سياسةمحليات لبنانية

في ليالينا المظلمة..نفتقد السيد فضل الله(حيدر شومان)

بقلم حيدر شومان – خاص الحوار نيوز

لست ممن يؤمنون بتقديس الشخصيات مهما عظم شأنها وسما موقعها، لكن الحديث عن سماحة السيد محمد حسين فضل الله والوجود الصارخ الذي فرضه على الساحة الداخلية والخارجية لمسألة تفرض عليك التطرق الدائم لتعيش حياته وأقواله وتوجهاته في الدين والسياسة والاجتماع، خصوصاً ولبنان يعيش راهناً مرحلة خطيرة إلى أبعد الحدود، وتأسف لغيابه الذي ترك أثراً كبيراً في كل جوانب الحياة المختلفة…

هذه الشخصية الاستثنائية تمثل حالة فكرية وإنسانية لا ينكرها حتى الجاحدون، فقد عاش صاحبها الإنسانَ والإنسانية في كل أبعادهما وعمل على ألا يعيش هذا الإنسان في بؤرة التخلف والتقوقع وأن ترتفع الإنسانية لتبلغ شأوها المطلوب لتحرر النفوس من أسر الخنوع والخضوع والمذلة ليكون العقل هو الأساس في حركة الحياة وتفاصيلة الكثيرة المعقدة…

والسيد فضل الله لم يكن حاداً في الشؤون العامة الداخلية والخارجية، إلا ما خلا تصديه المطلق للاستكبار العالمي وتوابعه من هنا وهناك، وكان جلياً ذلك الالتفاف الكبير حوله عند كل من يحمل الاعتدال والانفتاح سيرورة وتوجهاً… ويمكن القول إنه رسم طريقاً عظيماً لما تزل آثاره إلى يومنا هذه، قوامه الاعتدال والمحبة وقبول الآخر، أياً كان هذا الآخر، وحواره أياً كانت طبيعة الحوار، والسعي إلى ملاقاته في النقاط المشتركة إيماناً منه أن لا وجود للإنسان الشر المطلق، لإسقاط إنسانيته مع الاختلاف في الدين أو المذهب أو الطائفة أو السياسة أو إلى ما هنالك…

وللأسف فهناك في المقابل توجه مناقض تماماً للطرح المعتدل والعقلاني الذي امتاز به سماحته، ولا يزال هذا التوجه يلتقط كل قديم بالٍ من ظلمات التاريخ السحيقة يحمله سيفاً يقطّع به الأوصال، وشعاره القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وشخصيات تاريخية من الزمن البعيد… إنه توجه يحمل العداء للآخر الذي يتميّز عنه في الدين أو الحزب أو الطائفة وما شابه، وكثيراً ما تُصدر الفتاوى داعية للقتل والتدمير والفساد… وما يجعل من كلماته مسموعة ذلك النشاز الذي يشدّ اهتمام الناس عادة، وقبول طرحه بطريقة عمياء ، وخصوصاً عندما يكون الزي الإسلامي سبباً يمنحه لقب عالم دين… فلنعترف ومن دون تردد أن الإسلام يصبح غريباً مع كل يوم جديد…

ولنعترف أيضاً أن الإلحاد ينتشر في واقعنا بشكل لم يُعهد له مثيلاً، وكثير من رجال الدين يفتحون أبواب الشقاق والفتنة على أفكار وحوادث يهزأ من خوضا أو دخولها أجيال الإنترنت الغارق في أجزاء ضئيلة من أمور الحاضر والآتي مبتعداً عن الماضي البعيد الذي تُرسم صوره بهذه البشاعة وتُكتب كلماته بهذا التخلف فينسلخ عن ماضٍ أكثر ما فيه يدعو إلى الهروب، ويكفر بالأفكار والشخصيات والرموز دون تحقّق أو تدبّر…

أين هم معظم العلماء من الواقع الذي لا يبشّر بأي خير؟ أين تحرّك الإسلاميين في بلادنا العربية؟ لقد أصبح تخلفنا سمة تميّزنا عن غيرنا، ذلك الغرب الذي نعتبره كافراً جاهلياً، ويحلو لنا دوماً العودة هاربين إلى الأزمان الغابرة حيث كنا ذوي شأن آخر ونعيّر الغرب وقرونه الوسطى…

في ذكرى سماحة السيد نستحضر كلماته وخطبه وعنفوانه ونصائحه، ونسأل دوماً ما كان سيفعل اليوم لو أنه موجود بيننا ونحن نعاني المآسي في كل تفاصيل حياتنا الصغيرة وعناوينها العامة. إن البيئة التي نتنفس هواءها الفاسد تنذر بنفوس ستزيد مرضاً، وعقول ستزداد تخلفاً، وإسلام سيستمر أكثر وأكثر في غربيته… رحم الله سماحة السيد فضل الله الذي نفتقده في ليالينا المظلمة

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى