العالم العربيسياسة

عن مشروعي الفاو الكبير و طريق الحرير واتفاقية سنجار

 

د . جواد الهنداوي *
                
العلاقة بينهم تُبيّن أمريّن: الامر الأول هو إرادة سياسية دولية وإقليمية وعراقية لتوظيف جغرافية العراق وموارده من اجل إضعاف قدرات الدولة ( العراق)، وتهيأته وإعداده للتقسيم.
الامر الثاني هو مسعى اصحاب هذه الإرادة السياسية الدولية والإقليمية والعراقية للسيطرة على منافذ وحدود العراق جنوباً وشمالاً و غرباً. ايّ حصار العراق وخنقه و تعطيل توظيف مقوماته الجغرافية والاقتصادية. كلا الأمريّن مترابطان، والأمر الثاني يُمهّدْ للأمر الأول. ولا نظّنُ بأنَّ القيادات السياسية في العراق تجهلُ هذه الحقائق، ولكن ما يدعو للاستغراب وللتساؤل هو صمتهم او صمت بعضهم و غياب الفعل ؟
الجميع  على علم و دراية بحرص وبجهود أمريكا للسيطرة الميدانية على الحدود العراقية – السورية في غرب العراق، والجميع سمعَ قول الرئيس ترامب بسيطرة الجيش الامريكي على مصادر النفط في سوريا، وأكّد ذلك في خطاباته الانتخابية قائلاً " قمنا بسحب جنودنا من سوريا وأبقينا بعضهم للاستمرار في السيطرة على حقول النفط  السورية … "
في إنجاز مشروع الفاو الكبير مصلحة استراتيجية للعراق اقتصادياً وسياسياً، وسيكون مفصل أساسي في طريق الحرير البحري، والذي يبدأ من الصين حتى مياه الخليج العربي، وتحديداً ميناء الفاو، ومنه يبدأ الممر البري لطريق الحرير حتى الحدود التركية ماراً بقضاء سنجار .
كتبنا في ٢٠٢٠/٩/٢٩ مقالاً عن مشروع الفاو الكبير : مصلحة العراق ام مصلحة اسرائيل  وحلفائها في المنطقة، وبيّنا المنافسة المحتدمة بين بعض الدول الخليجية وكذلك اسرائيل من اجل السيطرة على موانئ المنطقة. وانجاز مشروع الفاو الكبير سيستحوذ على النسبة الأكبر من النشاط المينائي في المنطقة .
السيطرة على سنجار يعني التحكم في ممر طريق الحرير البري الى تركيا ، ويعني ايضاً التحكم في تجارة سرقة البترول السوري ( استغلالها او مكافحتها )، وفي جزء حيوي من الحدود العراقية التركية.
لا يمكن تجاهل هذه المعطيات الاستراتيجية عند الحديث او التفكير في اتفاقية سنجار بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان .
أمن مواطني قضاء سنجار اولوية مطلقة، و لهم كل الحق في التعبير عن خياراتهم ، ومن الواجب دستورياً احترامها ووفقاً للقانون والدستور ، والقضاء تابع  إدارياً  الى محافظة الموصل والى أجهزة الدولة الاتحادية ( جيش اتحادي ،شرطة اتحادية ،وشرطة محلية )، وعنونة الاتفاق بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان تدعو للتساؤل  والاستفهام عن الأسباب و عن دور و نوايا ليس فقط أطراف الاتفاق ( الحكومة الاتحادية  وحكومة اقليم كردستان ) ، وانماّ عن نوايا قوى دولية ( امريكا، تركيا )، لاسيما والعراق مُقبل على انتخابات ، وكثير من الصفقات والاتفاقات الداخلية تتُم وعلى حساب استحقاقات وطنية و دستورية ،لتمرير منافع سلطوية وسياسية .
لا يمكن ضمان امن القضاء دون تأمين عوامل استقراره سياسياً وادارياً و ديمغرافياً ، وقرار  طرفي الاتفاق ( الحكومة الاتحادية و وحكومة اقليم كردستان ) ، بخروج الحشد الشعبي من القضاء ،  يقتضي الامر ، ولغرض استقرار القضاء وضمان وضعه ديمغرافياً ، أنْ يؤمّن قضاء سنجار حصراً بقوات اتحادية عراقية وبالتعاون مع محافظة الموصل ،والذي يرتبط بها القضاء إدارياً.
الدستور الفدرالي والقانون الإداري الاتحادي و المحلي ومصلحة الدولة والشعب  يقتضوا ان يُبرم الاتفاق بين الحكومة الاتحادية الفدرالية والحكومة المحلية لمحافظة الموصل ،وليس بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان ، وان تتولى المؤسسات العسكرية الاتحادية فقط مسؤولية الأمن واستقرار القضاء وضمان تبعيته الادارية والسياسية الى محافظة الموصل .
واذا اقتضت مصلحة العراق بأن تتواجد قوات عسكرية كردية في قضاء سنجار، لأسباب جغرافية  ولمحاربة الارهاب ، ذات المصلحة تقتضي، ومن باب أولى ، قوات الجيش العراقي الاتحادي أو قوات الحشد الشعبي والتي لها تجربة في مسك ارض وحدود القضاء ،وليس عناصر من الامن الداخلي او المخابرات العامة.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات-بروكسل


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى