رأينقاش

العرب واليهود وبيت العنكبوت (فرح موسى)

 

بقلم د.فرح موسى – الحوار نيوز

 

يسأل بعض الإخوة عن حقيقة ما نسمعه في الخطاب الديني والسياسي أن العدو الصهيوني هو “أوهن من بيت العنكبوت”،وكان السؤال: ما هو سر التشبيه القرآني؟ولماذا جاء في سياق الحديث عن الآلهة المزيفة ؟وهل من دلالات لهذا التمثيل القرآني غير دلالة الوهن والضعف الذي نراه في بيت العنكبوت  وتشبيه الآلهة المعبودة من دون الله به؟

إن الإجابة على هذه الأسئلة تستوجب بداية التأسيس القرآني لها،فنقول:هناك الكثير من الآيات القرآنية التي يتلوها كثير من الناس دون التدبر في ما يكون لها من عمق الدلالة،وسر الهداية،ويأتي في طليعة هذه الآيات،آية العنكبوت.وإذا كان معلومًا للكثيرين من علماء الدين والسياسة مفاد ودلالة هذا التمثيل القرآني،فلسنا نشك إطلاقًا في أن أكثر أهل العلم والسياسة لا يلتفتون إلى ما ختمت به الآيات لجهة نفي العلم عمن لا يعقل معاني الأمثال القرآنية!فأكثرنا يسهى عن قوله تعالى:”وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون”..وقد يكون من المفيد هنا أن تذكر الآيات القرآنية كما جاءت في سياقها،حيث قال تعالى:”مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتًا، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون،إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم،وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون.”.

وهنا يمكن لباحث  أن يسأل عن معنى قوله تعالى:”لو كانوا يعلمون،”،وعن قوله تعالى:”إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء..”،وكذلك عن قوله تعالى:”وما يعقلها إلا العالمون.”.فالآيات تستبطن دلالات عظيمة،ويفترض بالباحث أن يتدبر في معاني العلم فيها،وعما ترشد إليه في الواقع العملي لما هو معلوم عن كون القرآن الكريم يلامس الواقع والحدث قبل أن يتسع لكل زمان ومكان وحياة.

فالباحث من خلال تدبره يمكنه ملاحظة التأسيسات الآتية:

أولًا:هناك عشرات الأمثال القرآنية التي يمثل بها على حقائق كثيرة في حياة الإنسان،لهدايته وجعله أكثر وعيًا وعلمًا بنفسه وبكل ما هو مراد منه في مسيرة خلقه وتكليفه.وقد قيل:”إن التمثيل القرآني يبرز المعاني في صورة حية تستقر في الأذهان بتشبيه المعقول بالمحسوس، ويرى العلماء أنه لا بد أن تجتمع في المثال أمور أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام،وهي:إيجاز اللفظ،وإصابة المعنى،وحسن التشبيه،وجودة الكتابة،فالمثل القرآني هو نهاية البلاغة.”

ثانيًا:يمكن للباحث أن يسأل عن دلالة أن يأتي التمثيل ببيت العنكبوت بخاتمة:”وما يعقلها إلا العالمون”،دون غيره من الأمثال القرآنية،كما جاء في مثال البعوض،أو الذباب،أو غير ذلك من الأمثال التي جاءت في سياقات مختلفة عن التوحيد ،والكفر ، والهداية،والإنفاق،فكل هذه الأمثال كانت لها خواتيم مختلفة،إلا مثال العنكبوت فقد اختص بأن تكون له خاتمة العلم والعلماء؟

ثالثاً:يجمع أهل العلم على أن الغرض من تشبيه الآلهة المزيفة بهوام وحشرات الأرض ،هو إنما كان بهدف الحط من شأنها وإظهار عجزها والسخرية بها، إذ هي لا تنفع ولا تضر من يتعبد بها، وهذا ما يؤكد عليه مثال العنكبوت،حيث جاء المثل والممثل به لبيان حالة الآلهة المزيفة ،وأنها أوهن من بيت العنكبوت،فهذا البيت تصطاد به العنكبوت طعامها،ولولاه لماتت جوعًا!أما الأصنام،فهي لا توفر شيئًا لمن يعبدها من دون الله تعالى،ما يعني أن الآلهة هي أسوأ حالًا من  بيت العنكبوت!؟

وهكذا،فإن سؤال الإخوة يستوجب ملاحظة هذه الأمور،وفهم حقيقة التمثيل بلحاظ ما يأتي عليه من تأكيد على العلم والوعي،كما في قوله تعالى:”وما يعقلها إلا العالمون”.فإذا تعقل الإنسان معنى وحقيقة هذا التمثيل ببيت العنكبوت،فلا بد أن يستوقفه،بحيث يكون له العلم الحسي والعقلي بضعف ووهن هذا البيت،فتترسخ في نفسه حقيقة الموقف اتجاه كل ما يؤديه من وظائف وتكاليف؛فإذا كان يعوزه البرهان والدليل،فإن هذا التمثيل من شأنه أن يترك لديه الأثر البالغ في نفسه،لأن الناس تختلف طرائق هدايتهم،فمنهم من يهتدي بالبرهان والدليل،ومنهم من يهتدي بالتمثيل والتحسيس،ومنهم من يستحوذ عليهم الشيطان فلا يهتدون سبيلًا!فالسؤال عن حقيقة الخطاب بأن العدو الصهيوني هو أوهن من بيت العنكبوت،هو يأتي بلحاظ كون هذا العدو يُتخذ إلهًا،ويخشى منه رغم كل ما هو عليه من وهن  في ذاته!،وهذا ما نرى أنه يستوجب علمًا بحقيقته،وطريقة إغوائه،فضلًا عن العلم بضعفه ووهنه!فالله هو العزيز الحكيم، والعرب والمسلمون يعلمون بضعف العنكبوت،فلماذا يتخذون من أعدائهم أولياء،وهم يعلمون أنهم أضعف من البيت العنكبوت،؟أم أنهم لا يعلمون،ويرون في عدوهم ما كان يراه أهل الشرك في آلهتم! فاتخذوا منه  ربًا يعبدونه من دون الله تعالى.إن الله يقول عن أهل الشرك،إن هؤلاء لو علموا أن عبادة الآلهة كاتخاذ العنكبوت بيتًا سخيفًا،لكانوا أعرضوا عنها!؟فهل يدري أهل السلام والتطبيع معنى أن يتخذوا من بيت العنكبوت بيتًا يحتمون به،وهو أعجز عن أن يحمي بيته من زلازل الحق!؟فالله يقول:”أتبتغون عندهم العزة،فإن العزة لله جميعًا”.

ويبقى السؤال،كيف يمكن لبيت العنكبوت العربي أن يفهم معنى بيت العنكبوت الصهيوني واليهودي!؟وهو سؤال ينبني أساسًا على فهم وتعقل المثل القرآني،الذي يفيدنا دائمًا أن بيت العنكبوت هو سمة الجاهليات في تاريخ البشرية!فلا بأس أن تتعدد البيوت الجاهلية طالما أن الأمل معقود دائمًا على تحقق مرادات الله في خلقه!فختام الآية المباركة  عن تعقل العلماء يبقى ذا فائدة في مقام الخطاب الديني والسياسي، بحيث نعلم أنه من تمام التعقل أن يعي الناس حقيقة ما هو عليه هذا العدو بكل أحلافه من ضعف ووهن في وجوده وأصل نشأته،إذ هو لا يملك مقومات أن يكون عونًا لنفسه؛فأخلق به أن يكون عاجزًا عن نصرةعناكبه!،فهل عهدنا أن بيت عنكبوت يتقوّى ببيت عنكبوت وصنم يلوذ بصنم،؟فالكل على وهن الوجود والحضور،والله هو العزيز الحكيم،”وما يعقل ذلك إلا العالمون..والسلام.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى