قمّة جدة: استراتيجية جديدة للعرب والمنطقة(جواد الهنداوي)
د.جواد الهنداوي – الحوارنيوز – خاص
لنْ تكْ قمّة العرب المنعقدة في جدة غداً ٢٠٢٣/٥/١٩، كسابق القممْ، وهذا ما عبّرنا عنه في مقال سابق، عن القمّة بعنوان “قمّة جدة القادمة: قمّة المصالحة العربية والشرق الاوسط الجديد والتوقعات السارة ” بتاريخ ٢٠٢٣/٤/٤ ، ومنشور في هذه صحيفة الحوارنيوز الالكترونية ومواقع وصحف آخرى. ما نكتبه الآن استكمال وليس تكراراً لما وردَ من افكار .
لماذا وكيف نرى في هذه القمّة بداية لاستراتيجية جديدة للعرب وللمنطقة ؟ وماذا سيترتب على العرب شعوباً و دولاً ، وعلى دول وشعوب المنطقة كذلك ،مِنْ خطط وسياسات تتناسب مع هذه الاستراتيجية الجديدة ،كي يحصدُ الجميع ما ينتظر من نتائج و مكتسبات ؟
اولاً في التلاقي العربي السوري ،او في عودة سوريا الى الحضن العربي ( كما يعبّر عنه البعض ) او في الغاء الجامعة العربية لقرارها باستبعاد سورّية ( كما أُعبّر عنه ) ،ومهما اختلفت التوصيفات والتسميات ،يكمنُ في الامر بُعدْ استراتيجي ،قد مّرَ بجانبه الكثير مرور الكرام ،الاّ وهو ( واقصد البُعدْ ) هو انَّ سوريّة التي تعود هي سوريّة الانتصار وليس سوريّة الانهيار ، وأنَّ سوريّة التي تعود هي سوريّة التحالف الاستراتيجي والمصيري مع روسيا وايران وقوى المقاومة ، وأنَّ هذه العودة او هذا التلاقي السوري العربي جاء في وقت يناسب العرب ويناسب سوريّة ،لأنه جاء في وقت والعالم العربي يتصارح ويتصالح بعضه مع البعض ،وجاء في وقت والعرب ( وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية ) يتصارح ويتصالح مع ايران و ينفتح اكثر ،يوماً بعد يوم ،مع روسيا .
فعودة سوريّة او تلاقي سوريّة ،المتحالفة مصيرياً واستراتيجياً٤ مع روسيا و ايران ، مع اشقائها العرب، لا يصطدم بعقدة او باشكالية التحالف السوري الايراني الروسي ،لانَّ العرب اصبحوا قاب قوسيّن او ادنى من أنْ يكونوا في ذات التحالف . هذا الاستنتاج يؤّكد ما كتبناه وكررنا قوله ،ومنذ بدء الازمة في سورية ،بأنَّ الازمة ليست سوريّة وانما ازمة عربية و ازمة اقليمية وازمة دولية في سوريّة .
ثانيّاً ، هويّة القمّة عربية ، ولكن ذات بُعدْ استراتيجي إقليمي ودولي ، وتوقعّنا و تمنينا دعوة الرياض لحضور تشريفي لايران ولتركيا في القمّة كضيوف شرف ،لما لهذا الحضور من معنى ورسائل ،لاسيما ولنتائج هذه القمة تأثير استراتيجي كبير على المنطقة ، وتطرح استفهامات كثيرة منها مثلاً ؛ ما مصير قانون قيصر الامريكي على سوريّة و الدول العربية التي ستنفتح على سوريّة بالتعامل و بالاستثمار ؟ وهل سيكون للعقوبات الامريكية المفروضة على ايران جدوى اقتصادية واحترام سياسي ؟
هل ستتكيّف امريكا مع الواقع الجديد للمنطقة بعد القمّة ،وتبادر في الغاء عقوباتها تجاه سوريّة و ايران قبل ان تندثر بحكم الواقع والتعامل ، استمرار امريكا بفرض العقوبات سيجعلها في موقف عدائي لا يُحسدْ عليه ،تجاه المنطقة و تطلعاتها ، وليس فقط تجاه سوريَة !
ستكون هذه القمّة هي قمّة المصير المشترك للمنطقة وليس فقط للعرب ،لأن نيّة الجميع واستدارة الجميع ( المملكة العربية السعودية و ايران والعراق وسوريّة و مصر وباقي العرب ) هي استدارة استراتيجية و صادقة وليست استدارة تكتيكية وخادعة . و سيكون الاقتصاد وليس السياسة هو المُفعّل والحاسم لهذا المصير المشترك ،لانه ( اي الاقتصاد ) يمثل ويعبّرعن مصالح الجميع ، ومسيرة المملكة العربية السعودية و رؤيتها لعام ٢٠٣٠ خير دليل على اهتمامها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة وفي المنطقة ، ولا تنمية دون امن واستقرار للمنطقة .
ثالثاً ، ستكون قمّة الحضور الفلسطيني ، وقد استبق الامير ولي عهد المملكة ،محمد بن سلمان ، موعد القمة بلقاء مطّول وحديث صريح مع القيادة الفلسطينية ،ومع الرئيس محمود عباس ،وحسبَ مصادر مطّلعة و موثوقة ، اكدّ الامير محمد بن سلمان للرئيس محمود عباس بعدم نيّة المملكة التطبيع مع اسرائيل مالم توافق اسرائيل على مبادرة السلام العربية ،التي طرحتها المملكة العربية السعودية في قمّة لبنان عام ٢٠٠٢ ،وان يسترجع الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ، ووفقاً لقرارات الشرعية الدولية . وقد توقعّنا موقف المملكة العربية السعودية هذا ،منذ مُدّة ، في مقال ،و كتبنا بأنَّ المملكة لم ولن تقدِمْ على التطبيع مع كيان رفض مبادراتها .
وليس من المستبعد ان تكرر المملكة ،في البيان الختامي للقمّة ،دعوتها لاسرائيل لقبول مبادرة السلام العربية .
بالتأكيد موقف المملكة تجاه الحق الفلسطيني ،يعبّر عن موقف العرب جميعاً ، وطرحه في القمة ومطالبة اسرائيل بقبول المبادرة العربية وبعد عقديّن من الزمن على مرورها ، هي رسالة عربية للعالم برغبة العرب للسلام وهي ،في ذات الوقت تعرية لزيف وكذب اسرائيل برغبتها للسلام .
رابعاً ،ستكون قمّة وأد الارهاب والتعامل مع النفوذ الامريكي وفقاً لمصالح المنطقة ،وليس وفقاً للاملاءات الامريكية والمصالح الاسرائيلية ، ستكون المنطقة مُتخمة بقواعد امريكية عسكرية ،كما في الماضي ، ولكن بنفوذ سياسي اقل بكثير من الامس . وستصبح اسرائيل اكثر واكثر عبئاً على الاقتصاد وعلى الدورالسياسي الامريكي وليس عوناً ، وهذا ما تدركه اسرائيل جيداً ، ويحذر منه النخب الامريكية الموالية لاسرائيل ،ويعتبرونه عاملاً من العوامل التي تقرّب نهاية الكيان الاسرائيلي .
قد يستغرب القارئ عندما استشهد بالقرار القضائي الصادر في باريس ضّدَ السيد رياض سلامة مدير البنك المركزي اللبناني ، لاسباب فساد و استغلال المنصب الوظيفي ،هو احد مؤشرات انحسار النفوذ الامريكي ؛
كذلك حضور الرئيس بشار الاسد قمّة الرياض و لقاءاته الخاصة المتوقعة مع الامير محمد بن سلمان ،وبقية الزعماء العرب هو مؤشر آخر .
ستنظرُ شعوب العرب لهذه القمّة بعيون الامل و الرجاء ،وستراقب وتتابع اسرائيل القمّة بشعور الندم و الحذر ، وستراها كل من الصين وروسيا مناسبة لمرحلة جديدة لدور اكبر ودور اوسع لهما ، وستستخلص امريكا العِبرْ و الدروس من نتائج سياسة استعلائية استفزازية خدمت مصالح اسرائيل وأضّرتْ كثيرا بالمصالح الاميركية.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل