ثقافةفنونفي مثل هذا اليوم

في مثل هذا اليوم:ميلاد فنان الشعب الشيخ سيد درويش.. مجدد وباعث النهضة الموسيقية العربية

 

الحوار نيوز – خاص 

في مثل هذا اليوم من العام 1892 ولد فنان الشعب سيد درويش البحر*،مجدد الموسيقى وباعث النهضة الموسيقية في مصر والوطن العربي. 
 كانت ولادته في الساعة التاسعة من صباح يوم 17/اذار في حي “كوم الدكة” بالإسكندرية، وهو حي من الأحياء الشعبية الفقيرة، يسكن فيه عمال المعمار من بنائين ونجارين ونقاشين.. الخ، ولهذا الحي تاريخ مجيد في النضال الشعبي ضد الغزاة الأجانب وضد الولاة الأتراك.

Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2019-04-03 09:42:39Z | | ÿ]?:ÿV:;ÿS;Hÿün¿jb

    كان أبوه درويش البحر بحاراً فقيراً له ورشة صغيرة في كوم الدكة ،وكان يصنع القباقيب والكراسي الخشبية ويحصل على رزقه هو وأسرته بصعوبة شديدة، وكان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، وكانت أمه   (ملوك) سيدة من أسرة فقيرة أيضاً ،وكانت أمية هي الأخرى وقد سبقته الى الدنيا شقيقتان تكبرانه قليلاً.

    كان أبوه يريد أن يراه شيخاً معمماً يحفظ القرآن ويجوده وأدخله كتاب حسن حلاوة بالحي نفسه، فتعلم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ قسطاً من القرآن الكريم، وكان شغوفاً في طفولته بالاستماع الى الشيوخ الذين يحيون المولد النبوي ويحفظ عنهم ويقلدهم أمام أطفال الحي.
    في سن العاشرة كان قد أجاد القراءة والكتابة وحفظ قسطاً كبيراً من القرآن، وعندئذ توفي أبوه فصممت أمه على أن يتم تعلمه كما أراد أبوه ،ونقلته الى مدرسة أولية تصادف من كان فيها معلم يهتم بتحفيظ الأطفال الأناشيد الدينية والقومية .وأسترعى الطفل سيد درويش انتباهه فخصه بعنايته وجعله يقود الأطفال في ترتيل الأناشيد، ونمت معه موهبته وخرج من حدود الحي وأصبح يرتاد الأحياء الشعبية الأخرى ،ويستمع الى مشاهير الشيوخ المقرئين والمطربين الذين يحيون الأفراح والمواليد الدينية. واشترت له أمه ملابس رجال الدين وهو غلام في الثالثة عشرة من عمره، وتقدم للالتحاق بالمعهد الديني التابع لأحد مساجد الإسكندرية وهو مسجد (العباس- المرسى) لكي يتم حفظ القرآن وتجويده، وكان شغوفاً بالقراءة والإطلاع ويقرأ كل ما يقع في يده من كتب وصحف عربية.

حياته الفنية
في سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة وجد انه يستطيع أن يكسب عيشه وعيش أسرته من الغناء في الأفراح والموالد بما حفظه من التواشيح والأناشيد الدينية، فتوقف عن الدراسة وتفرغ للغناء والإنشاد ،وكان بالطبع مقلداً لمشاهير المطربين والمقرئين.

   جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية في سنة 1907 وما بعدها فكسدت سوق الفنانين وأصيبوا بالبطالة، ولما كان سيد درويش قد أصبح المسؤول عن أمه وشقيقاته فقد خلع ملابس الشيوخ واشتغل مع عمال المعمار مساعد نقاش مهمته أن يناول النقاش المونة، وفي أثناء العمل كان يغني، فكان العمال الذين يشتغلون في البناء يطربون أشد الطرب ولاحظ المقاول أن العمال ترتفع معنوياتهم ويزيد إنتاجهم إذا كان العامل سيد درويش يغني لهم، فطلب إليه أن يتوقف عن العمل وأن يكتفي بالغناء للعمال.
وكان أمام العمارة التي يشتغل عليها مع زملائه مقهى متواضع تصادف أن جلس فيه ممثل أسمه أمين عطا الله (وكان ذلك سنة 1908) وشقيق سليم عطا الله صاحب الفرقة التمثيلية التي تعمل في الإسكندرية فسمع صوت هذا العامل الفنان وسرعان ما تقدم إليه وعرض عليه العمل في فرقة أخيه، ولم يتردد سيد درويش والتحق بالفرقة ليغني مع الكورس وليؤدي منفرداً بعض الأغاني بين فصول المسرحية.
في السنة نفسها سافر مع الفرقة الى لبنان، ولكن الفرقة فشلت ولم تلق إقبالاً بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، وتشتت أفراد الفرقة وظل سيد درويش ببيروت ودمشق وحلب يكسب عيشه بقراءة القرآن في المساجد ويبحث عن أساتذة الموسيقى ليتعلم عليهم أصول الموسيقى الشرقية ويحفظ عنهم التراث القديم كله.
 بعد أن قضى في الشام قرابة تسعة أشهر عاد الى الإسكندرية واستمر يشتغل بالغناء والإنشاد في الأفراح والموالد والمقاهي الشعبية ،حتى أعاد سليم عطا الله تأليف فرقته التمثيلية سنة 1910 فأنضم سيد درويش إليها.


 
وفي خلال عمله بالإسكندرية بعد عودته من لبنان خرج من دائرة التقليد وترديد ألحان الآخرين، وبدأ يؤلف ألحانه الخاصة، ولكنه بسبب صغر سنه كان يخشى أن يجاهر بأنه يؤلف الموسيقى، فكان ينسب الألحان الى الملحنين المشهورين فكانت تقابل بالاستحسان الشديد.
ثم سافر مع سليم عطا الله الى لبنان في رحلته الثانية التي نجحت هناك نجاحاً مكّنه من البقاء هناك فترة أطول (أكثر من سنة)، عايش فيها كبار أساتذة الموسيقى، ومنهم الشيخ إبراهيم الموصلي، فاستكمل  دراسة علوم الموسيقى العربية وحفظ عن ظهر قلب حفظاً كاملاً كل التراث العربي، ثم عاد الى الإسكندرية سنة 1912 واستمر يعمل في الأفراح والمقاهي الشعبية واستفاضت شهرته وبدأ يجاهر بأنه ملحن ويقدم للناس ألحانه بنفسه، وكانت تقابل بالاستحسان وتنتشر على ألسنة الناس.

وجاءت أخباره الى القاهرة وتردد أسمه في الأوساط الفنية، فكان كبار فناني القاهرة إذا زاروا الإسكندرية يبحثون عن المقهى الذي يغني فيه الشيخ سيد درويش ليسمعوه، ومن هؤلاء الفنانين المغني المشهور الشيخ سلامة حجازي الإسكندري الأصل الذي كان صوته أجمل وأقوى الأصوات في عصره ،حتى أنه عندما جاء مغني الأوبرا الإيطالي كاروزو الى القاهرة لإحياء موسم فيها سمع عن سلامة حجازي وذهب الى المسرح الذي كان يغني فيه، وعندما سمعه قال: “الحمد لله لو ولد هذا الرجل في أوروبا لما أحتل كاروزو مكانة أعظم مغن في عصره.
سمع سلامة حجازي صوت سيد درويش وألحانه فذهل وتعرف اليه وشجعه على الحضور الى القاهرة ليقدمه على مسرحه. وفعلاً حضر سيد درويش وقدمه سلامة حجازي للجمهور بين فصول الرواية التي كانت تمثلها فرقته، وغنى سيد درويش من ألحانه غناء لم يكن مألوفاً وقتها، ولكن الجمهور لم يرض عنه خصوصاً وأن صوته لم يكن في جمال صوت سلامة حجازي فقوبل بالصفير والاستحسان ما جعل سلامة حجازي يخرج من خلف الستار ليقول للناس ان هذا الفتى (وكان عمره قرابة العشرين) هو عبقري المستقبل.

 

حزن سيد درويش لفشله وعاد الى الإسكندرية واستمر يعمل فيها سنوات الحرب العالمية الأولى ،وكان إذا كسد سوق الغناء ينتقل الى العمل عاملاً او كاتب حسابات في متجر للأثاث القديمة يملكه زوج أخته الكبرى.
خلال عمله الغنائي هناك كان أسمه يتردد في القاهرة على انه ملحن صاحب اتجاه جديد في التلحين، وكانت في القاهرة فرق تمثيلية عدة بعضها يقدم ألواناً هزلية مطعمة بأغان موزونة على ألحان بسيطة يونانية أو تركية ،وبعضها يقدم مسرحيات درامية او تراجيدية، ومن هذه الأخيرة كانت توجد فرقة الممثل التراجيدي الكبير جورج أبيض الذي ضعف الإقبال عليها لأن أحزان الحرب كانت توجه الناس الى اللون الكوميدي للتسلية والترفيه عنهم، ورأى جورج أبيض أن يحول فرقته الى اللون الكوميدي الاستعراضي الغنائي واستدعى سيد درويش من الإسكندرية وكلفه ان يلحن له أول أوبريت باسم (فيروز شاه).

 
  قبل سيد درويش بهذه المهمة وانتقل الى القاهرة وألف ألحان هذه الأوبريت التي كانت شيئاً جديداً تماماً على الموسيقى العربية، ولم تلبث أن أخذ الناس يرددونها وخاصة الفنانين المشتغلين في المسارح الغنائية الأخرى. وسمع نجيب الريحاني وهو ممثل كوميدي مشهور وصاحب فرقة مسرحية، سمع بعض أفراد فرقته يغنون في أوقات راحتهم بين البروفات ألحاناً غريبة وجديدة فسألهم عنها ولما عرف قصة هذا الملحن الجديد أسرع بالتعاقد معه ليلحن له أوبيرتاته وألف له ألحان ثاني أوبريت وأسمها (ولو..).

وكانت ظاهرة غريبة إذ انتشرت ألحان هذه الرواية الثانية انتشاراً هائلاً حتى كان يرددها الأطفال في الشوارع والعمال في المصانع والفلاحون في حقول الريف، ولذلك تهافت عليه أصحاب الفرق فكان يؤلف لهم ما يطلبونه إذ أعجبه موضوع الرواية وأعجبه الشعر الشعبي للألحان.وجاء وقت كانت توجد في القاهرة أربع فرق وعدة صالات للغناء كانت كلها تقدم أوبيرتات من تلحينه.

فرقته الخاصة
تضايق سيد درويش من المعاملة الاستغلالية لأصحاب الفرق فكون فرقة خاصة باسمه قدم بها روايتين أحداهما باسم (شهرزاد) والثانية باسم (البروكة)، وكان يؤدي بنفسه دور الفتى الأول.
 

مؤلفاته
في الفترة القصيرة بين حضوره الى القاهرة سنة 1917 وبين وفاته في 15/سبتمبر سنة 1923 وضع ألحان 22 اوبريت والفصل الأول من أول أوبرا شرع في تلحينها بعنوان (كيلوباترا ومارك انطونيو).
وخلال حياته الفنية بين الإسكندرية والقاهرة ألف عشرة أدوار للتخت، وهي عبارة عن سيمفونيات عربية و17 موشحاً على النمط القديم ولكن بروح جديدة نحو 50 طقطوقة وهي الأغاني الخفيفة.

وفاته
    قرابة منتصف ايلول سنة 1923 سافر الى الإسكندرية ليكون في استقبال سعد زغلول الزعيم الوطني العائد من المنفى وليحفظ طلاب وطالبات المدارس النشيد الذي لحنه لاستقباله، ولكنه أصيب بنوبة قلبية مفاجئة في مساء 14 أيلول/سبتمبر ومات فجر 15/سبتمبر في بيت شقيقته.
ووسط الاحتفالات الشعبية والمهرجانات الوطنية المقامة في الإسكندرية لاستقبال سعد زغلول لم يشعر أحد بوفاة أعظم عبقرية مصرية ظهرت في العصر الحديث، وشيعت جنازته في احتفال متواضع لم يشيعه فيه الا عدد قليل جداً من أهله وأصدقائه.

(* المعلومات السابقة عن كتاب موسوعة الموسيقية العربية تاليف رتيبة الحنفي القاهرة 1974)

 

من اعماله

 

وهذا نشيد بلادي بصوت سيد درويش،والذي أصبح فيما بعد النشيد الوطني المصري بعدما أعاد توزيعه الموسيقي الموسيقار محمد عبد الوهاب:

 

ومن أهم الأدوار التي لحنها وغناها سيد درويش دور “أنا هويت وانتهيت:

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى