سياسةمحليات لبنانية

قبل أن تترهل المؤسسات العسكرية والأمنية:إقتراحات وأفكار لتدارك الأسوأ!

 

كتب محمد هاني شقير:
كانت الوظيفة العسكرية حلم لِطيفٍ واسع من الشباب اللبناني. ففي القوى الأمنية توجد مجموعة تقديمات لا بأس بها، تُشعر المنتمي إليها بالطمأنينة وراحة البال. ومرد ذلك الشعور هو مسألتان رئيسيتان هما الطبابة والتعليم، فطالما أن العسكري وذويه وعائلته مضمونون صحيًا وتعليم أبنائه متوفر بقدرٍ معقول فهو راضٍ بمرتبه الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
لقد بدأت هذه المعايير تتغير منذ سنوات وهي تراجعت بشكل لافت، وبالتالي أصبح رجل الأمن ملزمًا أن يسد النقص الذي طرأ على تلك التقديمات.  مع العلم أن معظم، إن لم نقل غالبية، العسكريين والضباط منهم، يلجأون الى الاستقراض من مؤسساتهم ومن المصارف (عندما كانت المصارف ترجوهم أن يوطّنوا مرتباتهم فيها وتقدم لهم حوافز الاستقراض) كي يستطيعوا معالجة أمورهم بالتي هي أوجب.
لكن التطورات الدراماتيكية التي حصلت في الآونة الأخيرة قد انعكست بشكل كبير على جميع المؤسسات العسكرية. فحتى هذه اللحظات يبدو أن مسلسل الفرار من القوى الأمنية قد بدأ يتفاقم بشكل كبير، حيث تشير المعلومات المتوافرة الى أن أعدادًا كبيرة من المجندين والمتطوعين يفرون من الخدمة بحثًا عن فرصة عمل أو تأشيرة هجرة. ومنذ أيام غرّد النائب وليد جنبلاط متحدثًا عن فرار عشرات العسكريين والضباط من صفوف قوى الامن الداخلي التي لم يصدر عنها نفي للخبر ما يؤكد صحته.
لذلك، على القيادات العسكرية وعلى المؤسسات الرسمية وبخاصة الحكومة اللبنانية والمجلس النيابي، أن يبادروا من فورهم، الى تطويق التسرب الحاصل في القوى الامنية عن طريق تحصينها وتحسين مستوى الخدمات فيها، وهذا يكون عبر عدة اشكال ليست مستحيلة من بينها:
_ حكوميًا: البحث جديًا في مسألة القضم الكبير الذي أصاب المرتبات، فهناك من لا يتعدى مرتبه المليون وثلاثماية ألف ل. ل. أي ما يعادل (175$). وهذا يستدعي النظر الجدي في زيادة تلك المرتبات بما يتماشى مع الانهيار الكبير الذي أصاب الليرة اللبنانية. علمًا أن بعض المؤسسات الخاصة التي ما زالت على قيد العمل رفعت مرتبات العاملين فيها مستخدمةً سعر صرف المنصة المحدد بـ 3900 ل. ل. للدولار الواحد.
عسكريًا: على القادة العسكريين البدء بورشة عمل حقيقية ودقيقة للبحث في السبل الآيلة الى توفير ما يمكن توفيره من مصاريف جانبية تراكمية ترهق مرتبات المنتمين إليها، وكي لا يقال أن هذه مجرد نظريات فإننا نقترح عليهم بعض الافكار التي يمكنهم فعلها لمساعدة هؤلاء العسكريين.
أولاً: إنّ خدمة العسكريين ذات دلالات وطنية بامتياز، وهم نذروا انفسهم في سبيل الدفاع عن الوطن ومواجهة كل ما يتهدده من مخاطر كائنًا ما كان مصدرها. غير أن هذا الأمر لا يجب أن يشكل "ثقّالة" ترهق كواهلهم وتجعلهم يعيشون في دوامة الاستمرارية من عدمها؛ لذلك بالامكان إعادة النظر في أمكنة خدمة العسكريين، بما يحفظ تلك الأبعاد. وفي هذا السياق نجد أن الآلاف منهم يخدمون في مناطق بعيدة جدًا عن أماكن إقامتهم، فالجندي يضطر للانتقال من الجنوب الى الشمال وبالعكس ومن البقاع الى الجنوب وبالعكس، الأمر الذي يرتب عليه مشقتي التنقل وضياع الوقت الطويل على الطريق، فضلًا، وهذا هو المهم، عن تكبده مبالغ مالية كبيرة ولا سيما بعد الزيادات التي طالت كل شيء في هذا البلد. ومن المفيد التنبيه الى أن المحافظات اللبنانية متنوعة طائفيًا حتى لا يقال بأن هذا الاقتراح يحمل ابعادًا خطيرة وطنيًا. والأمر ينسحب على القوى الامنية الاخرى التي تخصص حافلاتها لنقل عسكرييها من المناطق الى بيروت للخدمة في المراكز الرئيسة، فلماذا لا يصار الى فصل هؤلاء للخدمة في مراكز بالمحافظات التي يعيشون فيها، وهذا من شأنه توفير أموال وجهد طائل يبذل على الحافلات وصيانتها والسائقين.
وهناك ايضًا مشكلة أخرى يعاني منها قسم كبير من هؤلاء العسكريين وهي مسألة الطعام؛ فمعروف أن الجيش مثلاً يؤمن الطعام لعناصره الذين يُعرض أغلبهم عنه لعدة أسباب ليس هنا مجال البحث فيها بالتفصيل، ويشترون بديلًا منه من المطاعم. وإذا توقفت هذه الخدمة فإن عناصر آخرين سيتضررون.
إذًا ما الحل؟
  إنّ الحل يكون عبر تخيير العناصر بين تناول الطعام الذي تقدمه المؤسسة لهم أو تقديم تعويض مادي يدرج تحت باب الغذاء كمقطوعية مالية شهرية تشبه بدل النقل. وهكذا سيقبل كثيرون الحصول على بدل مالي يسعفهم في تعويض بعض الخسارات المالية. وهنا يمكن الاشارة الى أهمية أن يصار الى زراعة العقارات الصالحة للزراعة والعائدة لمؤسسة الجيش وتصنيع منتوجاتها في مشاغل الجيش في كفرشيما والاستفادة منها على وجهين: توفير الفاتورة الشرائية لهذه المنتوجات ودعم مطبخ الجيش بها. ويمكن لتلك المشاغل ايضًا أن تُصنِع بعض العتاد الحربي وقطع غيار للسلاح وللملالات والدبابات وذخيرة، وهذا الأمر ليس مستحيلًا بوجود المهندسين والمواد والأيدي العاملة.
ثانيًا: هناك الكثير من العقارات العائدة للجيش وقوى الامن وهي عقارات ثمينة جدًا ومهملة في الوقت عينه؛ فبعضها لم يعد مفيدًا للقوى الامنية بل هو مرهق بسبب الحاجة لصيانته بشكل شبه دوري، فمن يلقي نظرةً على ثكنة محمد ناصر، على سبيل المثال وليس الحصر، سيضيع بين كميات الآليات المحطمة الموجودة فيها والتي اصبحت تشكل عبئًا ثقيلاً على المؤسسة، وهي ثكنة مترامية الاطراف وكبيرة جدًا ويوجد فيها مبان قديمة يجري استخدامها في عدة مجالات بالامكان الاستعاضة عنها وتركيزها في ثكنات أخرى.
وكما هو معلوم، فإن ثمن أي منشأة عسكرية تُباع، يعود لصالح خزينة الدولة، فلماذا لا تطلب قيادات القوى الامنية تعديل القوانين ذات الصلة لتصبح هذه الممتلكات بتصرفها وتقوم باستخدامها بشكل أمثل  لتدعيم مؤسساتها وتحسين ظروف المنتمين إليها. وربما  بالامكان تطوير المؤسسة الاسكانية عبر بناء مبان في الثكنات التي لم تعد ذات قيمة عسكرية وجعلها ضمن نظام اسكاني، غير الموجود حاليًا،ما يخفف العبء عن العسكريين والجدد منهم على وجه الخصوص. هذا فضلاً عن بناء مستشفيات عسكرية في المحافظات لتسهيل معالجة العسكريين وابنائهم فيها وعدم حصر ذلك بالمستشفى العسكري المركزي في بيروت.
ثم يطرح سؤال: لماذا لا تستورد القوى العسكرية احتياجاتها بنفسها وبلا وسطاء، إن لجهة النفط ومشتقاته وإن لجهة المواد الغذائية أو لجهة الأدوية. ففي هذا السياق بامكان هذه القوى تحسين الوجبات التي تقدمها لعسكرييها وتخفيض فاتورتها في الوقت عينه. كما وتخفيض فاتورة النفظ ومشتقاته بنسبة عالية جدًا. والأهم هو ما يدخل في باب الطبابة، حيث أن هذه الفاتورة تخضع للمحتكرين. واذا ما قُدّر للقوى الامنية الاستيراد المباشر لتلك المواد فإنه من المؤكد أن نسبة التوفير ستكون مرتفعة ،وهكذا يمكن تغيير التنسيبات المعتمدة لهذه القطاعات لتذهب مثلاً الى تحسين العطاءات الأخرى.
اذًا ما هو المانع من منح القوى الامنية حق الاستيراد وفك ارتباطها بالقطاع الخاص، وما ادراكم ما هو هذا القطاع وزواريبه الكثيرة؟ وهذا سيكون له مردود امني ناجح ومردود مادي ايضَا ناجح، وبالطبع سيكون له جانب مهم جدًا لجهة الشفافية والمصداقية. 
طبعًا هناك الكثير من الاقتراحات التي من شأنها تطوير المؤسسات الأمنية على جميع الصعد، وكذلك تحسين الظروف المادية للعناصر من دون أن يكون لها أي مضاعفات سلبية تجاه المؤسسة التي ينتمون إليها. إن هذا الأمر يحتاج الى جرأة في القرار الذي يجب ان يتخذ بناءً على اقتراحات توصي بها لجان مختصة تنشأ خصيصًا لهذا السبب.
إن لم يجر تدارك سريع لما تعيشه المؤسسات العسكرية التي تعاني، كما يعاني القطاع العام برمته من تهديد وجودي، فإنها ستترهل وسيتسرب منها من يستطيع ويخرج منها من أتم السن القانوني للخدمة ولا سيما أن الحكومة اوقفت التطوع لثلاث سنوات، وبالتالي قد نذهب الى ما يسمونه الأمن المدفوع الأجر، وهو بدأ فعليًا منذ سنوات عبر شركات الأمن المنتشرة في طول البلاد وعرضها.
فهل تجرؤ الحكومة على تحسين ظروف المؤسسات العسكرية وتعديل بعض القوانين لصالحها؟
وهل تجرؤ المؤسسات العسكرية نفسها على تغيير بعض القواعد المجحفة بحق عسكرييها؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى