سياسةمحليات لبنانية

في عظة الراعي عن الرئاسة والقضاء:مساع لرئيس بالتوافق مع الشركاء(حسن علوش)

 

حسن علوش- خاص الحوار نيوز

قضيتان تناولهما البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظته الاسبوعية صباح اليوم:الأولى تتصل بإنتخاب رئيس جديد للجمهورية.والثانية ترتبط بتطورات الملف القضائي في قضية المرفأ.

في الأولى انتقد البطريرك الراعي مجلس النواب لعدم انتخابه رئيسا جديدا  للجمهورية .وقد عطف البطريرك الراعي موقفه هذا بالتأكيد على أن بكركي تبذل “المساعي للدفعِ نحو انتخاب رئيسٍ جديدٍ، بالتنسيق الوثيق مع سائر المرجِعيات الروحيّةِ والسياسيّةِ آملين التوافق مع جميع شركائنا في الوطن”.

وهنا تماماً تكمن المعضلة الأساس في الاستحقاق الرئاسي، حيث تصر جهات على انتخاب رئيس تحدٍ لا يمكنه إعادة ثقة اللبنانيين بعضهم ببعض، ولا بمؤسساتهم الدستورية ولا أن “يعيد اللبنانيين إلى لبنان مع الاستقرار والازدهار”، كما تمنى البطريرك، بل مثل هذا الخيار يفتح الباب واسعا امام المزيد من الفراغ والفوضى.

وفي المقابل هناك فريق يدعو إلى الحوار من أجل الاتيان برئيس لا ينتمي إلى أي من المعسكرين المتخاصمين، لكن لدى هذا المعسكر رغبة بتحديد مواصفات الرئيس المستقل، القادر على حماية لبنان وصون وحدة اللبنانيين ويكون صناعة لبنانية خالصة، إذا أمكن!

كان يمكن للبطريرك الراعي أن يشجع صراحة على حوار وطني لبناني، بعيدا عن التمسك بمواقف خشبية لا تسهم في التقدم باتجاه انتخاب رئيس بمواصفات بكركي.

القضية الثانية: جسدت حرص بكركي للوصول الى الحقيقة ومعاقبة المسؤولين عن جريمةالمرفأ، وهو يعكس بذلك حرص جميع اللبنانيين. لكنه أدخل بكركي طرفاً في نزاع قضائي صرف، من خلال دعوته القاضي طارق بيطار إلى “استكمال عمله”.

مثل هذه الدعوة يجب أن ترفق بتأكيد مرجعية القضاء في حل الخلافات أو الاجتهادات القانونية. إن التشجيع على الانقلاب على القضاء والمؤسسات القضائية والتهجم على وزير العدل للضغط عليه من اجل التدخل بشأن قضائي، كما حصل، وبطريقة بلطجية منذ أيام، كان يجب أن يكون موضع إدانة من قبل صاحب الغبطة، لا التشجيع عليه.

إن مجلس القضاء الأعلى يتحمل مسؤولية تاريخية في هذا المجال، وعلى رئيسه القاضي سهيل عبود، إطلاق سراح “المجلس” المخطوف من قبله، بواسطة غيابه المتكرر والمتعمد والمقصود عن الجلسات بقصد منعه من الانعقاد للبحث بهذه القضية ليبقيها ضمن المؤسسات ويسحب فتائلها من الشوارع.

القضاء نص وبصيرة قبل كل شيء، والأحكام المسبقة، لا تفيد العدالة.فهل اطلع صاحب الغبطة على ملاحظات قضاة محترمين حيال الاداء الملتبس للقاضي بيطار؟

هل طلب رأي الوزير هنري خوري أو حاول معرفة سبب تحرك مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات وحيثياته؟

هل اطلع غبطته على تفاصيل انفجار مشابه حصل في العام ٢٠٠١ في مدينة تولوز الفرنسية، وكيف تعامل القضاء الفرنسي مع هذا الحدث الذي اعتبر الأضخم في تاريخ فرنسا؟

مواقف البطريرك

استهل البطريرك الراعي كلامه السياسي بالقول: تنصّ مقدّمة الدستور اللبنانيّ على “أنّ الشعب هو مصدر السلطات، ويمارسها بواسطة المؤسّسات” (ي). بموجب هذا القول: كلّ أصحاب المسؤوليّة في المؤسّسات الدستوريّة موكّلون من الشعب. فنراهم على العكس وبكلّ أسف أعداء الشعب. لقد فقّروه وجوّعوه ومرّضوه: حرموه من حاجاته وحقوقه الأساسيّة للعيش؛ منعوا عنه الخبز والغذاء؛ أماتوه بغلاء الدواء والطبابة. وفوق ذلك حرموه العدالة بتسييس القضاء؛ جعلوه كخراف لا راعي لها. كلّ ذلك بأحجامهم عن إنتخاب رئيس للجمهوريّة. وهذا هو باب الفلتان والفوضى في حكم المؤسّسات.

 

وسأل: أين مجلس النوّاب الذي أضحى هيئة ناخبة، ويحجم عن انتخاب رئيس للجمهوريّة، قاطعاً من جسم الدولة رأسها؟ ألم يحن الوقت ليجتمع نواب الأمّةِ في المجلس النيابي، ويختاروا الرئيس المناسب والأفضل بالنسبة إلى حاجات البلاد وشعبها؟ وإذ نشجع مبادرة النواب المجتمعين في قاعةِ المجلسِ للضغطِ من أجلِ انتخابِ رئيسٍ، نتمنى أن يَكتملَ العددُ حتى النصابِ وتَتمَّ العمليةُ الانتخابيّة. والرئيسُ المناسب والأفضل هو الذي يُعيد اللبنانيّين إلى لبنان مع الاستقرار والازدهار. ولا يغيب عن بالنا أنَّ تحدّيات إقليميّةً ودوليّةً تحاصر لبنان برئيسه وحكومته، فالمنطقة على مفترق أحداث خطيرة للغاية ويصعب التنبّؤ بنتائجها وانعكاساتها على لبنان.

من جِهتنا ككرسيٍّ بطريركيٍّ نواصل الاتَصالات والمساعي للدفعِ نحو انتخاب رئيسٍ جديدٍ، بالتنسيق الوثيق مع سائر المرجِعيات الروحيّةِ والسياسيّةِ آملين التوافق مع جميع شركائنا في الوطن. فرئيسُ الجمهوريّةِ وإن كان مارونيًّا ليس للموارنةِ والمسيحيّين فقط، بل لكلِّ اللبنانيّين. ونودّ أن يكون اختيارُه ثمرةَ قرارٍ وطنيٍّ ديمقراطي. فالمرحلةَ المقبلةَ هي مرحلةُ انتشالِ لبنان من الانهيارِ وإعادتِه إلى ذاتِه وهُويّته في نطاق الكيانِ اللبناني.

 

وعن قضية المرفأ سأل البطريرك الراعي: أين العدالة التي هي أساس الملك، والقضاة في حرب داخليّة؟ قضاةٌ ضِدَّ قضاةٍ، وصلاحيّاتٌ ضِدَّ صلاحيّات، وأحقادٌ ضدَّ أحقاد. لم يَعرف لبنانُ في تاريخِه حربًا قضائيّةً أذَلّت مَكانةَ القضاء وسُمعةَ لبنان وحَوّلت المجموعاتِ القضائيّةَ ألويةً تَتقاتل في ما بينها غيرَ عابئةٍ بحقوقِ المظلومين والشعب. حين يَختلف القضاةُ على القانونِ من سيَتفِقُ عليه؟ وهل حقًّا كان الخلافُ على الموادِّ القانونيّةِ أم على الموادِّ المتفجِّرةِ لتعطيلِ مسارِ التحقيق في جريمة تفجير المرفأ؟ وإذ يؤلمنا ذلك، نرجو أن يواصل المحقِّقُّ العدليَّ القاضي طارق بيطار عملَه لإجلاءِ الحقيقةِ وإصدارِ القرارِ الظنّي والاستعانةِ بأي مرجِعيّةٍ دوليّةٍ يمكن أن تساعدَ على كشف الحقيقة وأمام ضمائرنا 245 ضحيّة وخراب بيوت نصف العاصمة ومؤسّساتها. وما يؤسفنا أكثر أنْ نرى فِقدانَ النصابِ يطال اجتماعاتِ الهيئاتِ القضائية، فَيُقدِمُ قضاةٌ ومُدّعون عامِّون على تخطّي مجلسِ القضاءِ الأعلى ورئيسِه ويَمتنعون عن حضوِر الاجتماعات. وهذا غير مقبول! فللقضاء آليّته وتراتبيّته.

 

وأضاف: ماذا يبقى من لؤلؤة القضاء، حين يتمرّد قضاةٌ على مرجعيّاتِهم عوضَ أن يَتمرّدوا على السياسيّين، ويُزايدون على بعضِهم البعض، ويُعطّلون تحقيقاتِ بعضِهم البعض، ويُطلقون سراحَ متَّهمين بالجملة ويَعتقلون أهالي ضحايا المرفأ؟ وحين يُطيحون أصولَ الدهمِ والاستدعاءِ والجلبِ، ويَنقلِبون على أحكامِهم، ويَخضَعون لأصحاِب النفوذ؟ وحين يخالفون القوانينَ السياديّةَ ويَنتهكون سريّةَ التحقيقاتِ أمام دولٍ أجنبيّةٍ قبل أن يَعرفوا أهدافَها الحقيقيَةَ ومَن يُحرّكُها؟ وحين يُورِّطون ذواتَهم في مخَطّطاتِ الأحقادِ والانتقامِ؛ ويَستقوون على الضعفاءِ ويَضعَفون أمام الأقوياء ويُهرِّبون المعتقلين الأجانب؟ لن نسمحَ، مهما طال الزمنُ وتغيّر الحكّام من أن تمرَّ جريمةُ تفجير المرفأ من دون عقاب. وبالمناسبة، ماذا تنتظر الدولةُ اللبنانيّةُ لإعادةِ إعمار مرفأ بيروت ليستعيدَ حركتَه الطبيعية، خصوصًا أننا نسمع عن مشاريع لدى بعضهم لنقل مرفأ بيروت التاريخي إلى مكانٍ آخر.

 وتابع: نستطيع القول إنّ الدولة بمؤسّساتِها وأجهزتِها، تبذلُ قصارى جُهدِها لتخسِرَ ثقةَ المواطنين بها ولتدفَعَهم إلى الثورةِ المفتوحة. لمصلحةِ مَن هذا المخطّط؟ والأخطرُ أنَنا نرى البلادَ اليومَ تَسودُها الأجهزةُ الأمنيّةُ والعسكريّةُ في غيابِ أيِّ سلطةٍ سياسيّة ودستوريّة وأي رقابة حكوميّة. فأين الحكومة التي تدّعي أنها تَملِكُ الصلاحيّاتِ لتَحْكم؟ وأين السلطة التي تحمي المواطنين والشرعيّة؟

هذا كله نتيجة عدم انتخاب رئيس للبلاد. فحيث يغيب الرأس يتبدد الجسم كله. لا يريدون تصديق ذلك. إلا اذا كان عدم انتخاب الرئيس مقصودًا.

 

وختم البطريرك: نصلّي لكي يلهم الله كلّ صاحب سلطة أن يمارسها بالأمانة والحكمة، فهو موكّل لا سيّد. بهذا الإقرار نمجّد الله ونحمده، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى