سياسةشرق أوسط

تركيا وسوريا: مِنْ ورطة العداء الى واقع المصالح المشتركة (جواد الهنداوي)

 

د. جواد الهنداوي*  – الحوارنيوز- خاص

                   

 لعّلَ الانتخابات التركية المقبلة خير فرصة ومناسبة للرئيس اوردغان لتبرير تحّوله تجاه سوريا مِنْ حالة الاعتداء والعداء الى حالة سلام وتعاون، ولكي يخرج من ورطة العداء الى واقع المصالح السياسية والامنية والاقتصادية المشتركة بين تركيا و سوريا.

بطبيعة الحال، عوامل اخرى، ذات بُعد عقائدي واستراتيجي، ساهمت في قرار الرئيس اوردغان بالاستعجال في مّد جسور التواصل، وعلى مستويات أمنية ودبلوماسية رفيعة مع حكومة سوريا.

فبعد لقاء واجتماع وزراء الدفاع، التركي والسوري والروسي، في موسكو، الاسبوع الماضي، سيشهد الاسبوع المقبل او الايام المقبلة اجتماعا آخر لوزراء الخارجية، وسيكون تمهيداً للقاء قمّة و برعاية ومشاركة روسيا.

فما هي تلك العوامل الاخرى؟

لم يخفْ الرئيس اوردغان مَلَله وسأمه من الامريكيين، وسياساتهم في المنطقة، وقد عبّرَ عن خيبة امله منهم ، في خطاباته وتصريحاته.لم يعُدْ يميّزهم هل هم حلفاء ام خصوم ام اعداء؟ يجمعهم الناتو  وتفرّقهم المصالح و الديانة و انعدام الثقة.

يجدُ الرئيس اوردغان اليوم أنَّ تركيا مُحاصرة جنوباً و شمالاً بالقوات وبالقواعد الامريكية والاوروبية، والتي تقّدم دعماً واسناداً عسكرياً لاعداء  ولخصوم تركيا : ففي شرق الفرات، في سوريا تدعم القوات الامريكية  الكُرد ( قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، او وحدات حماية الشعب الكردي )، والذين يسعّون الى تأسيس اقليم كردي انفصالي، على الشريط الحدودي السوري التركي ،  ويدعمون حزب العمال الكردي، الامر الذي تراه تركيا خطراً استراتيجياً على الامن القومي. وتصنّف تركيا القوات الكردية، المدعومة من امريكا و فرنسا والدول الغربية ، بتنظيمات ارهابية.

 تلاحظ وتراقب تركيا ايضاً ما يجري في شمالها الغربي ،على حدودها مع اليونان، مِنْ توسّع في عديد القوات و القواعد الامريكية ، لاسيما في المناطق المحاذية للحدود البرية التركية وفي جزر مختلفة في بحر ايجه وشرقي البحر الابيض المتوسط.

إعتبرت تركيا التوسّع الامريكي في جنوب وفي شمال غرب تركيا  والدعم الامريكي للتنظيمات الكرديّة، والموصوفة من قبل تركيا بالارهاب، خطراً أمنياً و استراتيجياً على تركيا، وقررت مواجهته؛ سياسياً بالسعي نحو اعادة العلاقات مع سوريا، من اجل تعاون مشترك و مصالح مشتركة، و السعي لانهاء تواجد القوات الامريكية في الشريط الحدودي السوري التركي ، قوات امريكية تسرق النفط السوري بالتعاون مع ” قسد ” وتدعم ” قسد ” عسكرياً بحجّة محاربة داعش! كما اتخذت تركيا، في شمالها، وعلى الصعيد العسكري، خطوات استراتيجية حيث زادت من عديد وعتاد القوات التركية المنتشرة في جمهورية شمال قبرص الشمالية، و اجراءات بانشاء قاعدة جويّة للمسيرات.

اخراج القوات الامريكية من سوريا هو هدف مشترك ويجمع تركيا وسوريا  وروسيا و ايران والعراق، ولكل مصالحه الاستراتيجية. المستفيدون من بقاء القوات الامريكية هم الكيان الاسرائيلي  والكرد الذين يطالبون بالانفصال وتأسيس اقليم كردي على الشريط الحدودي السوري التركي، والعملاء، وكذلك مُهربي النفط السوري، من شركات امريكية و قطاع طرق وعصابات .

عامل آخر، ذو بعد عقائدي ، ساهمَ في دفع الرئيس اوردغان لاستبدال حالة العداء والاعتداء على سوريا بحالة السلام والتعاون ، وهو فك الارتباط بين مصالح تركيا ومصالح حركات الاخوان المسلمين ، في تركيا وفي المنطقة .أدركَ الرئيس استحالة دعم  حركات وتنظيمات الاخوان ، والدفاع عنهم في المنطقة والحفاظ على مصالح تركيا العربية والاقليمية . وبرهن اوردغان عن جديته وحسن نيتّه في اتجاه ايقاف الدعم و الاسناد السياسي والمالي للحركة والتنظيمات الاخوانية بتطييب الاجواء مع مصر وارضائها حين طالب التنظيمات الاخوانية بالرحيل  واغلاق اذاعاتهم و قنواتهم الاعلامية.

 تسعى تركيا الآن لإيقاف دعمها واسنادها للجماعات الارهابية المسلحة كهيئة تحرير الشام ( جبهة النصرة سابقاً ) والمنتشرة في ادلب ، وقد استشعرت هذه التنظيمات بقرب نهاية أجلها ،فبدأت بتنظيم تظاهرات في ادلب وفي غيرها من المناطق التي لا تزال خارج سيطرة الجيش العربي السوري ، تنّدد بالتقارب التركي السوري .

يضع الرئيس اوردغان اليوم في كفتي ميزان الانتخابات المقبلة فئتيّن : اصوات العلويين والشيعة ، و تعدادهم لا يقل عن ١٠ مليون نسمة ، وبعض التقديرات تعدهم ب ٢٠ مليون نسمة ، وهم سياسياً يدافعون عن التقارب و التعاون مع سوريا ، وضّد الجماعات المسلحة الارهابية ، ولا يخفون ،في الوقت الحاضر دعمهم للدولة السورية في حربها ضدً الارهاب ، وفي الكفة الاخرى التنظيمات الاخوانية ، وبعضها متعاطف و داعم لجبهة النصرة وبعض الجماعات المسلحّة الاخرى ، هذا الوضع يضع الرئيس اوردغان في حيرة من امرهِ فلا هو قادر على المضي قدماً في ايقاف دعمه للجماعات المسلحة في ادلب او التضييق عليها وجودياً و سياسياً و عسكرياً ، خشيّة خسارة الاصوات الداعمة لهم او الاصوات الاخوانية ، ولا هو مستعد للتضحية بأصوات العلويين و الشيعة و الاحزاب اليسارية ، والتي تدعم التعاون مع سوريا و احترام سيادة اراضيها .

 موعد التعاون التركي السوري قريب ، وقريب جداً ،وسيخدم مصالح استراتيجية لكلا البلديّن ،وسيمثّل هذا التعاون نجاحا سياسيا و دبلوماسيا لروسيا ولايران ، وسيمهّد الطريق نحو اعادة العلاقات القطرية السورية .

ستكون سوريا مُلتقى ومركز تعاون روسي ايراني تركي ، وستكون لها علاقات ليست فقط استراتيجية وانما مصيرية مع هذا الثلاثي ( روسيا وايران وتركيا ) ، وستتميّز عن العراق مثلاً بتحررها من الاملاءات والعلاقات الامريكية ،علاقات مشوبه بالحذر وبانعدام الثقة ،سواء كنت حليفاً او صديقاً او خصماً او عدواً . ستتميّز سوريا عن غيرها من الدول ، ايضاً بعلاقات استراتيجية ومصيرية ،و مبنيّة على الثقة مع دول اقليمية فاعلة ومؤثرة في المنطقة و في العالم . ستعزّز  سوريا دورها الفاعل في محور المقاومة ضّدَ اسرائيل ، وما يساعد تنمية هذا الدور هو الوعي والادراك العربي و الاقليمي والدولي بالمخططات الصهيونية و الامبريالية و الرجعيّة ضًد الدول وشعوبها بذريعة الديمقراطية و الحرية و حقوق الانسان.

*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل

  

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى