انتخابات 2022سياسةمحليات لبنانية

الاستحقاق الرئاسي:كل الرؤساء انتخبوا بنصاب الثلثين..وكل رؤساء المجالس اعتمدوا هذا النصاب(واصف عواضة)

كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز

ما يزال الجدل دائرا في الأوساط النيابية والسياسية حول نصاب جلسات انتخاب رئيس الجمهورية ،على الرغم من أن هذا الأمر محسوم ولا مجال للعب عليه.

لم يخترع رئيس مجلس النواب نبيه بري نصاب الثلثين لانتخاب رئيس الجمهورية في كل الدورات. فقد سبقه الى ذلك كل رؤساء المجالس السابقين ،من أحمد الأسعد وعادل عسيران وصبري حمادة وكامل الاسعد وحسين الحسيني،ولم يتم انتخاب اي من رؤساء الجمهورية بنصاب الاكثرية المطلقة. 

 والجدل القائم في هذا المجال يستند إلى منطوق المادة 49 من الدستور والإبهام الذي يعتريها، كلما لاحت انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان ،وهي تقول:

“ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي”.

بناء على هذا المضمون لا خلاف على أن رئيس الجمهورية ينتخب بنصاب الثلثين وبنفس الغالبية في دورة صندوق الاقتراع الأولى، ولا لبس في ذلك .يجب أن يحظى رئيس الجمهورية بأصوات ثلثي أعضاء المجلس في الدورة الأولى،ما يعني أن النصاب يجب أن يكون ثلثي الأعضاء وما فوق.ولكن ماذا عن دورة الصندوق الثانية؟

هنا يبرز الجدل كل مرة، ما يتطلب توضيحا وتعديلا لهذه المادة لحسم الجدل بصورة نهائية.لكن هذا الأمر محسوم لجهة السوابق التي اعتمدت مع انتخابات رئيس الدولة،إذ لم يسبق لرئيس جمهورية أن انتخب بنصاب أقل من الثلثين ،ولم يعتمد رؤساء المجالس النيابية نصابا أقل من ذلك ،وفي كل دورات الانتخاب.

الزميل نقولا ناصيف طرق هذا الموضوع قبل أيام في صحيفة “الأخبار”، معتمدا رأي وموقف عراب الطائف الرئيس حسين الحسيني الذي قال بوضوح: “حتماً نصاب الثلثين هو نصاب انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في كل الدورات. ثبات هذا النصاب ناجم عن الفقرة الاولى المحدثة في المادة 49 عندما تتحدث عن رئيس الجمهورية على انه رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يسهر على احترام الدستور، فلا يصح عندئذ انتخابه الا في حضور ثلثي مجلس النواب على الأقل “.
يضيف الرئيس الحسيني “ان المادة 49 الجديدة المعدلة لدى مناقشتها «لم تلقَ اي اعتراض” واول تطبيق لها كان في انتخابنا الرئيس رينه معوض، قبل ادماجنا اصلاحات وثيقة الوفاق الوطني في الدستور بعد سنة من اقرارها. انتخبنا الرئيس معوض عملاً بالمادة 49 الجديدة بفقرتها الاولى الناصة على الدور الجديد لرئيس الجمهورية على انه رئيس الدولة الذي يؤمن استمرارية الكيان والمحافظة على النظام. انتخب في ظل غالبية ثلثي المجلس حضوراً رغم تناقص عدد نوابه الى 73 نائباً وأصبح نصاب الثلثين آنذاك 49 نائباً. كذلك فعلنا في انتخاب الرئيس الياس هراوي. انتخاب الرئيس في حضور ثلثي المجلس هو المعبّر الفعلي عن الدور الجديد لرئيس الجمهورية ان يكون في موقع سامٍ يمكنه من رد اي فئة عن الاخلال بالدستور والقانون. لم نُرِد في المادة 49 انخراط رئيس الجمهورية في اي موقع سوى انه الحكم بين الجميع، لا ان يتدخل يوماً في تعيين نواطير الاحراج “.

كامل الأسعد: نصاب الثلثين ضروري

وقبل ولاية الرئيس الحسيني كان الرئيس كامل الأسعد يعتمد نصاب الثلثين في كل الدورات ،وهو أدلى في 18 /10/2007 بتصريح جاء فيه: “مع اقتراب موعد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية ادعو الشعب اللبناني الى محاذرة الخلاف على شخص الرئيس المقبل لأن هذا قد يؤدي الى انقسام نهائي بين ابنائه. ولكن هذا الخطر لا يحول دون وجوب توافر الكفايات والمؤهلات المطلوبة في شخص الرئيس العتيد والتي تجعله قادراً على ان يكون حاكماً وحكماً في آن في هذه المرحلة الخطرة والدقيقة التي يمر بها لبنان والعالم العربي.

أضاف: كما اننا نحذر من اجراء الانتخاب من دون توافر ثلثي اعضاء مجلس النواب، لأن ذلك يعد خروجاً ليس على نص الدستور فقط بل يشكل ايضاً تجاوزاً لاول معطيات المنطق، اذ ان عدم توافر ثلثي اعضاء المجلس يحول اصلاً دون انعقاد الجلسة وبالتالي دون انتخاب رئيس للجمهورية”.

نصاب الثلثين الدائم

   وفي مراجعة دقيقة لتاريخ لبنان الحديث  يتبين أنه منذ أول انتخاب لأول رئيس جمهورية في لبنان عام 1926، لم يلتئم البرلمان مرة بلا ثلثي نوابه. قبل 1982 احتسب نوابه جميعاً، وبعد ذلك  بنوابه الأحياء. لكن القاعدة هي الثلثان. وبعد انتهاء الحرب عاد احتساب المقاعد.  

 على سبيل المثال:انتظرت انتخابات 1976 ثلاث ساعات كي يكتمل ثلثاها، وانتخابات 1982 ساعتين ونصف ساعة كي يكتملا، وانتخابات 1988 التي لم يكتملا. وكان الثلثان نصاب انتخابات 2007 و2016 .

 

  جلسة انتخاب الرئيس الياس سركيس عام 1976 افتتحت بـ 67 نائباً، بزيادة صوت على نصاب الثلثين، ثم ارتفع العدد إلى 68، وانتخب سركيس من الدورة الثانية بـ66 صوتاً من 69 نائباً حضروا الجلسة.
تكرّرت مشكلة النصاب في انتخابات 1982، في ظل الإجتياح الإسرائيلي للبنان. كان بشير الجميل قائد القوات اللبنانية المرشح الوحيد والأقوى. بدت المشكلة نصاب التئام الجلسة، لا نصاب الدورة الثانية من الإقتراع، وقد ضَمَنَ بشير أصوات الفوز. استعاد الرئيس الأسعد الموقف نفسه في اجتماع هيئة مكتب المجلس ولجنتي الإدارة والعدل والنظام الداخلي في 16 آب 1982، فخلصت إلى قرار اعتبر الثلثين نصاب انعقاد جلسة الإنتخاب. وإذ أخذت بقرار سابق لمجلس النواب عام 1980 استناداً إلى فتوى جورج فيديل احتساب نصاب المجلس بالنواب الأحياء لا عدد المقاعد، وكان عدد النواب أخذاً بالتناقص اغتيالاً أو وفاة، تقرّر نصاب ثلثي النواب الأحياء 62، والأكثرية المطلقة للفوز من الدورة الثانية 47 صوتاً.كان قد توفي خمسة نواب، وأضحى عدد الأحياء منهم 94. في 23 آب انتخب بشير من الدورة الثانية بـ57 صوتاً.

 

 في 16 آب 1988 ترأس رئيس المجلس حسين الحسيني اجتماع هيئة مكتب المجلس ولجنتي الإدارة والعدل والنظام الداخلي.   طرح النائب زاهر الخطيب، معوّلاً على رأي سابق لوالده أنور الخطيب، اعتماد نصاب الأكثرية المطلقة لانعقاد جلسة الإنتخاب بغية التيقن من التئامها وانتخاب فرنجيه، وكان الخلاف السوري ـ الأميركي على لبنان في ذروته. تباينت الآراء بين احتساب عدد النواب الذين يتألف منهم المجلس قانوناً، وعدد النواب الأحياء. اقترح الحسيني إعتبار آخر تمديد للمجلس عام 1987 نصابا لعدد أعضائه، أي 79 نائباً، واحتساب الثلثين بناء على هذا الرقم تفادياً لتكرار ما كان رافق انتخابات 1982 بتعرّض نائب لمحاولة اغتيال هو حسن الرفاعي، بهدف انقاص نصاب النواب الأحياء. لم يأخذ الإجتماع برأي الحسيني تثبيت النصاب عند عدد جامد للنواب الأحياء حماية للإثنين معاً، فكان أن أقرّ رئيس المجلس نصاب النواب الأحياء، على أن يكون نصاب انعقاد الجلسة الثلثين. كان الرأي أن النواب، لا المقاعد، هم الذين يقترعون.
  دُعي مجلس النواب إلى الإنعقاد في 18 آب في قصر منصور. حضر 38 نائباً، واحتجزت القوات اللبنانية آخرين، فلم يكتمل الثلثان، وطار انتخاب فرنجيه. دعا الحسيني إلى جلسة ثانية في 22 أيلول، قبل 24 ساعة من انتهاء ولاية أمين الجميل، فلم يكتمل النصاب مجدداً. أحجم النواب هذه المرة، بسبب الإنقسام الداخلي وخطورة التنقّل، عن الإجتماع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق نهاية الولاية وفقاً للمادة 73 من الدستور، دونما حاجة إلى دعوة من رئيس المجلس. فدخلت البلاد منتصف ليل 23 أيلول 1988، للمرة الأولى في تاريخ لبنان، في فراغ دستوري.
بنصاب ثلثي النواب الأحياء انتخب المجلس، من غير قرار مماثل لهيئة مكتب المجلس نظراً إلى ظروف الحرب، رينه معوّض والياس الهراوي من الدورة الثانية للإقتراع. كان الثلثان قد بلغا أسوأ رقم هو 48 نائباً.

بري: الثلثان نصاباً نصّاً وعرفاً وممارسة

وعود على بدء.يشدد الرئيس نبيه بري على أن “لا انتخاب من دون نصاب. وهذا أمر محسوم. لا يمكن إجراء انتخابات بلا النصاب الذي نص عليه الدستور، وهو نصاب الثلثين. ومن أجل الوصول إلى الأكثرية المطلقة في الدورة الثانية من الاقتراع لا بد من المرور أولاً بنصاب الثلثين. أي أن حضور النواب الـ86 في المجلس وفي القاعة حتمي وضروري قبل أن يدخلها رئيس المجلس لافتتاح الجلسة. ولن يدخل رئيس المجلس القاعة قبل توافر هذا النصاب، منطقياً وعرفاً وممارسةً مئة في المئة. النصاب العادي لجلسات التشريع هو 65 نائباً، ولم تنعقد مرة جلسة اشتراعية لم يتوافر فيها نصاب الـ65 نائباً. ولم يكن يدخل رئيس المجلس القاعة إلاّ بعد تأكّده من وجود هذا النصاب. القياس نفسه في انتخابات الرئاسة، ولكن بنصاب الثلثين لا نصاب الأكثرية المطلقة، فيدخل رئيس المجلس ويستخدم المطرقة إيذاناً بافتتاح الجلسة.

وخلافا لبعض الاجتهادات يقول بري: لا يمكن أن يكون هناك اجتهاد مع وجود النص. حتى وإن تجاهلت ما حصل منذ عام 1943 حتى الآن، وتجاهلت ما حصل في جلسة انتخاب الرئيس الياس سركيس عام 1976 تحت القصف في انتظار ساعات ريثما يكتمل النصاب القانوني الذي هو الثلثان، وتجاهلت جلسة انتخاب الشيخ بشير الجميل التي طالت أكثر من ثلاث ساعات حتى اكتمل النصاب القانوني، والذي هو الثلثان أيضاً، وأنا كنت ممّن وقف ضد اكتمال النصاب القانوني حينذاك، وصولاً إلى انتخابات 1988 والتي كان الرئيس حسين الحسيني هو رئيس المجلس، فلم يفتتح الجلسة بسبب عدم اكتمال نصاب الثلثين. رغم أنه احتسب في ذلك الوقت عدد النواب الأحياء وليس عدد نواب المجلس. لكن ظل المطلوب الثلثان. إذا كان عليَّ أن أتجاهل كل هذه الحالات فإنني أطلب إجابة عن هذا السؤال: إذا كنّا نعتبر أن لا فرق بين الجلسة والدورة فهذا دليل جهل بالعربية. لماذا أتى الدستور على ذكر الثلثين. يمكن أن تشهد الجلسة الواحدة دورتي اقتراع. الدورة ليست الجلسة. الدستور استخدم التعبيرين. الجلسة تتطلّب الثلثين ودورة الاقتراع الأولى الثلثين والدورة الثانية الأكثرية المطلقة. يجب أن يحضر كل جلسة 86 نائباً.

 إنطلاقا مما تقدم اعتقد الكثيرون أن رد الرئيس نبيه بري على النائب سامي الجميل في الجلسة الأخيرة الخميس الماضي كان من باب الهزل والمسخرة ،لكن رئيس المجلس كان جادا في الرد عندما قال إن المادة التي يستند إليها لنصاب الثلثين هي “مادّي إجرها من الشباك”(*) ،على قاعدة “الجرم المشهود” ولا يحتاج إلى تفسير المادة الدستورية أو القانونية.فالسوابق معروفة ومشهودة ولم يسبق للمجلس النيابي أن انتخب رئيسا للجمهورية بأقل من نصاب الثلثين.وهذا ما ستشهده الجلسات المقبلة لانتخاب رئيس الدولة.

 

*تعود حكاية “مادّي إجرها من الشباك ” إلى حقبة الستينات استنادا إلى واقعة حدثت في قصر العدل في بيروت عندما أصدر أحد القضاة حكماً بإحدى النساء بسبب ممارستها الدعارة في السيارة، فتقدم محاميها من القاضي بالسؤال: “حضرة القاضي، بناء لأي مادة قانونية أصدرت الحكم بحق موكلتي؟ فأجابه القاضي “مادة إجرها من الشباك” أي أنها ضبطت بالجرم المشهود، فلماذا تحتاج لمادة قانونية؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى