كتب أكرم بزي
“الحب في زمن الكوليرا” للكاتب الرائع غابرييل غارسيا ماركيز (وبالإذن منه ومن محبيه) الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1982، يروي قصة حب منذ المراهقة، وحتى ما بعد بلوغهما السبعين، وتلحظ القصة تقريباً كل ما تغير من حول العاشقين طيلة هذه الفترة، من حروب أهلية وتطورات التكنولوجيا وتأثيرها في المجتمع الكاريبي، وعلى نهر “مجدولينا” في الفترة من أواخر القرن التاسع عشر حتى العقود الأولى من القرن العشرين. كما أنها تصف الأحوال في هذه المنطقة كالأحوال الاقتصادية والأدبية والديموغرافية دون التأثير على انتطام الأحداث وسيرها.
المهم أن بطل القصة لا يكل ولا يمل حتى يظفر بحبيبته، وتدور أحداث الرواية الأخيرة في سفينة نهرية حيث يدعو (فلورنتينو اريثا) حبيبته لرحلة نهرية على سفينة تمتلكها شركته فتوافق، وهناك يقترب منها أكثر وتدرك بأنها تحبه رغم شعورها بأن عمرها (70 عامًا) لا يصلح للحب، ولكن هذا ما كان يمنعها من الاستمرار بالأمل والسعي لراحتها فيتخلص من المسافرين الآخرين بخدعة أن السفينة عليها وباء الكوليرا لكي لا تنتهي الرحلة ويكون الفراق ويثبت أنها خدعة غير موفقة مع الحجر الصحي وتدخل السلطات..
تنتهي الرواية والسفينة تعبر النهر ذهابا وجيئة رافعة علم الوباء الأصفر دون أن ترسو إلا للتزود بوقود فيما تضم عش الحبيبين الذين لا يباليان بكبر عمرها ويقرران أنهما الآن في مرحلة أفضل لوصول مرحلة ما وراء الحب وهي الحب لذات الحب. تنتهي الرواية والسفينة تعبر النهر ذهابا وجيئة رافعة علم الوباء الأصفر دون أن ترسو إلا للتزود بوقود فيما تضم عش الحبيبين اللذين لا يباليان بكبر عمرها ويقرران أنهما الآن في مرحلة أفضل لوصول مرحلة ما وراء الحب وهي الحب لذات الحب.
لعله من سخرية القدر أن نكتب في زمان تكاثرت فيها الأوبئة والأمراض، واللقاحات، والمناعة، والبعد عما يصيبك بالعدوى، فبالإضافة إلى “وباء كورونا ومتحوراته التي لا نهاية لها على ما يبدو”، بدأ تفشي مرض الكوليرا، وكأنه ينقص اللبنانيين والمقيمين فيه مجموعة أوبئة فتاكة أكثر من وباء السياسيين الذين أمعنوا فتكاً وامتصاصاً لدماء اللبنانيين ومن طالت أيديهم من المستثمرين والمقيمين الفلسطينيين والسوريين.
يطالعنا من حين إلى حين مجموعة سياسيين وإعلاميين وغيرهم ممن تزخر بهم المنصات على أنواعها، منهم من يريد أن يحرر لبنان من الاحتلال الإيراني، ومنهم من يريد أن يخوّنوا من قاموا بعملية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان المؤقت، ومنهم من يريد أن يأتي برئيس “تحدٍ” للجمهورية، ومنهم من يريده لا لون ولا طعم ولا رائحة، ومنهم من يريد أن يأتي برئيس ترضى عنه دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية، ولا مانع لديه من التطبيع مع الكيان المؤقت و… و…
في زمن الأوبئة هذا يبدو أن تعقيم الدماغ أكثر ضرورة وإلحاحاً من تعقيم الأبدان… وما دفعني لقول هذا أن هناك من يعتقد أنه بثوريته وشعاراته قد يخترق حجب “الإله”، … عزيزي انتفض على ذاتك واعرف ماذا تريد وماذا يريدون منك، ولا تكون مطيةً لمن يريد أن يتسلق على أكتافك للوصول إلى ما عجز عنه إليه بنفسه…
لم يستطيعوا بأدواتهم الداخلية من النيل من مقاومتك ويريدون لنا أن نكون خانعين خاضعين لمآربهم ولتنفيذ سياستهم وأجنداتهم التي تناسب الكيان الصهيوني أكثر مما تتناسب مع وطنك… فجروا المرفأ وقتلوا ما قتلوا منذ ما قبل عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاه من عمليات تصفية وقتل وتفجير وانتهاءاً بمجزرة الطيونة التي راح ضحيتها 7 شهداء، قامت بها مجموعة كانت تتمترس بالقناصات على السطوح، “بحسب اعترافات موقوفين، مدعّمة بـ”أدلة تقنية”، ثبت لدى المحققين أنّ مسؤول الأمن في معراب، سيمون مسلّم، استطلع المنطقة في عين الرمانة والطيونة في الليلة التي سبقت نهار التظاهرة، وبقي في المنطقة يوم الخميس، وغادرها بعد وقوع المجزرة. كذلك اعترف عدد من الموقوفين بأنهم استُقدِموا من معراب تحديداً في الليلة السابقة، مشيرين إلى أنّ عشرات عناصر القوات انتشروا في عدد من الشوارع الداخلية للمنطقة حاملين أسلحة رشاشة مخبّأة داخل حقائب سوداء، وأن مسلّم كان يُشرف عليهم. كما ثبت لدى المحققين أنّ القوات استقدمت شباناً بعتادهم العسكري ليبيتوا في مواقع محددة في الأشرفية وعين الرمانة”(، (رضوان مرتضى).
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، وبمناسبة القداس الذي أقيم على راحة داني شمعون وعائلته بأكملها منذ 4 أيام في منطقة الحدث، نعود لما تم نشره في الموقع الإلكتروني الرسمي للمحكمة الدولية في مكتبته القانونية ثلاثة نصوص لأحكام صادرة عن المجلس العدلي اللبناني أضيفت الى اللائحة الموجودة أساساً، في مقدمتها حكم صادر عن المجلس العدلي في 24 حزيران 1995 في “دعوى مقتل المهندس داني شمعون وزوجته انغريد ايليا عبد النور وولديه طارق وجوليان”. وأن الحكم المذكور آنفاً قضى “بتجريم المتهمين سمير فريد جعجع وقواتيين آخرين، بالجناية المنصوص والمعاقب عليها في المادة 549، وبإنزال عقوبة الإعدام بكل منهم، وبخفض هذه العقوبة تخفيفاً الى الأشغال الشاقة المؤبدة، لجهة اقدامهم على التحريض على قتل المغدور داني شمعون”.
أما القرار الثاني، فهو صادر عن المجلس العدلي في 9 أيار 1997 في دعوى محاولة اغتيال الوزير ميشال المر، وفيه تجريم المتهم سمير فريد جعجع بالجنايات المنصوص عليها في المادة 549 من قانون العقوبات وإنزال عقوبة الإعدام به لكل من الجنايات وخفضها، تخفيفاً، إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.
وفي ما يتعلق بالحكم الثالث المنشور على الموقع عينه، فهو صادر عن المجلس العدلي في 25 حزيران 1999 في “دعوى اغتيال الرئيس رشيد كرامي وينصّ على أن الجهة المدّعى عليها هي سمير جعجع ورفاقه”.
وفي تفاصيل الحكم، إتهام لجعجع قضى بتجريمه بالجناية المنصوص عليها في المادة 549 من قانون العقوبات معطوفة على المادتين 217 و218 بفعل التحريض على اغتيال الرئيس رشيد كرامي، وإنزال عقوبة الإعدام به، وخفضها الى الأشغال الشاقة المؤبدة. والحكم صدر عن محكمة برئاسة القاضي منير حنين وعضوية القضاة غسان أبو علوان وحسين زين وأحمد المعلم ورالف رياشي.
هذا غيض من فيض، فهؤلاء المأجورون، لا يأبهون للناس ولا لكرامات الناس ولا حتى لأديرتهم وكنائسهم ودور العبادة على أنواعها، إلا بما يخدم مصالحهم الشخصية، يشاركون بالمؤامرة تلو المؤامرة، تارة بالقتل المتعمد وتارة بافتعال المشاكل والحروب المتنقلة من مكان إلى آخر، ويساهمون بعملية تجويع المواطنين إن كان عبر كارتيلاتهم الاقتصادية التي لا حصر لها برفع الأسعار وخاصة أسعار الأدوية والمواد الغذائية، وتارة المشتقات النفطية (المازوت والبنزين والغاز)، وتارة أخرى عبر نهب أموال المودعين في المصارف والتي يبدو أنها تدار بأوامر حاكم البنك المركزي والسفارات الأجنبية والعربية المتواطئة على لبنان.
والآن وبعد تفشي الكوليرا، في منطقة الشمال وانتقاله رويداً رويداً على مناطق أخرى، كان ينقص على اللبنانيين هذا المرض، إضافة إلى الأمراض التي لا حصر لها، والتي أصابت المجتمع اللبناني من شماله إلى جنوبه جراء الملوثات البيئية، وما يرمى قصداُ أو عن غير قصد من المضطلعين بعملية قتل الشعب اللبناني والمقيمين فيه.
في زمن الكوليرا هذا، وبما أن “من الحب ما قتل”، فهؤلاء، المذكورون أدناه لا يكلون ولا يملون من هزائمهم، إلا أن لا وسيلة لهم للعيش والإرتزاق إلا عمالتهم، ويبدو أن لا خلاص لنا من هؤلاء، (مدعوو السيادة والحرية والاستقلال وبعض التغييريين وعملاء السفارات، وبعض اليسار المتلونين المحبطين الذين ضيعوا بوصلتهم)، إلا بوضعهم داخل سفينة كبيرة الحجم تتسع لهم، ولمن يريد اللحاق بهم، من إعلاميين وسياسيين وناشطين من “الأنجيؤوز” وغيرهم من المنبهرين بالـ “اليو أس أيد”، شرط أن يكون وباء الكوليرا دخل معهم، مع عشاقهم من أصحاب الدولارات الخليجية والأميركية وغيرها، وإبحارهم في بحر من بحور الأطلسي، ووضع علم يرفرف على ناصيتها عليها شعار، “عشاق الدولار في زمن الكوليرا”، بدل من الحب في زمن الكوليرا، علنا نستريح منهم إذا بقينا على قيد الحياة.