سياسةمحليات لبنانية

حراك المجلس الشيعي في الوقت الضائع: قبل أن نخسر أنفسنا والبلد!

العلامة الخطيب:دولة المواطنة هي الحل

 

كتب واصف عواضة – الحوار نيوز

كيفما ينظر اللبنانيون إلى أحوال بلدهم في هذه الأيام، تتملكهم قشعريرة باردة ممزوجة بالضياع واليأس والغضب.ومبعث هذا الشعور أنهم لا يرون نهاية للنفق المظلم الذي يسيرون فيه ، نتيجة الإنهيارالاقتصادي والمالي والاجتماعي، والناجم عن  الارتباك والتخبط والإنقسام الذي يحكم منظومتهم السياسية  .

قبل أشهر كان نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي العلامة الشيخ علي الخطيب يتلمس هذا الواقع القاتم ،ويسأل باعتباره مرجعا روحيا لطائفة يُلقى على كتفها الكثير من الأعباء والاتهامات ،”ما الذي يجب أن نفعل لإنقاذ البلد من هذا النفق المظلم”،بل أكثر من ذلك كان يردد :”يجب أن نفعل شيئا قبل أن نخسر أنفسنا والبلد”.

أجرى العلامة الخطيب ومكتب المجلس إتصالات بعدد من الأكاديميين والأصدقاء وأهل الإعلام من أبناء الطائفة بداية ، وعقدت سلسلة لقاءات جرى التداول خلالها في ما يجب القيام به ،وما هو الحراك الأجدى في ظل هذه الحالة.

لم يكن العلامة الخطيب يهدف ويسعى إلى إنقاذ الطائفة وأبنائها ، ولا تسويق أفكارها ووجهة نظرها وموقفها السياسي ،على الرغم من إيمانه المطلق بالمقاومة وأهلها وبالعداء المطلق للكيان الصهيوني وبحقوق الشعب الفلسطيني وبالظلم اللاحق بأبنائها جراء بعض السياسات الخارجية،وهي المبادئ التي صرفت الطائفة خيرة شبابها في سبيلها وتحملت ما لم يتحمله فريق آخر،بل أيضا ضاعت معظم ودائع مغتربيها الذين صرفوا أعمارهم في الغربة وخسروا جنى العمر في لحظات.

منذ البداية قال العلامة الخطيب بوضوح: “نريد إنقاذ البلد بكل طوائفه وكياناته ومجاميعه،وهو الشرط الأساسي لإنقاذ الطائفة الشيعية. فالشيعة في لبنان ليسوا كيانا منسلخا عن لبنان ولا يطمحون لأي كيان منفصل،بل هم شريك أساسي في بناء البلد وخلاصه وإصلاح حاله،مستذكرا بصورة دائمة نهج الإمام المغيب السيد موسى الصدر والأمامين الراحلين الشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ عبد الأمير قبلان،في إدارة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى”.

ومنذ البداية كان العلامة الخطيب واضحا في طروحاته: “إن إنقاذ البلد لا يمكن أن يتحقق بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وانتظام الحالة السياسية . نعم سيكون هذا مدخلا للإنقاذ ، ولكن الإنقاذ الحقيقي يجب أن يترجم بإصلاحات وتغييرات تفضي إلى “دولة المواطنة” ، بحيث يكون اللبنانيون واحدا أمام الحقوق والواجبات .فدولة الطائفية السياسية أوصلتهم إلى هذه الحالة المزرية،وعلينا أن ننتقل إلى واقع سياسي جديد باتفاق وتفاهم جميع اللبنانيين.والشيعة في لبنان بجميع مكوناتهم مستعدون للإنخراط في هذا الطريق”.

في هذا المضمار لا يلغي العلامة الخطيب من حساباته إتفاق الطائف وموجباته ،ولكن الطائف في رأيه يوصلنا إلى دولة المواطنة ،والمادة 95 من الدستور واضحة لجهة العمل على إلغاء الطائفية السياسية ،ولعل التحدي الأكبر هو أن نستكمل إتفاق الطائف وليس بالضرورة تجاهله للوصول إلى المبتغى.

 

في هذه اللقاءات التي اتسعت لاحقا لتشمل نخبا من الطوائف الأخرى كان ثمة من يقول للعلامة الخطيب: “يا مولانا،إن وجهة نظرك سليمة ومسعاك مقدر ،ولكن ثمة تعقيدات كثيرة ناتجة عن إختلاف وجهات النظر لدى المكونات اللبنانية بالنسبة للإنقاذ. ولا يخفى عليكم أن بعض هذه المكونات تحمّل الشيعة وقياداتهم السياسية ،وتحديدا حزب الله، مسؤولية ما وصلنا إليه ،وتطرح أفكارا إلغائية لا يمكن للشيعة أن يتقبلوها. وهذه الأفكار ليست مقتصرة فقط على المسيحيين،بل أنها تعتمل لدى بعض المسلمين أيضا.ومن هنا إذا أردتم الحراك كمجلس شيعي فعليكم أولا أن تستمعوا إلى هواجس الآخرين ،ومناقشتها مع القيادة الشيعية ،بهدف تقريب وجهات النظر،وتكوين خلاصة قد تسهم في الحل والإنقاذ .فإذا نجحتم في هذا المسعى فلكم أجران ،وإلا فأجر واحد مشكور في أي حال”.

كان العلامة الخطيب دائما يستحسن هذا الرأي ويقول: إن أبواب المجلس الشيعي مفتوحة للجميع ،وأؤكد لكم “للجميع” ،ولن أرفض أي موعد يطلبه أي مكون سياسي.هذا من جهة ،ومن جهة ثانية أنا مستعد للذهاب إلى أي مكان في لبنان من أجل الهدف الذي نسعى إليه ،وإقدم رؤيتنا ،وأستمع إلى كل الهواجس.

قبل شهر تماما في الأول من حزيران استقبل العلامة الخطيب في مقر المجلس رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل على رأس وفد من الحزب ،ورحّب به في مقر المجلس “الذي رفض مؤسسه الإمام السيد موسى الصدر عزل أي مكوّن لبناني، ولا سيما حزب الكتائب من دون منة على أحد بل شعورا بالمسؤولية الوطنية، مؤكداً ضرورة ان يعمل اللبنانيون لبناء دولة المواطنة التي تحقق العدالة الاجتماعية وترتبط مباشرة بمواطنيها دون المرور بطوائفهم”.

خرج سامي الجميل مرتاحا على حد قوله من مقر المجلس الشيعي وقال:”نتمنى أن يكون هناك حوار جدي ومنفتح، والكلام الذي سمعناه من سماحة الشيخ اليوم مطمئن جداً”.

 

  وعلى مدى أسبوعين، إنتقل العلامة الخطيب من منطقة لبنانية الى أخرى ،حاملًا الدعوة من أجل الحوار والتعاون مع كل المرجعيات الدينية والهيئات الثقافية والفكرية لمواجهة التحديات المختلفة التي يواجهها لبنان والعالم العربي والإسلامي.  

جال الشيخ الخطيب في مناطق الجنوب والشمال وبيروت والبقاع، حيث عقد لقاءات موسعة مع فاعليات ثقافية وفكرية ودينية واجتماعية. انتقل الى طرابلس وشارك في لقاء شامل في الرابطة الثقافية ، داعيًا للتعاون والحوار وتجاوز الخلافات السياسية ،ومؤكدا دور المثقفين والمفكرين في المرحلة المقبلة، فكان حوار شامل حول مختلف التحديات.وترك اللقاء الذي شاركت فيه فاعليات شمالية وازنة أثرا طيبا لدى الجميع بحسب ما أشار المشاركون.

وفي بيروت شارك العلامة الخطيب في لقاء حواري في المركز الثقافي الاسلامي في رأس بيروت ،بحضور عدد من الشخصيات السياسية والفكرية ونواب بيروت، داعيا للتعاون بين المرجعيات الدينية والسياسية من أجل تعزيز الحوار ورافضًا مقولة الأقليات واستخدام السلاح في الصراعات الداخلية. كما كانت له كلمة مهمة في الاحتفال الذي أقامته الجمعية الخيرية العاملية في راس النبع بمناسبة مرورو مئة عام على تأسيسها ،حيث دعا الجميع لمواجهة ما يجري من استهداف للقيم الاخلاقية والدينية ومعالجة الأزمات التربوية والوصول الى تسوية شاملة للازمة السياسية. كما كانت له محطات حوارية في البقاع في مناطق مختلفة.

جلسة تقيمية

قبل أيام جرى لقاء تقييمي ضيق مع العلامة الخطيب للحراك الأخير مع عدد من الإعلاميين والمستشارين.كان اتفاق على إيجابية هذا التحرك،لكنه غير كاف ويُفترض أن يستكمل .. قيل كلام صريح ،بأن اللقاءات مع المكونات السنية والشيعية مفيدة،لكن التشنج الشيعي السني خفّ حضوره في ظل الاتفاق السعودي الإيراني.وعليه يجب دق أبواب المسيحيين،والذهاب إلى نخبهم الفكرية والاجتماعية والروحية والاستماع إلى هواجسهم..ومن هنا تم الاتفاق على تنظيم مجموعة من اللقاءات على غرارما حصل في طرابلس وبيروت والبقاع والجنوب،وتوسيع دائرة هذا الحراك في كل المناطق،بدءا بالبطريركية المارونية وانتهاء بقيادتي حركة أمل وحزب الله.

في الخلاصة يتضح  من وقائع الأمور أن الهواجس عامة وشاملة وأن كل المكونات اللبنانية خائفة،وأولها الطائفة الشيعية على الرغم من فائض القوة الذي تمتلكه.وواضح أن الخائفين لا يمكنهم أن يبنوا وطنا ،وأن دولة المواطنة المنشودة تتطلب أولا تبديد الهواجس ،وهو ما يسعى إليه العلامة الخطيب في هذه المرحلة مع نفر من المؤمنين بلبنان فعلا، وطنا واحدا موحدا لجميع أبنائه،وهؤلاء ليسوا أقلية على مساحة الوطن.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى