاية الفقيه القائمة على مبدأ الطاعة المطلقة.

وبهذا المعنى لا يمكننا فهم موقف  هاتين الوجهتين الشيعيتن من الانتخابات ومن بناء الدولة بمعيار الديمقراطية الشكلية دون قياسها على نموذج نمطي إسلامي فقهي سياسي  حماّل لاجتهادات مختلفة حول مفاهيم والشرعية والسلطة والحكم والطاعة …نموذج لا ينفصل عن تاريخ التشيع…

 ولا  يمكننا أيضاً اعتبار المطالبة  بتشكيل إطار مؤسسي يتمثل بدولة كإطار يؤمن حضور الجماعات ومصالحها واستقرارها وينشر القوة السياسية والاقتصادية ويمنع تحويل الاوطان إلى ساحة نفوذ كدعوة “رجعية” أو وجهة تذعن لمنطق سايكس بيكو التقسيمي .إذ ، وعلى نقيض ذلك ،ما يكرس منطق التفكيك في أمّتنا هو منطق التسلط والاستبداد الذي يسمح لقوى السلطة بمصادرة إطار الدولة وطرد الناس منه وتحويل البلاد إلى ساحات رجراجة غير مستقرة، وبذلك تسهيل ارتهانها للخارج واضعاف  اي قدرة على التكامل والتوحد  والانفتاح بين الاوطان في صيغ حديثة من الاتحاد تقوم على توحيد العملة وفتح الحدود بدل تحويلها إلى معابر تهريب باسم مواجهة الهيمنة.

                                      بيروت في ٢٣ايلول٢٠٢١

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى