رأي

إلى “نواب التغيير”: حان الوقت للتركيز على الجوهر.. والتخلي عن التفاهات (عادل مشموشي)

 

 بقلم العميد المتقاعد د. عادل مشموشي

 

مضى على بدء ولاية المجلس النيابي الكريم أكثر من أربعة أشهر ، ولم نلحظ في أداء أولئك النواب الذي يطلقون على انفسهم تسمية “النواب التغييريين” ما يوحي بتوفر الحد الادنى من مُقتضيات التغيير لديهم.

اقول ما قلت بمكاشفة صريحة وواضحة، وقد نشأت منذ صغري على قول الحقائق كما هي، ودأبت على مُصارحة الراي العام بقناعاتي، ونواقفي وانتقاداتي لكل ما اراه خطا او صواب. وهذا ما دفع ببعض الأصدقاء والقراء لاستيضاحي عن الجهة السياسية التي انتمي إليها أو أؤيدها، وقد صعب عليهم تحديد موقف لي بين أحد المعسكرين السياسيين الحاليين في لبنان، وها أنا اكرر الاجابة بأنني لست محسوبا أو متعاطفا مع أي منهما، ذلك لأني أرى أن مواقف كلا الطرفين وسلوكياتهما غير معصومة، بل تبادلا الاساءة للوطن والشعب، ولم يقصرا في إلإضرار بمصالحنا الوطنية، ولكوني انظر لخياراتهم ومواقفهم كباحث وناقد بعينين واعيتين، ولسان متجرد غير ممالق، متسلحا بمناقبيتي العسكرية التي تملي علي التصرف والحكم على الامور من خلفية الانتماء الوطني، وتغليب المصلحة الوطنية وجعلها فوق أي اعتبارات فئوية او شخصية او خارجية… ومن هذا المنطلق ياتي انتقادي لأداء من اصطُلحَ على تسميتهم بالنواب التغييرين.

للاسف يبدو أن بعضا إن لم نقل مُعظم  الذين فازوا في الانتخابات النيابية بترشحهم على متن لوائح حملت ظاهريا أسماء توحي بنهج تغييري قد خَدعوا  الكثيرين من الناخبين ،وعلى الاقل خذلوهم بأدائهم ومواقفهم، وأنا من الناخبين الذين خُذلوا وإن لم أخدع، ولذلك أكتفي بالقول إن أداءهم لا يوحي بنزعَةٍ تغييرية إصلاحية تحديثية، إنما بتفاهاتٍ ولاديَّةٍ أبعد ما تكون عن خصال وممارسات النائب المسؤول.

لا اخفي عليكم أنني كنت أول المدافعين عن بعض النواب ومنهم النائبة زرازير عندما اشتكت من تنمر ذكوري مورس عليها داخل حرم مجلس النواب، وكذلك الأمر بالنسبة للنائبة بولا يعقوبيان،  إذ لم أخف ازدرائي للكيفية الازدرائية التي كان يتعرضُ لها بعض النواب الجُدد إن كان في معرض قيامهم بواجباتهم النيابية، او ما يتعرضون له خلال جلسات التحاور على شاشات الفضائيات، والأنكى من ذلك أن المصيبة التي نعاني منها نحن من اقترع لهؤلاء النواب أعظم من ذلك بكثير، لأننا نشعر جراء سلوكياتهم ومواقفهم السياسية بالخزي والإحباط، وكأننا خدعنا بهم، او غُررَ بنا لجهلنا بمؤهلاتهم ومزاياهم الشَّخصيَّة.

  وهنا لابد لي من التذكير بما سبق وناديت به عشية تشكيل لوائح المرشحين في وجه لوائح السلطة، ولم أتوان عن دعوة الزملاء المرشحين المعارضين لرموز السلطة القائمة، وانا من بينهم، لضرورة الاحتكام إلى معايير مُتجردة، يصار على أساسها إلى غربلة أسماء المرشحين للخروج بتبني لائحة واحدة تغبيرية – إصلاحيَّة على مًستوى كل دائرة انتخابية، ولكن هذا الطرح لم يلق قبولا رغم اقتراح آليات عدة لتنفيذه، ويعزى ذلك لنزعات أنانية وصولية، ما دفعني للعزوف عن السير في الترشح، ورفضي الانضمام لأي لائحة ما لم تتوحد تلك القوى التغييرية في لائحة واحدة على مستوى كل دائرة ودعم ١٢٨ مرشحا بمعدل مرشح واحد لكل مقعد نيابي، وهذا ما لم يحصل حتى على مستوى الدائرة الرابعة في جبل لبنان، اي الشوف وعاليه.

لست وحدي من يشعر اليوم بالمرارة، بل كل ناخب تغييري -إصلاحي حر، وربما كل وطني شريف وصادق، يتابع نشاطات ومواقف وسلوكيات النواب التغييريين. أما مآخذنا فكثيرة  لكثرة الأخطاء التي يرتكبها هؤلاء النواب، والتي كنا نبررها بهفوات لقلة خبرتهم السيايية ولحداثة وجودهم في السلطة التشريعية. أما وقد استفحلت كبواتهم وكثرت أخطاؤهم والتي وصل بعضها لحد الخطايا التي لا تغتفر، والتي سأكتفي بالإشارة إلى بعضها:

اولا: التهاؤهم (النواب التغييرين) بظواهر الأمور لا بجوهرها، وكأن جلَّ مبتغاهم الظهور بأنهم نواب مشاكسون مناكفون، يصعب ترويضهم كباقي النواب المنضوين في أحد معسكري ٨ و١٤ آذار، وذلك عملا بمبدأ خالف تعرف.

ثانيا: اتخاذهم أو تبنيهم لمواقف نافرة تجاه أمور تافهة لا إجماع عليها ،أو على الاقل ما تزال مرفوضة من الغالبية في بيئتنا الشرق أوسطية، كالمغالاة في تبني التشريعات التي تُسوّق على انها تصون حقوق المثليين ومن لف لفهم.

ثالثا: البعد عن الواقعية في الكثير من مواقفهم التي يطلقونها ارتجالا حيال المسائل المطروحة ،وإن  كانت ليست على قدر من الأهمية، وإغفالهم لحراجة الاوضاع التي يمر بها لبنان واللبنانيون، واكتفاؤهم في غالبية الأحيان بالتعبير عن رفض ما هو مطروح، من دون عرض بدائل مجدية، مقنعة وقابلة للتنفيذ.

خامسا: حالة الارباك التي يصابون بها عند حلول او اقتراب آجال الاستحقاقات الوطنية الهامة والمصيرية.

سادسا: محاولتهم تشكيل تكتل على غرار التكتلات التقليدية والانفراد بمواقف وخيارات يعلمون مسبقا انه من شبه المستحيلات سير باقي الكتل بها، بدلا من السعي لتحقيق ما يمكن تحقيقه.

ثامنا: الفوضوية في إطلاق المواقف غير المنسقة في ما بينهم، الأمر الذي يفقدهم المصداقية في تماسكهم، ووحدة الموقف حيال الخيارات التي يتبنونها.

 تاسعا: السطحية في مقاربة الكثير من الامور الجوهرية: للاسف لم نشهد لغاية اليوم ومنذ بداية ولاية المجلس ايا منهم يتبنى موقفا على قدر المُستجدات والازمات التي تعصف بلبنان، ولا حتى بما يحاكي اهتمامات المواطنين.

عاشرا: افتقادهم للقدرة على التمييز بين ما هو مهم والامور الثانويَّة، من ذلك امتناع بعضهم او تخلفه عن حضور الاجتماع الذي دعا إليه سماحة مفتي الجمهورية والذي خلص إلى إعلان مواقف وطنية على قدر كبير من الاهمية، وتركيزهم على قضايا تافهة تسوق لها بعض الجمعيات الاهلية لإشغال الرأي العام بامور لا تحظى باهتمام اللبنانيين الغارقين في ازمات مَصيرية كيانية ومعيشية.

لقد كان أجدى بمنتحلي صفة النواب التغييريين الاصلاحيين التركيز على الأمور الاساسية والابتعاد عن إثارة أمور خلافية نحن بغنى عن إثارتها في ظل أوضاعنا المأزومة.

وكان حري بهم التركيز على الجانب التشريعي من مهامهم، وتشكيل ورش عمل لإعداد مشاريع قوانين إصلاحيَّة، لأن التشريع يبقى الإطار الامثل لأي إصلاح حقيقي فاعل ومُستدام، فبدلا من التظاهر باقتحام فروع المصارف وتأييد مقتحميها، ألم يكن من الاجدى التقدم باقتراح قانون لحماية أموال المودعين، بدلا من الاقتحامات الاستعراضية المربكة والضارة بحاجات الناس اليومية؟

ولكم كانوا قاربوا مُسماهم (تغييريين)، لو انهم بادروا إلى التقدم بمقترحات قوانين، للحد من الانهيار، ومكافحة تهريب المواد المدعومة، والتهرب الجمركي والضريبي، او لمنع تسريب ثروات الفاسدين الملوثة إلى الخارج.

ولماذا لم يتقدم عشرة منهم باقتراح قانون يقضي بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية للوقوف على كيفية تبديد احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة، وكيفية هدر المال العام وكشف الضالعين فيها، وكذلك تبيان الاسباب الحقيقية التي ادت إلى انهيار القيمة الشرائية للعملة الوطنية؟

وهل من مانع يحول دون تقدمهم باقتراح قانون يحول دون فرار الضالعين بجرائم فساد او تهريب اموال مشكوك بمشروعيتها الى الخارج، بمن فيهم من سهل تهريب تلك الأموال؟

وما الذي يمنعهم أيضا عن تقديم اقتراح قانون يقضي بتشكيل لحنة برلمانية ذات طابع قضائي لإجراء تحقيق متكامل بهدف كشف ملابسات جريمة تفجبر مرفأ بيروت وتحديد المسؤولين سياسيا وقضائيا عنها تمهيدا لمحاسبتهم وانزال العقاب المناسب بحقهم، اليس ذلك أجدى من البكاء على الأطلال؟

وما هي الموانع التي تحول دون التقدم باقتراح قوانين لتفسير بعض النصوص الدستورية التي اعتمدت ستارا لتعطيل الكثير من الاستحقاقات الدستورية وفي طليعتها انتخاب رئيس للجمهورية، منعا من التماهي في تأويلها على خلاف مقاصد المشرع؟

وما الذي يمنعهم من التقدم بمشروع قانون لتفسير المواد ٦٠ و٧٠ و٧١ من الدستور، التي تحدد المرجع الصالح لملاحقة رئيس الجمهورية والرؤساء والوزراء عند ارتكابهم جرائم، وكل ما من شأنه تبيان متى تكون الجرائم التي يرتكبونها منسوبة لوظائفهم ام بمثابة جرائم عادية، كما سلوكيات تنطوي على خرقٍ للدستور او خيانة عظمى؟

بكل تجرد نقول إن أداء من يطلقون على انفسهم لقب نواب تغييرين لم يرتقوا بأدائهم بعد إلى حدود المقاربات التقليدية، إذ لم نلحظ في سلوكياتهم ومواقفهم وأساليب مقاربتهم للمسائل المطروحة سوى ملهاة، ومحاولة التمظهر بعنتريات صبيانية وهمية ومفضوحة.

وأخلص بنصيحة نصوحة بوجوب الارتقاء بسلوكياتهم ومواقفهم إلى مصاف السلوكيات الرزينة والمسؤولة، ومحاولة الاقتداء بالسَّمكةِ لا بالدجاج، ولتكن افعالهم اكثر من اقوالهم وخيرا منها. وليتذكروا جيدا أن الناخبين سيخذلونهم كما خذلوهم بعدم تكرار خطيئة انتخاب أمثالهم..

 اللهم اشهد أني بلغت!

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى