دراسةسياسة

الجذور الدينية للصهيونية المسيحية -2(مصطفى سكري)

 

مصطفى سكري* – الحوارنيوز

الحلقة الثانية (2من5)

تم التأكيد في الحلقة الأولى على عدم صحة المرويات التوراتية – التي اتبعتها الصهونية المسيحية – كدليل تاريخي ذا مصداقية علمية ، بل تعتبر تبريرا لرؤية أيديولوجية سياسية إستعمارية ، وأن جذور الصهيونية المسيحية تعود إلى حركة دينية مسيحية أصولية من الطائفة البروتستانتية الكالفينية التي كانت بداية لظهور الأثر اليهودي الذي اعتمدته الكنيسة الإنجيلية ، وذلك قبل اليهود أنفسهم.
وكان قيام جمهورية هولندا في القرن السابع عشر على أساسي المبادئ البروتستانتية الكالفينية بمثابة إنطلاقة الحركة الصهيونية المسيحية في أوربا تمثلت في ظهور حركات وجمعيات وأحزاب وكنائس عملت على تمكين اليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين. من أبرز هذه الحركات الحركة البورتيانية ( الطهورية) بزعامة البريطاني أوليفر كرومويل التي دعت إلى توطين اليهود في فلسطين.

كما دعا كرومويل إلى عقد مؤتمر لإقرار التشريعات اللازمة لعودة اليهود إلى بريطانيا ، وإلغاء قانون النفي لليهود الذي أصدره الملك إدوارد في عام 1807 ، وقام بإنشاء ( جمعية لندن لتعزيز المسيحية بين اليهود) كأول جمعية صهيونية منظمة ، وكان اللورد أنتوني كوبر أهم دعاماتها ، حيث رفع لأول مرة شعار ” وطن بلا شعب ، لشعب بلا وطن ) .

وفي القرن الثامن عشر وتطويرا لدعوة كرومويل سادت لدى المسيحية البروتستانتية الانجيلية بصفة خاصة نظرية تقول بعودة يسوع المخلص إلى عالمنا لتخليصه من الشرور حينما تتحقق الشروط التالية:
* قيام دولة إسرائيل في فلسطين .
* نجاح إسرائيل في إحتلال أرض التوراة كاملة ( من النيل إلى الفرات ) .
* إعادة بناء الهيكل الثالث على أنقاض قبة الصخرة والمسجد الأقصى.
* وقوع معركة وادي ( هرمجدّون ) ضد اليهود بهدف هدايتهم وعودتهم إلى المسيحية.
وعلى أساس هذه النظرية تبلورت الأسس الدينية ( للصهيونية المسيحية ) (1) خلافا للاهوت البروتستاني الليبرالي الذي كرسه الفيلسوف الألماني فريدريك شلايرماخر الداعي إلى وضع الكتاب المقدس على محك الاختبار الفلسفي ، ووجوب انصياعه إلى شروط المعرفة الأكاديمية العلمية النقدية ، ورفض تكريس انتماء العهد الجديد إلى العهد القديم.
لقد ضربت الصهيونية المسيحية باللاهوت البروتستانتي الليبرالي عرض الحائط متمسكة بحرفية الكتاب المقدس ، معتقدة أن قيام دولة إسرائيل هو ضرورة حتمية لأنها تتمم نبؤات الكتاب المقدس بعديه القديم والجديد.
ففي العهد القديم جاء – حسب زعمهم – وعد الله لإبراهيم : ” لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير ، نهر الفرات ” ( سفر التكوين ، ( 15: 18) … ” و أعطي لك ولنسلك من بعدك ، أرض غربتك ، كل أرض كنعان ملكا أبديا ، وأكون إلههم ” , ( سفر التكوين 17: 8 ) .
وفي العهد الجديد جاء في سفر رؤيا يوحنا ( 20 : 3 – 6 ) : أن المسيح سيعود إلى عالمنا ثانية ليحكم ( مملكة الألف عام ) شريطة قيام دولة إسرائيل على الأرض الموعودة في فلسطين.
كما جاء في سفر رؤيا يوحنا ( 16: 16) : ” وجمعت الأرواح الشيطانية جيوش العالم كلها في مكان يسمى هرمجدّون ” .
إضافة لذلك فإن الصهيونية المسيحية اعتبرت سفر رؤيا دانيال وسفر رؤيا حزقيال عن مجيء المسيح وبعث اليهود في العهد القديم ، هو اعتقاد تكميلي لرؤيا يوحنا في العهد الجديد. حيث ينبيء السفران اليهود بالتكفير عن خطاياهم والعودة إلى أورشليم. ورغم ذلك فإن بعض الحاخامية اليهودية يعارضون الرؤية المسيحية الصهيونية من الناحية الدينية ، إذ يحرم على اليهودي أن يعود إلى صهيون ( فلسطين ) , حتى يأذن الرب بذلك ، وأية محاولة للعودة هي بمنزلة هرطقة والتعجيل بالنهاية ، لذلك فهم يعتبرون أن الصهيونية تعني الإيمان بعقيدة سياسية وليست دينية .
تقول ريحينا الشريف في كتابها ” الصهيونية غير اليهودية ، جذورها في التاريخ الغربي . ص 622 ” : ” إن حركة الإصلاح الديني البروتستانتي بإتاحتها الفرصة لنهضة اليهود القومية ، ودعوتهم الجماعية إلى فلسطين ، هي التي ابتدأت سجلا جديدا للصهيونية غير اليهودية ” .
وعلى النقيض من الصهيونية المسيحية تأثر اليهود الأوربيون بعصر الأنوار الأوربي وثورة الأفكار الفلسفية وبفكرة المواطنة التي لا يحددها الدين ، وكان موشيه مندلسون هو أب الأنوار اليهودية ( حركة الهاسكالاه ) حيث دعا فيها إلى تحرير اليهود وخروجهم من الغيتيوات المنحصرين فيها ، وإلى ( الاندماج ) والانصهار في المجتمعات الأوربية ، ولكن دعوته قد انحسرت ولم يتحقق لها النجاح لعدة أسباب من أهمها :
* نشوء الحركات القومية الأوربية التي ترفض اندماج الأقليات ، وخاصة اليهودية ، فيها.
* نشوء الحركة الصهيونية اليهودية كبديل عن الاندماج والانصهار مقترحة الخروج من أوربا وتجميع الغيتوات اليهودية في غيتو واحد في أي بلد من العالم.

وتجدر الإشارة إلى أن من أهم الأسباب التي أقنعت تيودور هرتزل بخروج اليهود من أوربا وعدم اندماجهم في المجتمع الأوربي حضوره ، كصحفي ، محاكمة ألفريد ديفوس النقيب في الجيش الفرنسي واليهودي الديانة الذي أتهم بالتجسس لصالح ألمانيا ، ثم ثبتت براءته ولكن محكمة النقض اتهمته زورا لأنه يهودي ، مما أثر على أفكار هرتزل وصمم على قيام الحركة الصهيونية .

( 1 ) – هناك عدة أسماء اصطلاحية للمسيحية الصهيونية ، هي : ( المسيحية الأصولية ، التدبيرية ، الحركة الألفية ، والمسيحية الإنجيلية المتشددة ) .

مصادر البحث
———————-
1- الصهيونية والحضارة والغربية – د. عبد الوهاب المسيري.
2- الصهيونية المسيحية – د.محمد السماك.
3- البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي – الصهيوني . د. يوسف الحسن.
4- الصهيونية المسيحية خارطة الطريق إلى هرمجدون ? ستيفن سايرز – ترجمة نقولا أبو مراد.
5- الصهيونية غير اليهودية ، جذورها في التاريخ الغربي. ريجينا الشريف. ترجمة : أحمد عبد الله عبد العزيز.
* باحث – سورية

( يتبع في الحلقة الثالثة)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى