رأي

حقائق منسية بين لبنان وسوريا(نسيم الخوري)

 

بقلم الدكتور نسيم شفيق الخوري*

عثرت بين أوراقي على رسالة/ نص للشاعر سعيد عقل مذيلة بتوقيعه بتاريخ 13تموز/ يونيو 2000، وأنا منهمك بتوضيب حياتي الأكاديمية واختتامها لمناقشة دكتوراه أشرفت عليها عنوانها العام “مستقبل الفرانكوفونية في لبنان”.

ذكرت الفرنكوفونية لا للمصادفة وحسب، بل للفشل الذريع الذي يعانيه اللبنانيون لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية وأعناقهم ممطوطة نحو السيادة في الخارج ،من فرنسا ماكرون المشغولة بالأمر إلى السعودية وقطر والولايات المتحدة وصولاً ربّما إلى وقوفهم أمام أبواب دول العالم.
يحكم التعثّر العام لبنان لزمنٍ طويل في التقاط سيادته. تكفينا هذه الجبال المنهارة والأجيال المتراكمة من الأحقاد البارزة بين الموارنة، ضف إليها تلك السقوف المذهبية المُثيرة في الخطب والسلوك لتُعيدنا إلى ما لا يُذكر من …. إملأوا الفراغ عنّي بما شئتم من صفات قبيحة.
يبدو حجم الملفات والمقابلات والدراسات والأشرطة للسياسيين الذين ينضّدون ياقاتهم هائلاً، لكنهم لا ينضّدون ألسنتهم وعقولهم ملوّحين دوماً بالحرائق بدلاً من الحقائق وكأنهم امتهنوا إيقاع الداخل بكلّ خارج لتقوى التناقضات ويتجدّد البحث الدائم عن الجمهورية المُقعدة.
يطرح الوضع أمرين:
أوّلاً: محنة العلاقة المتلبسة بين العقل السياسي اللبناني المُشابه لدوران الكرات فوق الملاعب بين أيدي اللاعبين السياسيين. الهدف من السؤآل البحث عن محنة العقل في السياسة.
لماذا العقل؟
أ- لأنّنا، وفقاً للإشتقاق الثلاثي في لغة الضاد، إذ نعقِلُ العقلَ، فإنّنا نربطه بفكرٍ دوّار كما الكرة المتحركة، ونصبح كمن يربط الرسغ إلى العضد بالعقال العتيق.
ب- ولأننا إذ نلعقُ العقل لعقاً فكأنّنا نلحسه بالألسنة والأصابع ولن نظفر بطعمه وقيمته بتسهيل فكّ العُقد المُزمنة وبناء الأوطان.
ج- عندما نلقَعُ العقل، أي نرميه أرضاً، يُصبح وكأنه عشّ من الذباب الأخضر الذي يلسع المواطنين ويتوه بهم.
د- ولأننا عندما نقْلَعُ العقل من جذوره،تُصبح الرؤوس صلبةً يسهل تعدادها وإضاعتها بلا تمييز أو نتائج مثمرة.
هكذا يبدو لبنان للعالم اليوم، مكاناً أو رقعةً الحياة فيها أصعب من الموت.
ثانياً- كيف نخلّص بالعقول المتناقضة الشاردة خارج المعنى وطناً يتأرجح بين الداخل والخارج أو بين الحقائق والحرائق ؟
في الجواب كتب الشاعر سعيد عقل في العلاقات اللبنانية السورية منذ ربيع قرن:
“للتاريخ…قال الرئيس حافظ الأسد “لا” في وجه إثنين من كبار سياسيي لبنان… عرضا عليه أن يكون لبنان بلداً واحداً مع سوريا. في اليوم التالي، كرّر تلك” اللا” حاسمةً في وجه أحدهما الذي رجع اليه عارضاً إقامة كونفدرالية بين لبنان وسوريا والأردن.
بهاتين اللائين التاريخيتين يكون الأسد أضاف دولةً نهائية الى عقد دول العالم تُقرُّ بأنّ لبنان دولة ذات سيادة كأعرق الدول.
وبشأن هذا الأمر بالذات، عمل الأسد أكثر:
…عاتب( الأسد) سياسياً من لبنان، كان قد قدّم اليه كتاباً ألّفه، على إغفاله في كتابه خبر اللائين اللتين واجه بهما هذين السياسيين اللبنانيين. قصد الأسد بعتابه، أنهما غاليتان على قلبه تانك اللاءان اللتان جاءتا بحجم الشرف يعتلج في قلب الأسد.
أتصوّر الأسد، الضابط الطيّار، من سبق له أن لاعب الموت هو وطائرته، خلال مهنته كمحارب، راح يقارن بين العرضين وما يردده أفذاذ لبنان من أقوال لعظام العالم فيهم أو في بلادهم. ومنها قول هوميروس أنهم” شعب الآلهة” و”حملة لغة الآلهة”. بلى أتصور الأسد قارن بين الأقوال وعرضي رجل السياسة، فوجد العرضين يتناقضان مع لبنان. ما عمل؟ لم يستمهل السياسيين اللبنانيين في أمر الجواب وإنّما ردّ فوراً بتلك” اللا” التاريخية وكان يكررها هي نفسها.
من أجل هاتين اللائين التاريخيتين، أشرك دموعي بدموع الشعب السوري على الأسد، لأقول له الإمتنان، لا باسمي وحسب ، بل باسمي على أني أنا لبنان. وسأفعل أكثر. نحن شعب واحد في بلدين أو في وطنين أو شعوب لا تنتهي ذوو هوية لبنانية.
غدأً، يوم لا يبقى ولا عسكري أجنبي على أرض لبنان، ساقصد سوريا أزور ثلاثة:
القرداحة حيث مثواه هو، والبرلمان ممثّل أمته، ورئاسة الدولة مقرّ خلفه، لأقول في الثلاثة أمكنة… شكرنا باسم سيادتنا للرجل الذي شهد لكرامة سيادتنا.
خصصت ذلك التصرف التاريخي، يبدر من الأسد تجاه وطني في يومين متتالين، لأنه كان تصرّف الرجل الرجل الذي يضاف الى تصرفات الرجال الرجال”.
إنتهى مختصر نص سعيد العقل.
وللتاريخ…
فإنّ النص كانت قد طلبته مني في دمشق قريبتي الأديبة والسياسية كوليت الخوري بهدف دعوة سعيد عقل لدمشق ليلتقيه الرئيس بشار الأسد ،شهادة على الزمان الذي كنّا فيه وهو بالحقيقة يحتاج الى ضرب “لا” سعيد عقل بأعداد الدول الخارجية والزعماء في الكرة الأرضية لأن لبناننا مشلول وأعناقنا خارج لبنان .

المعادلة الآن للتفكير والتأمل مذيّلة بالحوار ووقف طقطقة الكلام لأنّ العقل أمضى من دعوتنا دول العالم لتتزحلق فوق لزاجة مواقفنا رهن الطلب ومعظم مسؤولينا يدورون فوق طواحين الكلام المعلوك المتكرّر منذ مئة سنة لم ينتج سطراً مفيداً في بناء الغد والسيادة. بلى أنتج الحرائق.

*عضو الهيئة العليا للإشراف على الإنتخابات البرلمانية
أستاذ مشرف في المعهد العالي للدكتوراه

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى