إقتصاد

سد النهضة الأثيوبي بالحقائق والأرقام:نتائج كارثية.. ومصير شعب(محمد رقية)

بقلم د. محمد رقية

يعتبر سد النهضة الإثيوبي من أخطر المشاريع التي تنفذ في وادي النيل على مستوى افريقيا والمنطقة العربية، وستكون نتائجه كارثية على مصر والسودان ، إذا لم يتم إيقافه ، أو تغيير أبعاده ومواصفاته .

1- تشير المعطيات الجغرافية أن المساحة الكلية بالكيلو متر المربع لكل دولة من دول حوض النيل العشر هي  : بوروندي 27,834 – رواندا 26,340- تنزانيا 945,090- كينيا 580,370 – الكونغو الديموقراطية 2,344,860 – أوغندا 235,880- إثيوبيا 1,100,010 – إريتريا 121,890- السودان (قبل انفصال جنوب السودان الذي تبلغ مساحته الكلية 619,745) 2,505,810 – مصر 1,001,450

2- مساحة الجزء من الدولة الواقع بحوض النيل بالكيلو متر المربع :بوروندي 13,834- رواندا 19,876- تنزانيا 84,200- كينيا 46,229- الكونغو الديموقراطية 22,143 – أوغندا 231,366- إثيوبيا 365,117- إريتريا 24,921- السودان (قبل انفصال جنوب السودان الذي تبلغ مساحته الكلية 619,745) 1,978,506- مصر 326,751 .

3- نسبة مساحة الجزء من الحوض بالدولة من مساحة حوض النيل الإجمالية :بوروندي 0,4% – رواندا 0,6%- تنزانيا 2,7%- كينيا 1,5% – الكونغو الديموقراطية0,7% – أوغندا 7,4% – إثيوبيا 11,7% – إريتريا 0,8% – السودان (قبل انفصال جنوب السودان الذي تبلغ مساحته الكلية 619,745) 63,6%- مصر 10,5%

4- نسبة مساحة الجزء من حوض النيل بالدولة من مساحة الدولة الإجمالي

بوروندي 47,6% – رواندا 75,5 % – تنزانيا 8,9% كينيا 8,0% – الكونغو الديموقراطية 0,9% – أوغندا 98,1% – إثيوبيا 33,2% – إريتريا 20,4% – السودان (قبل انفصال جنوب السودان الذي تبلغ مساحته الكلية 619,745) 79,0% – مصر 32,6% .

– يتبين من العرض في البنود السابقة أن مساحة اثيوبيا أكبر من مساحة مصر بحوالي مئة ألف كم2 والسودان هي الأكبر مساحة على مستوى افريقيا وزادتها الكونغو الديمقراطية بعد انفصال الجنوب.

– مساحة حوض النيل في اثيوبيا أكبر قليلا” منها في مصر. أما الأكبر فهي السودان (حوالي مليونين قبل الانفصال).

 أما نسبة مساحة جزء الحوض في الدولة إلى مساحة الحوض الإجمالية فهي قريبة في الدولتين وعالية في السودان وتصل إلى 6, 63 % ,.

– كما أن نسبة مساحة الحوض إلى مساحة الدولة قريبة في الدولتين ويبقى السودان هو الأعلى 79 %

– عدد السكان في اثيوبيا حسب 2021 حوالي 118 مليون وفي مصر حسب  2020 هي أكثر من 101 مليون . لكن المشكلة الأساسية هي اعتماد مصر في 97 بالمئة من مواردها المائية على نهر النيل وكما قال هيرودوت مصر هبة النيل ،

أما أثيوبيا فلديها  11 نهرا كبيرا واقليميا  وساقطا مائيا يقدر ب 936 مليار متر مكعب سنويا وليست بحاجة حتى لمياه نهر النيل إلا بنسبة بسيطة .وإن إقامة هذا السد بهذا الحجم الكبير أذى بأذى وكما يقال بالعامية “ولدنة حرام”  ووراء هذا المشروع بشكل رئيسي الكيان المحتل بدعم أمريكي .

5- حصة مصر من مياه النيل تبلغ 55,5 مليار متر مكعب / عام طبقاً لاتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل المُوقعة في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 1959 مع السودان وهي الاتفاقية الثنائية الوحيدة بين دولتين من دول حوض نهر النيل العشر وتنص بعض بنودها (بعد تشغيل السد العالي يكون نصيب مصر من صافي إيراد النيل 55,5 مليار متر مكعب/ عام ويكون للسودان 18,5 مليار متر مكعب / عام وفي حالة زيادة متوسط إيراد مياه النيل تُقسم هذه الزيادة مناصفة بين جمهوريتي مصر والسودان”

6- بدعوة من الإمبراطور هيلا سيلاسي أعد مكتب استصلاح الأراضي التابع للحكومة الأمريكية دراسات مسحية لمواقع على النيل الأزرق في الفترة من 1956 حتي 1964 وأقترح المكتب الأمريكي 4 مواقع لمشروعات هيدروليكية على النهر تُقدر إمكانياتها 3 أضعاف ما نتج عن إقامة سد أسوان العالي بمصر , وقد اختارت الحكومة الإثيوبية أحد هذه المواقع الأربعة لإقامة سد النهضة وهو يبعد عن شمال غربي أديس أبابا بـ 750 كم ولا يوجد به توطن سكاني ملحوظ ولا أنشطة اقتصادية , وقبل ذلك وفي عام 1962 قام فريق من المهندسين الألمان بوضع دراسات أخرى عن مياه نهر Abbai  أي النيل الأزرق  , وفي عام 2008 قامت Eastern Nile Power Trade Studies بإعداد دراسة جدوي تمهيدية بمنطقة Abbai Gorge تحت رعاية مبادرة حوض النيل الشرقي في إطار برنامج عملها الفرعي ,ثم تعاقبت دراسات أخري لتحديث السابقة فأُجريت دراسة في أكتوبر 2009 وفي يوليو إلى أغسطس 2010 بمعرفة Studio Petroangeli , وكل هذه الدراسات أشارت إلي أن أنسب موقع من الوجهة الموروفولوجية والجيولوجية والبيئية معاً هو الحالي لإقامة سد النهضة الذي سيبلغ إرتفاعه 145 متر وعرضه 1780 متر وسيُنشأ وراءه خزان يغطي منطقة مساحتها 1,680 كم مربع يستقر فيها 74 بليون متر مكعب من مياه النيل.

7- استغلت أديس أبابا انشغال القاهرة بعملية الانتقال السياسي في أعقاب الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، وقامت بوضع حجر الأساس للسد الأضخم في أفريقيا على النيل الأزرق بالقرب من الحدود السودانية.في 2 نيسان 2011.

8- الموقع الجغرافيّ: يقع سَدّ النهضة عند نهاية نهر النيل الأزرق، وضمن حدود إثيوبيا، حيث تُعرَف تلك المنطقة ببني شنقول قماز، ويبعد سَدّ النهضة حوالي 20كم عن حدود الجمهوريّة السودانيّة على طول مسار نهر النيل الأزرق، ونحو 35كم إلى الشمال من منطقة التقاء نهر بيليس بنهر النيل الأزرق، كما يبعدُ حوالي 750كم إلى الشمال الغربيّ من أديس أبابا، أمّا ارتفاع قاعدة السدّ فيبلغ نحو 505م عن مستوى سطح البحر.

9- للأسف لم تأخذ مصر موقف حازم وقوي وجدي منذ البداية لمنع بناء السد.

فلو أظهرت الحكومة المصرية منذ البداية العين الحمراء كما يقال لما تجرأت اثيوبيا القيام بأي عمل بالسد ولكان جرى الإتفاق على تغيير كل مواصفات السد منذ البداية .

10- الخطأ القاتل الي وقعت به مصر وكذلك السودان هو توقيعهما الاتفاق حول إعلان المبادئ مع أثيوبيا حول مشروع السد الذي وقع في الخرطوم، في23 آذار (مارس) 2015 من قبل الرؤساء الثلاثة , الذي يشمل عشر مبادئ أساسية والذي تعتمد عليه إثيوبيا في كل تحركاتها وأعمالها بالسد ولا تنفذ من هذه المبادئ شيئا” سوى المرتبط بمصالحها .

11- قامت إثيوبيا بتحويل مجرى نهر النيل الأزرق في أيّار/مايو من عام 2013م؛ لإنشاء جسم السدّ، وفي 26 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2015م، تمّت إعادة المسار الطبيعيّ إلى النهر بعد الانتهاء من إنشاء الأنفاق السُّفلية للسدّ

12- أنشأت مصر وإثيوبيا والسودان لجنة دولية من الخبراء لمراجعة وتقييم تقارير دراسة السد. وتتألف اللجنة من 10 أعضاء؛ 6 خبراء من الدول الثلاثة و4 خبراء دوليين في مجالات الموارد المائية والنمذجة الهيدرولوجية، وهندسة السدود والدراسة الاجتماعية الاقتصادية، والبيئية وعقد الفريق اجتماعه الرابع في أديس أبابا في نوفمبر 2012. واستعرض وثائق حول الأثر البيئي للسد وقاموا بزيارة موقع السد. وقد قدموا تقريرهم الأولي إلى الحكومات المعنية في نهاية مايو 2013. وعلى الرغم من أن التقرير الكامل لم يتم عرضه علناً” إلا أن أهم ماذكرمن نتائج في هذا التقرير كان:

-يؤدى إلى ندرة الأوكسجين الناجم عن إغراق النباتات والكائنات الحية في محيط السد

– يؤدى إلى نقص المياه المتاحة لقطاعات الري والزراعة والشرب في مصر أثناء فترة الملء

– يتسبب في نقص الطمى الوارد للسودان وسيؤثر على خصوبة تربتها

-احتمالات انهيار السد واردة.. مما يشكل كارثة على السودان ومصر

– مصر طالبت بالتنسيق التام والتوافق مع الجانب الإثيوبي على قواعد الملء والتشغيل

-القاهرة طالبت التوصل إلى آلية قانونية وفنية تسمح بالمشاركة الكاملة فيها

-يؤثر سلبياً على الحصة المائية لمصر.. ويؤدى إلى نقص الكهرباء المولدة من السد العالى إلى حد توقف محطته تماماً لعدة سنوات

– إقامة سد النهضة على النيل الأزرق يمكن إثيوبيا من التحكم الكامل في إيراد النيل الأزرق

-ووفقا للحكومة المصرية، فإن التقرير ” أوصى بتغيير وتعديل أبعاد وحجم السد “

وقال التقرير أيضا “إنه بناء على التصميمات الهندسية المتوفرة من الجانب الأثيوبي، وخاصة فيما يتعلق بالسد الجانبي، اتضح وجود عوامل كثيرة قد تؤثر بشكل كبير على أمان السد على المدى الطويل، وهو ما يشير إلى زيادة احتمالات انهيار السد، وستكون هناك تأثيرات كارثية على السودان بداية من انهيار كل السدود على النيل الأزرق وارتفاع منسوب المياه في الخرطوم بدرجة كبيرة، وهو ما يمثل دمارا تاما، هذا بالإضافة لما سيحدث نتيجة اضطرار مصر لتصريف المياه الزائدة خلف السد العالى للحفاظ عليه من الانهيار، وهو ما سيؤثر سلبيا على كل المنشآت المائية على النهر من أسوان وحتى الدلتا، بالإضافة لاحتمال غرق كثير من الأراضي والمنشآت القريبة من جسور نهر النيل.

13- في 14 شباط (فبراير) 2017 بدأ المكتب الفرنسي الرئيسي بي. آر. إل ومساعده أرتيليا عملهما في تنفيذ الدراسات الفنية لسد النهضة، والمتفق عليها مع الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا لمدة 11 شهرا، والتي تستهدف في المقام الأول وضع أسس استرشاديه لقواعد الملء والتخزين بما لا يؤثر على معدلات تدفق المياه في مجرى النيل الأزرق، فضلا عن عدم إلحاق الضرر بالسدود المقامة على مجرى النهر، أو نظم تشغيلها. وفي 12 مارس 2017 أوضح المكتب الفرنسي أن المعلومات التي قدمها الجانب الإثيوبي بشأن السد ناقصة، وطلب تصوير أجزاء محددة من السد باستخدام الأقمار الصناعية، حتى يتمكن المكتب الفرنسي من إنهاء عمله وتقديم تقرير شامل للجنة الفنية الثلاثية المعنية بمتابعة دراسات السد مع المكتب الفرنسي. ورفضت اثيوبيا والسودان التقرير الفرنسي الذي تم تقديمه.

14- يقول السفير بلال المصري كنت أتابع من موقعي كمدير لشئون ليبيا بالخارجية ثم كسفير لمصر في أنجولا ثم في النيجر أي في الفترة من عام 2002 حتي 2013 علاقات مصر مع دول حوض النيل بالتوازي مع مهامي الأصلية , وأذكر أني حذرت من مغزي إنضمام إثيوبيا إلى مبادرة حوض النيل NBI التي تقررت في مؤتمر وزراء ري دول حوض النيل عام 1998 , لكنها كانت بإيعاز وبهندسة إنشائية من البنك الدولي . ويقول إن الجزء الأهم في مكونات الاستراتيجية المائية لإثيوبيا هي الحرص على عدم الالتزام أو عدم التعهد بشيء ملموس للطرف الأخر ومن هنا يمكن أن نُقيم ما يُسمي بوثيقة إعلان المبادئ بشأن سد النهضة

ويقول السفير هناك مصلحة صينية وأوروبية وأمريكية وإسرائيلية من مضي إثيوبيا قدماً في إنهاء بناء سد النهضة , أما مصر فهم يريدوها طافية على سطح بحر لجي لا هي غريقة ولا هي سابحة تتقدم.

15- يقول وزير الموارد المائية والري المصري، محمد عبد العاطي فعلا “هذا السد غريب ، وكلمته توضح كم التخفي وشح المعلومات حول السد من الجانب الإثيوبي، إذ قال مطلع يوليو نصًّا: ”إن المفاوضات مع إثيوبيا كانت تدور حول سد آخر مختلف تمامًا عن سد النهضة“، وهذا التغييب للشفافية وحجب معلومات تتعلق بمشروع كبير مثل هذا يزيد من الشكوك.

وأوضِّح الأساس الذي نبني عليه مخاوفنا، فإن هذا السد مبنيٌّ بطريقة يُطلق عليها في لغة الإنشاءات والتشييد ”تسليم مفتاح“، أي أن الجهة المعنية بالتصميم هي ذاتها المنفذة للسد، وهي ذاتها أيضًا الجهة المشرفة. وهي شركة ’وي بيلد‘ الإيطالية المعروفة سابقا باسم ’ساليني إمبريجيلو‘، وهذا أمر غير مقبول في حال رغبنا في بناء مبنى سكني، فما بالك ونحن أمام سد ضخم؟

16- في 16 يونيو 2020 تقدمت مصر بطلب إلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة حول سد النهضة الأثيوبي تدعو فيه المجلس إلى التدخل من أجل تأكيد أهمية مواصلة الدول الثلاث مصر وأثيوبيا والسودان التفاوض بحسن نية تنفيذا لالتزاماتها وفق قواعد القانون الدولي. وفي 27 يونيو 2020 أكدت إثيوبيا أنها ستبدأ ملء سد النهضة خلال أسبوعين، في الفترة التي سيتم خلالها استكمال أعمال البناء.

وفي 15 يوليو 2020 أعلن وزير الري الإثيوبي عن البدء في ملئ سد النهضة رغم عدم التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا مؤكداً أن صور الأقمار الاصطناعية الأخيرة لسد النهضة كانت صحيحة. وأعلنت بعدها وزارة الري والموارد المائية السودانية تراجع منسوب مياه نهر النيل الأزرق بما يعادل 90 مليون متر مكعب مما يؤكد إغلاق بوابات سد النهضة.

17- المنح والقروض التي حصلت عليها اثيوبيا خلال الأعوام الاخيرة لدعم السد وغيره من المشروعات :

-الصين 3 مليار دولار عام 2013 و2018 لتمويل خطوط كهرباء السد

-,الإمارات 1,2 مليار دولار عام 2018 , قروض ومنح واستثمارات ,

– صندوق النقد الدولي 2,9 مليار عام 2019

, – السعودية 140 مليون لتمويل مشاريع الطاقة الشمسية , 2019 ,

وتشير بعض المصادر إلى أن استثمارات السعودية والإمارات وصلت إلى 7 مليار دولار

– أمريكا 5 مليار دولار 2019 استثمارات في إطار التحرر الاقتصادي

كانت هذه المساعدات والاستثمارات الأميركية والدولية أكثر بكثير مما تحتاج إليه أديس أبابا في الوقت الراهن، ، فإن هذه الأموال منحت قُبلة الحياة الأبدية للحلم الإثيوبي، وفي الوقت نفسه قدَّمت إشارات واضحة إلى أن الدعم الذي تحظى به أديس أبابا في الأوساط الغربية اليوم بات قادرا على معادلة النفوذ التاريخي لمصر، وكان هذا على الأرجح هو السبب الرئيسي في أن إثيوبيا تبنّت خطابا عدوانيا وهجوميا ضد مصر خلال الأشهر الأخيرة، مؤكدة أنها ستمضي قُدما في خططها لملء وتشغيل السد سواء توصّلت إلى اتفاق مع القاهرة أم لا.

18- دور الكيان الغاصب

يحضر دور الكيان الغاصب  (إسرائيل) في موضوع سد النهضة في اتجاهين أ- من ناحية الأمن المائي في السطو على نسبة من مياه النيل، ب- في البعد الجيوسياسي، فإن “إسرائيل” تطمح إلى توسيع نفوذها والهيمنة على مصادر الطاقة في افريقيا , التي يعد نهر النيل أبرزها، ما سيعزز موقفها السياسي في الشرق الأوسط والقارة الأفريقية.

-إضافة إلى الدعم السياسي، كشف موقع “ديبكا” الإسرائيلي في تموز/يوليو عام 2019 أن “إسرائيل” أكملت نشر منظومة الصواريخ الإسرائيلية “Spyder-MR” حول “سد النهضة”.

– لدى إسرائيل 240 مستثمراً يعملون في أثيوبيا بمجالات الري والكهرباء والمياه، فضلاً عن تنفيذ مشروعات ري ضخمة ، بالتوازي مع تمويل 200 مليون دولار لتطوير أنظمة الري.

هذا وتشير العديد من المعطيات إلى أن آلية التفاوض التي تتبعها أثيوبيا مع مصر، وضع أسسها فريق تفاوضي في الخارجية الإسرائيلية ومنهم وزير الخارجية الأسبق شاؤول موفاز، وديفيد كمحي وهو وكيل سابق في المخابرات الإسرائيلية “الموساد”. كما قامت الحكومة الإسرائيلية بافتتاح “اكتتاب شعبي”، في البنك المركزي الإسرائيلي لجمع التبرعات الموجهة إلى السندات والأذون لخدمة مشروع “سد النهضة”، وصولاً إلى قيام الحكومة الأثيوبية باستقدام العديد من الخبراء والفنيين الإسرائيليين للعمل في مراحل التجريب والتنفيذ طوال المرحلة الثانية. وقد كشف وكيل وزارة الري السودانية الأسبق حيدر يوسف، عن وجود طابق كامل في وزارة المياه الأثيوبية مخصص لخبراء المياه الإسرائيليين.

وتشترط “إسرائيل” وصول المياه إليها مقابل السماح بوصوله إلى مصر، وذلك من خلال شراكتها مع أثيوبيا بـ”البنك الإثيوبي لتصدير مياه النيل الأزرق” وإن “إسرائيل” الحاضر الأبرز في “سد النهضة” لن توافق على أيّ حلّ يستثنيها من “مياه النيل” ويقوّض توسعها في دول حوض النهر، وعلى سواحل البحر الأحمر.

وبالتالي يمكن القول بأن اسرائيل وراء كل التعنت الإثيوبي .

19- القوي الدولية لا تعتبر سد النهضة أزمة تهدد مصالحها , حيث لم تبادر قوة دولية واحدة بالتدخل أو الوساطة في “أزمة” سد النهضة , إذ أن أي متابع للشؤون السياسية الدولية يعلم أن تدخلات القوى الدولية في الأزمات الإقليمية تنشأ بغرض الدفاع إستباقياً أو في الوقت المناسب لحماية وصيانة مصالحها الحالية أو المُرتقبة.

20- لم تكن واشنطن وحدها مَن خذلت مصر بالمساعدة، حيث رفضت الصين -أحد أصدقاء مصر- طلبا مماثلا من القاهرة ولم تُمارس أي ضغوط على إثيوبيا في قضية السد، والأكثر من ذلك أن السعودية والإمارات، أبرز حلفاء النظام المصري، تجاهلا المناشدات المستمرة للقاهرة لتعليق استثماراتهما في إثيوبيا (نحو 7 مليارات دولار) من أجل تحسين موقف مصر التفاوضي في القضية، وعلى العكس من ذلك استثمرت كلٌّ من الرياض وأبو ظبي في تعزيز علاقاتهما مع أديس أبابا، حيث رعت العاصمتان اتفاق مصالحة تاريخي بين إثيوبيا وإريتريا كان هو السبب الرئيسي في حصول رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على جائزة نوبل للسلام.

21- يُعتقد أن هناك عشرات الشركات الغربية التي ترتبط بعقود عمل متفاوتة في سد النهضة الإثيوبي، وفي الواقع، تُشير مصادر إلى أن أغلب الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وغيرها من الدول النافذة إقليميا ودوليا، لديها شركات تعمل في سد النهضة، بما يعني أن هذه الدول سوف تكون -في أفضل الأحوال- مترددة في اتخاذ أي مواقف منحازة ضد مصالح إثيوبيا بشأن قضية سد النهضة، حال أُثيرت القضية في أيٍّ من المنتديات والمحافل العالمية، بما في ذلك الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

22- من بين أهم المشروعات اللوجستية التي تقوم علي تنفيذها الشركات الصينية ذلك المشروع الذي أشارت إليه صحيفة The Guardian البريطانية في 16 فبراير 2017حيث تولت شركتان صينيتان إنشاء خط سكك حديدية يُدار بالكهرباء تماماً بطول 752,7 كم يربط بين العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وميناء جيبوتي على البحر الأحمر وقد أُفتتحت المحطة الأولى لهذا الخط خارج أديس أبابا في 5 أكتوبر 2016

23- كان على مصر إطلاق تحرك دبلوماسي لتكوين رأي عام أفريقي موات لوجهة النظر المصرية ليس على مستوي دول حوض النيل فقط بل علي الصعيد الأفريقي ككل , ذلك أن قضايا الأنهار الأفريقية قضايا مطروحة علي النطاق الأفريقي وستجد مصر من يسمعها , وبتكوين رأي عام أفريقي على المستوي الرسمي وبعض الفضاء الإعلامي الأفريقي ستجد إثيوبيا بعض الصعوبة في الترويج لمشروع يحرم بلد كمصر  يعاني من الندرة المائية  و وتعتمد حياة سكانها على مياه نهر  النيل.

ولم تقم بنشاط دبلوماسي وسياسي عالمي مهم لمنع هذا المشروع بالمواصفات المطروحة ، حتى على مستوى دول الخليج وخاصة السعودية والإمارات الذين دعموا المشروع باستثمارات كبيرة.

 وفي المقابل استطاعت إثيوبيا مد شبكة أمنها القومي في محيط دول الجوار وربطتها بمصالح اقتصادية مُضطردة وقابلة للتحقيق في الأمد القصير , ومن ثم فقد امتدت الآن شبكة أمن إثيوبيا القومي من الصومال وجيبوتي وإرتيريا والسودان ثم دعمتها بتحرك ديبلوماسي شمل كينيا ورواندا وبوروندي وأوغندا , بحيث لم يعد ممكنا – من الوجهتين النظرية والعملية – إمكانية مبادرة مصر بعمل عسكري ما ضد إثيوبيا وسد النهضة تحديداً .

24- إن الجولة الأخيرة من المفاوضات التي جرت في الكونغو التي لم تحقق أي تقدم “تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الجانب الأثيوبي لا يريد التوصل لاتفاق مع مصر والسودان حول قواعد الملء والتشغيل،

25- إن تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي إلى قناة الجزيرة القطرية التي قال فيها إن “من حق إثيوبيا بيع المياه الفائضة عن حاجتها بعد الملء الثّاني لخزان سد النهضة”., التي نفاها لاحقا” تبين النوايا الحقيقية للسلطات الإثيوبية ومخططاتها بعيدة المدى بدعم إسرائيلي، أي ‘تدفيع’ مصر والسودان ثمن مياه النيل، وإيصال ‘الفائض’ منه إلى الدولة الصهيونية ؛ التي تحاول إرواء منطقة النقب من النيل.

 

26- في آخر تصريح قبل يومين قال السفير عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصرية الأسبق إن اثيوبيا دولة مارقة ومافياوية وديمقراطيتها كديموقراطية مثيلتها إسرائيل .

وأضاف أن اليوم يوم الفرقان، داعيا الشعوب العربية أن تنصرف عن اكاذيب الأحباش وغيرهم واحقادهم ، محذرا الأفارقة والعرب وإسرائيل بأن مصر هي التي سترد اثيوبيا الي القانون.

وقال: “وانا أضع نفسي في خدمة بقاء مصر بلا ظهور أو مقابل واقول لقيادة مصر تخلوا عن حسابات التردد والاستسلام فمصر باقية رغم أنف الأحباش وبعض المتنطعين من كل صوب ولكن مصر عند الحساب ستؤدب كل المترددين والمتآمرين ولن تسمح بأن تطفو القيادة على جثتها الغارقة ,تحركوا لتأديب اثيوبيا قبل ضياع الفرصة الأخيرة من ايديكم المرتعشة وتقبلوا النصيحة بوضع خطة متكاملة لصد الخطر وافتحوا الإعلام حتى يفهم الشعب ضحية المؤامرة”.

وقال في ختام حديثه: “أرجو ان يكون تحذيري خالصا لله والوطن من قلب ينفطر على بلد يستطيع أن يدير العالم ولكن للأسف الرويبضات في كل المجالات هم من يحتكرون كل الساحات فهل يتحرك احرار هذا البلد في جهد اهلي مجرد بالضغط لإنقاذ مصرنا الحبيبة”..

27- حول فرضية الحل العسكري :لابد أولاً من الإشارة إلى أنه على مُتخذ القرار السياسي وكذا المفاوض المصري أن يدركا أن سد النهضة لم يعد مع اقترابه من الاكتمال احتياجا اقتصاديا إثيوبياً فقط بل أصبح بالإضافة إلى ذلك احتياجا اقتصاديا إقليميا إذ أنه مورد للطاقة الكهربائية لدول الجوار الإثيوبي وهي فيما عدا جيبوتي دول نيلية , كما أنه احتياج اقتصادي للاتحاد الأوروبي وللدول الأوروبية واستثماراتها وشبكة أعمالها التي تتضمن تنفيذ مشروعات مفتاحية بالقرن الأفريقي منها الشركة الإيطالية التي تُنفذ سد النهضة والتي أُسند إليها تنفيذه بالأمر المباشر , ومع ذلك وحتى مع إدراك مصر لهذه الحقيقة إلا أن هناك مازال ثمة حيز من المنطق لمصر يبرر لها كل شيء للحصول على حقوقها.

 وأرى هنا  أنه يجب :

أولا” أن تنسحب مصر  مع السودان من اتفاق اعلان المبادئ الذي صدر عام 2015 , والذي لم تنفذ منه اثيوبيا شيئا” إلا بما يتوافق مع مصالحها ,واعتبار وجود سد النهضة تهديدا لحقوق المواطن المصري والسوداني، وهو حق الحياة، وحق الحصول على الماء والغذاء.

ثانيا” وضع مجلس الأمن أمام مسؤولياته

ثالثا” التنسيق مع السودان وكسب مواقفه لجانب مصر في كل المراحل.

رابعا” السعي مع كل الدول  الى تخفيض كمية المياه خلف السد  حتى 14 مليار م3  ولن تتاثر كمية الكهرباء المنتجة. في هذه الحالة .

خامسا” إذا فشلت كل هذه الإجراءات يبقى الحل العسكري البديل الوحيد المُتاح.

أما الإجراء العسكري فهو يعتمد على جاهزية متخذ القرار السياسي في مصر لتحمل تبعات هذا الإجراء , الذي يدركها تمام الإدراك, , ولذلك وفي ضوء كل ما تقدم وبعد أن وصلت أزمة سد النهضة إلي مستوى الكارثة القومية لمصر , فلا مناص من أن تتعامل مصر والسودان مع “عدوها ” الذي ينوي دفعها إلى حافة الإنهيار هذا العدو القاتل يدعي أنه يقيم مشروعاً للتنمية في بلاده غير عابئ بما ستدفعه مصر أو السودان من ثمن باهظ هو حياة الشعبين. إن أزمة سد النهضة بالنسبة لمصر والسودان أزمة حياة أو موت أما بالنسبة لإثيوبيا فهي مسألة حياة أفضل , وعلى مصر كما السودان أن تناضل حتى تتجاوز خطر الفناء الذي بات من الواضح أنه أمر تتمناه العديد  القوى الدولية المعادية  واولها الكيان المحتل , فعلى مصر ألا تتوقع منهم خيراً فهي معركة مصر وحدها مع السودان الذي يجب أن تنسق معه كل تحركاتها بما في ذلك الأعمال العسكرية .

إن موعد بدء المرحلة الثانية من الملء للسد سيكون في تموز (يوليو) المقبل وهذا بات وشيكا” ، وأي ضربة للسد يجب أن تكون قبل هذا التاريخ , إن أرادت مصر أن تبقى حية وذات سيادة .

إن هكذا قرار يحتاج إلى إرادة وإيمان به ولكن السؤال هنا: هل يملك مَن هم في سدة السلطة هذه الإرادة أو هذا الإيمان بمخاطر السد على الأمن القومي للبلدين ؟ في الواقع إن تعاطي الحكومتين مع مفاوضات السد في السنوات السابقة يدل على غير ذلك تماما.

أما إذا تم ملئ السد في المرحلة الثانية ولم يتم اتخاذ أي إجراء  فستصبح مصر وحتى السودان مضطرة لحماية سد النهضة من كل عوامل انهياره  وليس اثيوبيا لأن بانهياره سيفني البلدين  .

28- أخيرا نستشهد بقول الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور :

إذا كنت ذا رأيٍ فكن ذا عزيمةٍ … فإنَّ فساد الرأي أن تترددا

ولا تمهل الأعداء يوما بقدرةٍ … وبادرهم إن يملكوا مثلها غدَا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى