إقتصاد

بيان كهرباء لبنان حول التعرفة: تلاعب في الصياغة وإنكار لمخالفاتها الفادحة!(غسان بيضون)

 

كتب غسان بيضون – خاص الحوار نيوز

ليس غريباً أو جديداً على من له خبرة في التعامل مع قرارات كهرباء لبنان، بصياغاتها الملتبسة، أن يقرأ ما بين سطور بيانها الأخير حول التعرفة، فيكتشف الفرق بين قرار مجلس الإدارة الأساسي رقم 420 – 26/ 2022، تاريخ 3/11/ 2022، في موضوع رفع التعرفة بمخالفاته العديدة والفادحة للقوانين والأنظمة الخاصة بالمؤسسة، ويفهم خلفية التلاعب في صياغة القرار الجديد والبيان الأخير للمؤسسة، تحت عنوان تعديل “بعض القيم في احتساب التعرفة وبدلات ورسوم الفاتورة الكهربائية” ،اعتباراً من إصدار شهر أيار 2023، حيث استخدمت عبارة “يحسم بدل التأهيل” بدلاً من إلغاء هذا البدل صراحةً لمخالفته لقانون إنشاء مصلحة كهرباء لبنان ولنظام استثمارها، وأبدت فيه  “أن هذا التعديل على الرسوم والبدلات في الفاتورة الكهربائية يأتي مراعاةً للظروف المعيشية الصعبة للفئات من المواطنين ذوي الدخل المحدود، وتشجيعاً للقطاعات المنتجة في البلد حيث يستفيد منه ذوو الدخل المتوسط والمتدني (مشتركو 15 و 20 أمبير) …، والمشتركون من القطاعات الإنتاجية على التوتر المتوسط …”

 بهذه الصياغة جهدت كهرباء لبنان لإخفاء الحقيقة وعدم تراجعها عن المخالفات الجوهرية العديدة المرتكبة في قرار زيادة التعرفة الأساسي المذكور، وعلى رأسها:

  • مخالفه المادة ٥٧ من نظام مجلس شورى الدولة، التي توجب عرض هذه الفئة من القرارات التنظيمية عليه لأخذ موافقته قبل إقرارها بصيغتها النهائية؛
  • بناؤه على خطة طوارئ وقرارات لمجلس الوزراء ووزير الطاقة والمياه؛
  • تحديد التعرفة بصورة اعتباطية دون تبرير، ودون التقيد بالأصول المحددة في قانون إنشاء المؤسسة، وبأحكام المرسوم رقم ٣٣٩٨/١٩٦٥، المتعلق بأصول تنظيم وتصديق موازنات المصالح المستقلة ويوجب تبرير اعتمادات النفقات اللازمة لتأمين التوازن المالي للمؤسسة، المرتبط بموازنتها.
  • عدم قانونية بدل التأهيل، المحتسب ضمن ثمن الكيلوات، والذي اتخذ طابع “الخوّة” الثابتة، لتوجّبه بمعزل عن توفير التغذية وعن استهلاك المشترك أو عدمه، حيث لفتنا النظر إلى وجوب التمييز بين تعديل مكونات التعرفة، كإضافة هذا البدل على ثمن المقطوعية وبين تعديل قيمة هذه المكونات المجاز قانوناً، شرط احترام الأصول التي ترعى هذا النوع من التعديلات.
  • عدم وجود مبرر للعشرين بالمئة المضافة على سعر صرف المنصة، التي كان طلبها مصرف لبنان لتغطية الفرق بين صيرفة وسعر صرف السوق، ثم تراجع عن عرضه، وأدت إضافتها إلى تجاوز دولار الكهرباء سعر صرف السوق السوداء.
  • تسعير سلعة الكهرباء بالدولار الأميركي، وعلى أساس سعر الصرف المتحرك بتاريخ إصدار الفواتير وليس بتاريخ الاستهلاك الفعلي أو قبله، بحيث يؤدي ذلك إلى وضع المستهلك أمام استحالة معرفة سعرها عند الاستهلاك، ليقرر مستوى هذا الاستهلاك، ويبقيه ضمن سقف قدرته الاقتصادية.

 

وبدلاً من تضمين القرار التعديلي للتعرفة وبيان كهرباء لبنان المبني عليه، “إلغاء بدل التأهيل” غير القانوني من أصله، بشكل مباشر وصريح، فقد استخدمت عبارة “يحسـم بدل التأهيل لكافة الاشتراكات…”، ليبدو وكأن هذا البدل ما زال قائماً، وإنما بقيمة صفر. وكذلك، بدلاً من إلغاء نسبة الـ 20 % التي كان أضافها قرار رفع التعرفة الأساسي على سعر المنصة، فقد تجنب قرار التعديل الإلغاء الصريح لهذه النسبة فاستخدم عبارة “على أن تحتسب هذه التعرفة والرسوم والبدلات بالليرة اللبنانية بحسب سعر الصرف د.أ / ل.ل الذي يحدده مصرف لبنان، مبقيةً عبارة “البـدلات” التي لا تعني سوى بدل التأهيل غير القانوني؛

 

وبعد الإشارة إلى أن مفعول إلغاء بدل التأهيل والعشرين بالمئة يفترض أن يرجع إلى الإصدارات السابقة الصادرة عن شهر تشرين الثاني 2022 وما تلاه، ويستوجب ردّ قيمة هذين العنصرين من الفواتير والمبالغ المستوفاة تحت هاتين التسميتين، مضافاً إليها قيمة الضريبة على القيمة المضافة إلى مجموعهما بنسبة 11%، لعدم توجّبها قانوناً، والتي دفعها المشترك “الآدمي” من باب “الغصب” و”البلص” و”السلبطة” و”الخوّة” والإذعان، تحت ضغط التهديد بقطع التيار عنه؛

 وبعد التذكير باتفاقية تبادل النفط العراقي التي تنص على توفير بغداد نفطا للبنان مقابل تقديم بيروت خدمات طبية واستشفائية للعراق، وتم إقرارها بموجب القانون رقم 246/ 2021، الذي يوجب فتح حساب في مصرف لبنان لصالح البنك المركزي العراقي، تقيّد فيه لصالح العراق قيمة المستندات المتوجبة نتيجة تطبيق الاتفاقية، وتدفع منه قيمة السلع والخدمات التي تقدمها جهات لبنانية لصالح الوزارات المؤسسات العراقية وتحويله إلى وديعة مصرفية لمدة سنة تجدد تلقائياً باتفاق الطرفين، نسأل عن قيمة ومصير الأموال المحصلة فعلياً من جباية الفواتير المحتسبة على التعرفة الجديدة، وعن نسبة الهدر التقني وغير التقني العائد لتلك الفترة وعن مصير التوازن المالي الذي وعدت المؤسسة بتحقيقه من رفع التعرفة، وعن انعكاس ذلك على تقديرات موازنة المؤسسة للعام 2024، التي يبدو أنها لم تصدر بعد؛

يبقى أن نتساءل عن خلفية استخدام عبارة “تعديل بعض القيم في الفاتورة الكهربائية” في موضوع قرار تعديل التعرفة، وكتاب طلب الرأي من مجلس الشورى حوله، وعن خلفية استخدام عبارة “يحسم بدل التأهيل لكافة الاشتراكات ” بدلاً من “إلغاء بدل التأهيل” لعدم قانونيته، أهي من باب سوء النية بغاية إبقاء بدل التأهيل قائماً لإعادة إحيائه ذات يوم لتغطية المزيد من الهدر والفساد في المؤسسة، وهل أن هذا التفاوت في التعبير هو من باب المناورة والحنكة والدهاء، أم من باب المكابرة لعدم الاعتراف بالأخطاء والمخالفات الجسيمة المرتكبة في أصل قرار رفع التعرفة؟!

* مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه ومحلل سياسات الشراكة مع القطاع الخاص في المعهد اللبناني لدراسات السوق LIMS

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى