رأيسياسةمحليات لبنانية

أين الاحزاب اللبنانية في هذه الأزمة ولماذا لا تتحرك؟(حيدر شومان)

 

كتب حيدر شومان

عندما تصبح ضروريات الحياة في بلد شبه مفقودة ولا يمكن تحصيلها إلا بالذل والمهانة والقوة أحياناً، فاعلم أنك في بلد بدأ يفقد صلاحية الوجود والاستمرار. 

وليس غريباً الوصول إلى نتيجة هذا الواقع الأليم فإن المقدمات التي رسمت طريقها منذ سنوات طويلة وتجلت منذ أقل من سنتين كانت واضحة المعالم وتظهر أن أمور البلد آيلة إلى السقوط إن لم يتم السعي لتغييرها. 

ليس غريباً أن يتحول المواطن اللبناني إلى آلة عمياء صماء تردد آهات القهر والتأفف والبكاء على ما آلت إليه المعيشة السوداء في كل مجريات الحياة بتفاصيلها الصغيرة والكبيرة، لكن الغريب هو اقتصار الرفض على هذه السلبية في ردود الأفعال شبه الميتة التي لا تحرك في الواقع أي ساكن. عندما قامت انتفاضة 17 تشرين العفوية تأملنا فيها الخير الكثير ونظرنا بعين التفاؤل إلى مستقبل البلد الذي سيتغلب فيه على نظامه الفئوي والطائفي والإقطاعي. لكن ما حدث بعد ذلك أنبأنا بأننا كنا في حلم وردي لم يدم طويلاً لنعود إلى الحقيقة السوداء ورموزها الكريهة.

وعلى الرغم من حماسة الكثيرين ودفاعهم المستميت عن تلك الانتفاضة فإننا رأيناها تنتهي وتتلاشى ولم تترك وراءها إلا كل ما هو سلبي في المجالات الحياة اللبنانية كافة، ولا داعي لتكرار ذكرها فإن كل ما حولنا يظهر فداحة ما نقول. وحيث إن التآمر شاب تلك الانتفاضة بعد ذلك لا بد من السؤال أين الذين كانوا يملأون الشاشات ووسائل التواصل في نظرياتهم وآراءهم الثورية ودعواتهم الجموع إلى تحطيم كل قائم ينتمي للمنظومة الحاكمة. هل غابوا عن السمع والبصر لغياب من يمثلهم ويتحدث باسمهم؟ وإن كان ذلك كذلك فعلى من كانت ثورتهم وغضبهم وتحريضهم؟

 والسؤال الآخر الذي لا بد أن يُسأل: أين الأحزاب اللبنانية سواءً أكانت يسارية أو دينية أو يمينية أو…؟ ما الذي يشغلها في هذه الأزمات التي يعيشها المواطن ويعاني من آثارها؟ وإن لم يكن دورها أن تتحرك اليوم فمتى عليها الاستيقاظ والحركة؟ 

للأسف فإن اللبنانيين عامة ينتمون إلى أحزاب طائفية تحرّكهم أو تجمدهم، بغض النظر ما هو مصير التحرك أو الجمود، فالقرار اليوم أن تخرس الألسن وتُشل الأقدام وتنزوي النفوس في بؤر مظلمة بائسة، وهذا القرار يُنفّذ بولاء وطاعة عجيبين، فلا ردة فعل على ليرة فقدت وتفقد قيمتها كل يوم، ولا على الودائع المالية التي لا يُعرف مصيرها بانتظار كلمات بين مناسبة وأخرى يتفوه بها حاكم المصرف ويتم تحليلها وما المقصود منها، ولا على فقدان المحروقات والطوابير الطويلة ومذلة الانتظار، ولا الكهرباء والاستشفاء والدواء و… فهل مشكلتنا تكمن في أننا شعب اعتاد التقاعس ولم يعد يملك من الأمر شيئاً سوى الطاعة والرضى بالأمر الواقع مهما كان أسود بائساً تعيساً؟ إلى متى سننتظر قيام حكومة يبدو مصيرها مجهولاً بعد طول انتظار بسبب أطماع هذا الزعيم وذاك لنيل مكسب سياسي ومالي سيستفيد منه في المرحلة القادمة؟ وهل في قيام مثل هذه الحكومة مهما كانت مسميات أعضائها ومكسب هذا الطرف أو ذاك سوف يحل الأزمات المستعصية العالقة؟

يبدو أننا في بؤرة مظلمة لا يبدو الخروج من أسرها قريباً طالما أننا شعب لا يعرف الوطنية إلا من خلال الطائفة، ولا يريد الخلاص إلا من خلال الزعيم الطائفي، ولا يبحث عن الحل إلا من خلال معاداة المذهب الآخر وكسب ورقة سياسية أو مطلب اقتصادي أو هدف اجتماعي وما شابه… والغريب أن الغالبية الساحقة من هذا الشعب يعاني الجوع والعوز والحرمان ولا يملك سوى زفرات الآهات والتأفف وعدم التحمل، ويلعن العتمة في كل يوم آلاف المرات رافضاً أن يشعل شمعة حب لينير خطوة واحدة أمام قدميه العاثرتين.  

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى