ثقافةفي مثل هذا اليوم

في مثل هذا اليوم : رحيل “شيخ الفولوكلور” زكي ناصيف قبل أن “يرجع لبنان”

 

 الحوار نيوز – خاص

في مثل هذا اليوم ،10 آذار 2004 ، توفي شيخ الفولكلور اللبناني الفنان الكبير زكي ناصيف ،أحد كبار أعمدة الفن في لبنان والعالم العربي ،وذلك إثر نوبة قلبية عن عمر يناهز 87 عاماً.

 

وُلد زكي ناصيف  في 4 تموز/ يوليو 1916 في بلدة مشغره في البقاع الغربي، وكانت والدته صاحبة صوتٍ جميل، وكانت تغني الشروقيات الحزينة الطابع. وكان الده تاجرًا يسافر دومًا بحكم عمله.

في إحدى رحلاته إلى الشام ، اشترى مجموعة أسطوانات و”فونغراف” يُعبّأ باليد من مُحمّد لحام، والد الفنان المعروف دريد لحام. لذا فإن حبه للموسيقى نشأ ونما في البيت، من الإسطوانات التي يأتي بها والده، ثم من الأهازيج، فبدأ يعزف على المجوز وهو فتىً صغير، ثُم على العود،من دون أي إلمامٍ بقواعد اللحن والموسيقى.

عندما اشتد عوده بعض الشيء أخذ يُغني في أحد المطاعم، فكسب صداقاتٍ ووجوهًا فنية كانت معروفة آنذاك، إذ تعرّف على إيليا بيضا وخليل مكنيّة وتوفيق الباشا، وألف مع الأخوين رحباني وحليم الرومي والد ماجدة الرومي ماسمّوه بعصبة الأربعة الموسيقية.

البدايات

في أواخر الثلاثينات من القرن الـ20، دخل قسم الموسيقى في الجامعة الأميركية، وتعلّم العزف على البيانو وعلى الكمان وأجرى تمارين في الصوت والأداء، ثم انقطع سنتين عن الدراسة في بداية الحرب العالمية الثانية، ليعود ويُتابع تعلّمه الموسيقي بعدها، دون أن يغفل عن متابعة الأنشطة الموسيقية التي كانت تشهدها مصر، وانضمّ إلى إذاعة الشرق الأدنى سنة 1956.

بدأت علاقته بإذاعة الشرق الأدنى بعد أن حلّت بالعائلة نكبةً ماليةً اضطرته إلى البحث عن مصدر رزقٍ آخر له، فأخذه المرحوم خليل مكنيّة إلى إذاعة الشرق الأدنى وعرّفه بصبري الشريف، وشكّل ذلك بداية احترافه الفن، وأخذ مذاك يعطي ألحانه لأشهر فناني تلك المرحلة: سعاد محمد، نصري شمس الدين.

بدأ زكي ناصيف يكتسب شهرةً طيبةً أوائل الخمسينات من القرن الفائت، من خلال الأغنيات الراقصة والخفيفة التي قدمها عبر أثير إذاعتي لبنان والشرق الأدنى، لتكتمل شهرته بعد سنة 1957، مع انطلاق مهرجانات بعلبك ومهرجانات الأنوار بأغنياتٍ شعبية ودبكات فولكلورية.

تنوعت أغاني وألحان زكي ناصيف بشكلٍ كبير وكانت غنية جدًا، بالإضافة أنها كانت عميقة ومتجذّرة في التراث.

لم يكن زكي ناصيف مهتمًا بحياته الشخصية، فقد أولى فنه كل حياته، ولم يتزوج مطلقًا.وهو لم يَسْعَ إلى تطوير الفولكلور اللبناني، بل حاول إيجاد إيقاع شعبي وطريقة للأداء، وما فعله هو أنه أضاف أشكالًا جديدة في الفن الفولكلوري تقترب من الحداثة.

احترف زكي ناصيف الغناء والتلحين متأخراً، لأنه كان يعتبر الفن هواية أكثر منه احترافاً. انتسب إلى الحزب القومي السوري في سن الأربعين، وعن قناعة كما يقول، وهو الذي لحن نشيد الحزب وأُعجب به أنطون سعادة، كما لحن نشيد “موطني يا توأم التاريخ” للشاعر محمد يوسف حمود، ونشيد “الأشبال” للشاعر غسان مطر. تابع دراسته الموسيقية على يد الموسيقار “برتراند روبيير الذي علّمه كتابة النوتة وفن التأليف والهارموني.

من أقوال زكي ناصيف

يقول زكي ناصيف:

“في مرحلة الطفولة كان لدي ميلٌ طبيعي إلى الموسيقى، فكانت تستهويني الألحان والأنغام والتراتيل”.

“جئت إلى الموسيقى من الترنيم الكنسي. كان ذلك شيئًا طبيعيًا، فقد كانت شقيقتاي تتعلمان في مدرسة راهبات القديس يوسف. وكانت هذه الألحان تجعل العقل “يدوخ” فكيف إذا كان المستمع هو أنا، ذاك الطفل الحساس العاشق للموسيقا والمحب للنغم والترانيم والألحان؟”.

“عندما بدأنا في مهرجانات بعلبك، كان الأخوان الرحباني قد جمعا كل الفولكلور، وأعادا تقديمَه بشكلٍ جميل، وكان من غير المستحب أن أسير في الخط نفسه، فبحثتُ عن شيءٍ جديدٍ ووجدتُه في أهازيج ملحنة، ونظمت أغنيات على وزنها”.

الإنجازات

ألّف مع الأخوين الرحباني وفيلمون وهبي وتوفيق الباشا وصبري الشريف “عصبة الخمسة” ،وكان هدفها الخروج عن الغناء الشائع، ثم في العام 1956 ، وبعد توقف إذاعة الشرق الأدنى، شارك في مهرجانات بعلبك كان له دور هام في الأعوام 1957- 1959-1964 -1974.

لا ينتمي ناصيف إلى المدرسة الرحبانية الموسيقية التي مزجت الموسيقى الغربية والكلاسيكية بالطابع الشعبي اللبنانية والنمط التقليدي القديم. بدلا من ذلك، أبقى على المواد القديمة ولكن بروح جديدة متزاوجة مع تقاليد الضيعة اللبنانية.

 

استجاب ناصيف لنداء سعيد فريحة مؤسس دار الصياد، ووافق علــى أن يرعى فرقة الأنوار للفولكلور فنيًّا، وكان سعيد فريحه قد قرّر إنشاءها، وجمع لها حشدًا من المطربات أبرزهن “صباح” ومطربون أبرزهم “وديع الصافي” وملحنون منهم “عفيف رضوان” وغيره.

بعدها كانت مهرجانات بعلبك، ومعها لحن زكي ناصيف لعشرات الأغاني، وقد غنى بعضها، ووزع البعض الآخر لصباح ووديع الصافي ونصري شمس الدين وكثير غيرهم. حققت أغانيه نجاحًا كبيرًا، وكان حاضرًا على الدوام لتشجيع الموهوبين من أصحاب الأصوات الجميلة شباناً وشابات، وتقديم الأغاني لهم، كما لم يرفض أي دعوة للمشاركة في أي عملٍ فني.

من هنا كانت مشاركته مع فرقته الموسيقية متطوعًا، في احياء ذكرى شهداء مجزرة قانا الذين سقطوا نتيجة اعتداء جوي اسرائيلي، والتي أُقيمت في “مسرح المدينة” بقيادة الفنانة الكبيرة نضال الأشقر، وجريدة “السفير”، وقد شارك في إحيائها مطربون ومطربات كبار بينهم الفنانة ماجدة الرومي، جورج وسوف، إيلي شويري، عبد الكريم الشعار، راغب علامة وسمية بعلبكي والموسيقار نبيه الخطيب وطوني حدشيتي وصبحي توفيق وألين خلف وزين العمر وعازار حبيب وعلاء زلزلي وحسن الحفار وفرقته والشاعر الكبير طلال حيدر.

عاش المبدع زكي ناصيف حياته ببساطة منصرفًا إلى التلحين والشعر والغناء ومحاولة إعادة تجميع المهمل من التراث وصياغته مجددًا، كما أنّه وزّع ألحانه على كوكبةٍ ممتازة من المطربين والمطربات.

 

وليست مبالغةً أن نعتبر هذا الفنان الكبير، شديد التواضع، الإنساني في مواقفه ومشاعره، أحد ركائز التجديد في الغناء والتلحين.

منزل زكي ناصيف الذي تحول الى متحف

الأعمال

من أعماله التي تذكر: درب الغزلان – فوق جبالنا – رمشة عينك – يا ليلى – هللي يا سنابل – سهرنا سهرنا – أهلا بها الطلة أهلا – اشتقنا كتير – ايدك عالدبكة – يا جمال بلادي – راجع يتعمر لبنان.

لحّن للمطربة صباح: أهلا بالهاطلة أهلا – عالبنان لاقونا، ولحن لوديع الصافي: رمشة عينك – طلوا حبابنا طلوا، ولحن لفيروز: يا بني أمي – أهواك بلا أمل.

 صارت أغنية “راجع راجع يتعمر راجع لبنان” بمثابة النشيد الوطني الثاني للبنانيين ،لكن زكي ناصيف رحل عن هذه الدنيا قبل أن “يرجع لبنان”.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى