إقتصادالعالم العربي

بين امكان وعدم امكان تنفيذ الاتفاق الايراني السعودي (عماد عكوش)

 

بقلم د.عماد عكوش – الحوار نيوز

بشكل مفاجئ وقعت المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية اتفاقا لتنظيم الخلاف بينهما أولا، والانطلاق منه الى معالجة كل نقاط الخلاف ما بينهما، بدءا من معالجة النقاط الامنية العالقة بينهما وصولا الى الملفات الأساسية، ولا سيما الملف اليمني ، ملف العراق ، ملف سوريا ، ملف البحرين ، والملف اللبناني . ويبقى الملف اليمني هو الملف الاساسي الذي يمكن ان يسهّل معالجة بقية الملفات نظرا الى أهميته بالنسبة للمملكة العربية السعودية، وكون اليمن هو الحديقة الخلفية للمملكة ، وبدون معالجة هذا الملف لن يستطيع محمد بن سلمان تحقيق رؤيته 20-30 بسبب الكلفة الاقتصادية التي ترتبها الحرب اليمنية على الاقتصاد السعودي .

عندما شنّت السعودية حربها على اليمن قبل 7 أعوام ، كانت تعتقد  أنّ الأمر سيكون معركةً خاطفة لن تستغرق سوى بضعة أشهر. لكن حساباتها كانت خاطئة وتم استنزافها مالياً ، وتكبّدت خسائر اقتصادية باهظة ، وهي اليوم تتحمل بصورة أساسية ، تكاليف هذه الحرب ، كونها تقود التحالف ، ولاسيما مع تقليص الإمارات مشاركتها العسكرية قبل ثلاثة أعوام .

على الرغم من تكتّم المملكة العربية السعودية على خسائرها الاقتصادية خلال الأعوام الماضية في حربها على اليمن ، فإنّ هناك عدداً من التقديرات ، التي تنشرها مراكز الأبحاث المتخصصة ، تشير إلى حجم هذه الخسائر. فمن حيث مستوى الإنفاق المالي على الحرب ، قدَّرت مجلة “التايمز” البريطانية سابقاً تكلفة الحرب على دول التحالف بنحو 200 مليون دولار يومياً ، أي 72 مليار دولار سنوياً ، بينما تقدّر مصادر أخرى التكلفة بمبالغ أكبر بكثير.

 فوفقاً لتقديرات “فورين بوليسي”، بلغت تكلفة الحرب التي تكبّدتها السعودية في الأشهر الستة الأولى فقط ، والمتعلقة بالصفقات العسكرية ، نحو 725 مليار دولار ، والمملكة العربية السعودية تكبدت أكثر من ثمانين بالمئة منها ، وقد لجأت إلى السحب من أصولها الخارجية ، بحيث تراجعت قيمة الأصول الخارجية من 732.3 مليار دولار في عام 2014 الى  496.5 مليار دولار في عام 2017 .

إن الحرب على اليمن بالتأكيد كان لها وقع سيء على خطة ولي العهد محمد بن سلمان ، وبالتأكيد تأخرت هذه الخطة نتيجة لتراكم الخسائر ونتيجة لتضخم الدين العام السعودي ، وبالتالي كان من الضروري العمل على وقف هذه الحرب أذا أراد ولي العهد الاستمرار في تنفيذ هذه الرؤية ، فما هي هذه الخطة وما هي أهم بنودها ؟

رؤية السعودية 20-30 هي خطة ما بعد النفط للمملكة العربية السعودية ، تم الإعلان عنها في 25 نيسان/أبريل 2016، وتتزامن مع التاريخ المحدد لإعلان الانتهاء من تسليم 80 مشروعا حكوميا عملاقا، تبلغ كلفة الواحد منها ما لا يقل عن 3.7 مليار ريال وتصل إلى 20 مليار ريال، كما في مشروع مترو الرياض. ونظَّمَ الخُطَّة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة الأمير محمد بن سلمان حيث عرضت على مجلس الوزراء برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لاعتمادها.[1]

في 7 يونيو 2016 وافق مجلس الوزراء السعودي على برنامج التحول الوطني،وهو أحد برامج رؤية المملكة 20-30 .

ركزت المملكة العربية السعودية في خطتها الطموحة على عدة نقاط:

  •      صندوق سيادي: ستعمل المملكة على تحويل صندوق الاستثمارات العامة السعودي إلى صندوق سيادي بأصول تقدر قيمتها بتريليوني دولار إلى 2.5 تريليون دولار ليصبح بذلك أضخم الصناديق السيادية عالميا.
  •      التحرر من النفط:  تهدف الخطة إلى زيادة الإيرادات غير النفطية ستة أضعاف من نحو 43.5 مليار دولار سنويا إلى 267 مليار دولار سنويا، كما تهدف إلى زيادة حصة الصادرات غير النفطية من 16% من الناتج المحلي حاليا إلى 50% من الناتج.
  •      طرح أرامكو بالبورصة: ستطرح السعودية أقل من 5% من شركة النفط الوطنية العملاقة أرامكو للاكتتاب العام في البورصة، وستخصص عائدات الطرح لتمويل الصندوق السيادي السعودي، وأن أرامكو جزء من المفاتيح الرئيسية للرؤية الاقتصادية.
  •      البطاقة الخضراء: أعلن ولي العهد السعودي آنذاك محمد بن سلمان أن السعودية ستطبق نظام البطاقة الخضراء خلال خمس سنوات من أجل تحسين مناخ الاستثمار، وأن النظام سيمكن العرب والمسلمين من العيش طويلا في السعودية،وأن المملكة ستفتح السياحة أمام جميع الجنسيات بما يتوافق مع قيم ومعتقدات البلاد.
  •      ثلاثون مليون معتمر: تخطط السعودية لزيادة عدد المعتمرين سنويا من ثمانية ملايين إلى ثلاثين مليونا بحلول عام 2030.
  •      التوظيف والقطاع الخاص: تهدف الخطة إلى زيادة مشاركة النساء في سوق العمل من 22% إلى 30%، وخفض نسبة البطالة بين السعوديين من 11.6% إلى 7%، وتسعى المملكة إلى زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي من 3.8% حاليا إلى 5.7%
  •      صناعة عسكرية: السعودية بصدد إنشاء شركة قابضة للصناعات العسكرية مملوكة بالكامل للحكومة، تطرح لاحقا في السوق السعودي، ومن المتوقع أن تطلق في أواخر 2017.
  •      الإسكان والمشروعات: ستعمل الحكومة السعودية على إعادة هيكلة قطاع الإسكان للمساهمة في رفع نسب تملك السعوديين.
  •      مكافحة الفساد: تقضي الخطة بتعزيز مكافحة الفساد.
  •      منح الجنسية للمبدعين : في أطار تحقيق المزيد من التقدم والرقي ستعمل المملكة على منح الجنسية للمبدعين في مهنهم وعلمهم .

تحقيق هذه البنود من رؤية 20-30 هي شبه مستحيلة مع استمرار حرب اليمن، لذلك كان لا بد لولي العهد من تقييم هذا الواقع وأعادة التفكير بمنطق جديد ووضع خطوات جديدة لتحقيق الاهداف ، كما ان تحول الطلب الكبير المتوقع على الطاقة من أوروبا والولايات المتحدة الاميركية الى الصين والهند في المستقبل، يفرض على المملكة وهي المصدر الاساسي لصادرات الطاقة ان تؤمن بوابات العبور لهذه الصادرات والبوابات الرئيسية هي باب المندب ، ومضيق هرمز .

من هذا المنطلق كان الاتفاق السعودي الايراني ، لكن هل يملك الطرفان حرية توقيع هذا الاتفاق والمضي به نحو التنفيذ الكامل ، أم يبقى هذا الاتفاق هدنة مؤقتة بانتظار تغير الظروف نحو حل أشمل ؟

ما جرى من طلب لشركة طيران الرياض السعودية، وما أعلنته الشركة، الناقل الجوي الوطني الجديد الذي أطلقه صندوق الاستثمارات العامة السعودي، عن أول طلباته لأسطول الطائرات عبر شراء 72 طائرة Boeing دريملاينر من طراز 787-9، وشملت الصفقة 39 طائرة مؤكدة، مع احتمالية شراء 33 طائرة إضافية ذات البدن العريض ، يؤكد ان المملكة اليوم تحاول ان تعمل على خطين متوازيين،ما يمنع الاصطفاف الكامل في اي جهة، ولا يقطع العلاقة مع اي جهة ولا تعطي لأي جهة حجة لمواجهتها بشكل مباشر، وهي بالتالي تحافظ على علاقاتها الجيدة مع الولايات المتحدة الاميركية ولا تستفزها بشكل كامل، وفي نفس الوقت تسعى الى تحقيق مصالحها الكاملة . لكن هل تنجح في هذه السياسة من ناحية ، وهل تقبل الولايات المتحدة الاميركية بهذه السياسة الجديدة للمملكة من جهة أخرى فلا تسعى الى تخريب هذا الجهد أو قلب الطاولة على ولي العهد السعودي ؟

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى