رأيسياسةمحليات لبنانية

الحدود البحرية واستعادة الحقوق:المرسوم 6433 يضيّع حق لبنان (عماد عكوش)

كتب د.عماد عكوش

 

يخوض لبنان منذ العام 2000 نزاعا مع “إسرائيل” على منطقة في البحر المتوسط ، وخاصة في منطقتين تعرفان اليوم بالبلوكين رقم 9 ورقم 10 الغنيتين بالنفط والغاز ، وبدأت إسرائيل ولبنان في هذا الشأن ، في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 ،مفاوضات برعاية الأمم المتحدة ووساطة أمريكية ، وقد سبق هذه المفاوضات في الفترة الماضية قيام لبنان بخطوات كثيرة كان منها :

–  ترسيم حدوده البحرية اعتبارًا من العام 2002 حين كلّفت الحكومة اللبنانية مركز “ساوثمسون” لعلوم المحيطات بالتعاون مع المكتب الهيدروغرافي البريطاني، بإعداد دراسة لترسيم حدود مياهه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة.

– في عام 2006 عادت الحكومة بتكليف المكتب الهيدروغرافي البريطاني بإجراء دراسة جديدة لترسيم الحدود البحرية للدولة اللبنانية، وكانت هذه الدراسة عبارة عن تحديث لتلك التي سبقتها.

-في 17 كانون أول من العام 2007 قامت حكومة السنيورة بتوقّيع اتفاقية حول تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة ، واستندت هذه الاتفاقية ، بحسب موقع الجيش اللبناني ، إلى القوانين المرعية الإجراء في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وتمّ تحديد المنطقة الخالصة بين لبنان وقبرص على أساس خط الوسط ، لكن الدولة اللبنانية ، وفق موقع الجيش ، لم تبرم الاتفاقية مع قبرص التي وقّعت اتفاقية أخرى مع إسرائيل عام 2011 لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما ، متجاهلة ما تمّ الاتفاق عليه مع لبنان ، ما أدى إلى خسارة لبنان مساحة مائية تزيد على 860 كلم2 من المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية التي تحتوي كميات كبيرة من النفط والغاز.

-في عام 2012، قدمت الولايات المتحدة الأمريكية عبر موفدها فريدريك هوف اقتراحاً لحل النزاع البحري بين لبنان و إسرائيل ، وذلك بتقاسم المنطقة المتنازع عليها ، وتم رسم خط عرف في حينه بخط “هوف” ، يعطي لبنان حوالى 500 كلم مربع ، وإسرائيل حوالى 360 كلم مربعا من أصل كامل مساحة الـ 860 كلم مربعا . ورفض لبنان في حينه هذا الاقتراح على اعتبار أن المساحة الكاملة (860 كلم2) هي من حقّه ، واقترح الجانب الأميركي في حينه أن يكون خط “هوف” خطا مؤقتا وليس حدودا نهائية ، لكن الجانب اللبناني رفض ذلك خشية تحول المؤقت إلى دائم عند الإسرائيلي .

– في عام 2018 شرع لبنان في التنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحله ، وقام في 9 فبراير/ شباط بتوقيع عقد مع ائتلاف شركات دولية هي “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية و”نوفاتيك” الروسية للتنقيب عن النفط والغاز في (البلوك) 4 و9 بمياهه الإقليمية ، ويقع البلوك رقم 9 ضمن المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل، فاعتبرت إسرائيل أنّ خطوة لبنان هذه هي “استفزازية”.

وقّع وزير الأشغال العامّة في حينه ميشال نجار، على تعديل مرسوم الحدود البحرية (المرسوم 6433) . التوقيع أتى بعد زيارة وفد من قيادة الجيش لوزارة الأشغال ، حيث عُقد اجتماع قدّم خلاله الجيش عرضاً تفصيلياً لنجّار حول النقطة الـ 29 ، والمرسوم الرقم 6433 ،  بهدف إحاطته بمعطيات حولهما ، في ظل النقاش الدائر حول ترسيم الحدود البحرية في الجنوب .

 في 11 تشرين الثاني 2020 ، تجمدت المفاوضات نتيجة خلاف على الخط الرابع (النقطة 29)، والإصرار الأميركي الإسرائيلي على حصر التفاوض بالمساحة «المتنازع عليها». الخط مصدره الجيش اللبناني ، عمل على وضعه قبل عشر سنوات عضوا الوفد الحاليان ، العقيد مازن بصبوص ونجيب مسيحي ، وهو يفتح خيارات جديدة في ترسيم الحدود البحرية مع وفد العدو، تمنح لبنان مساحات إضافية جنوب الخط المُعلن في المرسوم 6433 ، والذي اعتمدت فيه الدولة اللبنانية النقطة 23 ، التي تعتبر قيادة الجيش أنها تحرم لبنان مساحة كبيرة في مياهه ، تصل إلى خُمس مساحة لبنان ، وهي 1430 كيلومتراً. وبتوقيع الوزير نجار ، كان على وزيرة الدفاع في حينه زينة عكر ، ورئيس الحكومة السابق حسان دياب ، توقيع تعديل المرسوم 6433 بالتخلي عن النقطة 23 ، التي كان صدر بها المرسوم في الأول من تشرين الأول 2011 ، وتبلّغته الأمم المتحدة . على أن يقترن هذا التخلي بتأكيد لبنان حقه في النقطة 29 وصدور مرسوم بها ، ومن ثم تبليغ المنظمة الدولية بهذا القرار وهذا ما لم يحصل لغاية اليوم .

بالعودة الى عمليات التنقيب في لبنان وخاصة في البلوكات التي تم تلزيمها، فبفعل القانون رقم 160/2020 أعلن تمديد مدة الاستكشاف الأولى لائتلاف الشركات المكون من “توتال وإيني ونوفاتك”،  إلى 13 آب/ اغسطس 2022  .

قام  الائتلاف بتقديم برنامجي العمل والموازنة للرقعتين 4 و 9 للعام 2021 ، بعد انفجار المرفأ في الرابع من آب /اغسطس الماضي ، والذي ألحق أضرارا بالقاعدة اللوجستية المخصصة لتنفيذ الأنشطة البترولية في المياه البحرية اللبنانية . ومن الأسباب الأضافية لتوقف عمل الأئتلاف ايضا” الأزمة الصحية العالمية ، وانخفاض اسعار النفط والغاز عالميا ، وكانت النتائج الأولى للحفر في البئر النفطية في البلوك 4 وجود الغاز على أعماق مختلفة داخل الطبقات الجيولوجية.

تم وضع ملف ترسيم الحدود البحرية لاحقا بعهدة قيادة الجيش بقرار من رئيس الجمهورية ، وتم رسم خط جديد لحدود المنطقة الاقتصادية اللبنانية الجنوبي يعدّل الخط السابق وينقل نقطة الزاوية الجنوبية الغربية للمستطيل من النقطة 1 الى النقطة 23 ويعطي لبنان مساحة 863 كلم 2 أضافية . وهنا ظنّ لبنان أنه صحّح الخطأ المرتكب من قبل وفد فؤاد السنيورة الى قبرص واستعاد مساحة مهمة للبنان في منطقته الاقتصادية الخالصة ، وحتى يثبت العمل دولياً سارع الى توقيع مرسوم أرسله الى الأمانة العامة للأمم المتحدة يعلمها بها بحدود المنطقة الاقتصادية اللبنانية التي رسمها وفقاً لاتفاقية قانون البحار للعام 1982 التي انضمّ إليها لبنان في العام 1994 .

وهنا وللوهلة الأولى ظنّ المتابعون للقضية أنّ في فعل الحكومة اللبنانية وإيداعها المرسوم 6433/2011 الأمم المتحدة، صيانة لحقوق لبنان ودفاعاً عن ثرواته وحدوده وتصحيحاً لخطأ عرضها للخطر، ولكن في الحقيقة انطوى هذا المرسوم على أمرين خطيرين.

الأمر الأول امتنعت «إسرائيل» عن الإقرار بالحقوق اللبنانية المحددة بالمرسوم المودع لدى الأمم المتحدة، واعتبرت انّ لبنان بتوقيعه مشروع الاتفاقية مع قبرص يكون قد أقرّ عملياً بمدى الحق الذي يدّعيه .

الأمر الثاني، وهنا الوضع أشدّ وأدهى، فيتعلق بالمرسوم ذاته والخريطة المرفقة به ، حيث إنّ دراسة الملف تؤدّي الى تسجيل ملاحظات خطيرة وهي :

أولاً: رسم لبنان خط حدود منطقته الجنوبيّة من النقطة 18 قرب الشاطئ الى النقطة 23 واختار النقطة 18 بعيدة عن الشاطئ لمسافة تتعدى عشرات الأمتار (28 م) ،من غير أيّ سند او مرجع او مرتكز قانوني ما يجعل قانون الخط (18-23) خطاً واهناً لا يرتكز على حجة قانونية تمكن من الدفاع عنه.

ثانياً: أرفق بالمرسوم خريطة يظهر عليها اسم «إسرائيل» بدل فلسطين في اعتراف واضح وبوثيقة رسمية لبنانية موقعة من رئيس الدولة بكيان العدو خلافاً للموقف الرسمي اللبناني.

ثالثاً: لم تظهر الخريطة المرفقة بالمرسوم 6433 /2011 حدود لبنان الدولية مع فلسطين المحتلة، وفي ذلك مماشاة للعدو الإسرائيلي الذي يريد التنصل من اتفاقية بوليه نيوكمب .

ومن جهة أخرى فإننا نذكر بأنّ لبنان وقبل إعداد المرسوم أعلاه، كان قد طلب من مكتب بريطاني مختص رأياً فنياً تقنياً قانونياً حول حدود المنطقة الاقتصادية اللبنانية الجنوبية الخالصة، واستجاب المكتب للطلب اللبناني وأودع نتيجة دراسته الاستشارية العلمية والقانونية والفنية الحكومة اللبنانية في آب 2011، وتظهر الدراسة انّ للبنان حقا بمساحة 2290 كلم 2 زيادة على المساحة التي حدّدت له في مشروع اتفاقية مع قبرص ، ولكن الغريب بالأمر انّ الدراسة البريطانية أخفيت في الأدراج ، وتمسّك المسؤول اللبناني بما كان أعدّه من مرفقات ومضمون في المرسوم 6433 /2011 وأرسله إلى الأمم المتحدة بعد شهرين من تلقي الدراسة البريطانية ، باعتباره وثيقة رسمية لبنانية تحدّد حدود المنطقة الاقتصادية اللبنانية .

وعلى ضوء هذه الحقائق القانونية والوقائع الميدانية العملية بات على لبنان أن يسارع الى إصدار مرسوم يصحّح به خطأ الماضي ويصون مصالحه وثرواته. عليه أن يسارع بالفعل وعلى مرحلتين: الأولى إلغاء المرسوم 6433 /2011 وإبلاغ الأمم المتحدة بالإلغاء وسحبه منها بتوقيع من سبق ووقع ، والمرحلة الثانية إصدار مرسوم نهائيّ يتضمّن الحق اللبناني كاملا ويحمل تواقيع الوزراء المختصين.

أن التمسك بالمرسوم 6433 الواهن والخطر وغير القابل للدفاع عنه سيؤدي الى التفريط الأكيد بالحقوق اللبنانية ، فحجة لبنان بالمطالبة بحقه بـ 2290 كلم 2 ضعيفة بوجود المرسوم 6433 لأنّ الأخير يفسّر بأنه إقرار لبنان بمدى الحق اللبناني والإقرار سيّد الأحكام ، فإذا لم يصحّح العيب هنا ضاع الحق اللبناني، وانّ كلّ من يؤخر او يعارض او يعرقل سحب المرسوم 6433 من الأمم المتحدة وإرسال البديل الصحيح يكون عن قصد أو غير قصد يضعف الموقف اللبناني التفاوضي ويفرط بالحق اللبناني بثرواته البحرية .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى