رياضة و شباب

بين رد الاعتبار والإنتقام :لجنتان اولمبيتان في لبنان (سليم عواضة)

 

سليم عواضة- عن موقع ” الميادين”

كأن المشهد نفسه يتكرر اليوم. الأدوات نفسها، الصراع نفسه، والواقع المرير على حاله. اتهامات متبادلة وترقب، وكل طرف يعتبر نفسه محقا، والنتيجة “رد الانتقام بانتقام أكبر”. 

لجنتان أولمبيتان في الميدان. وحفلة جنون جديدة تنتظر الرياضة اللبنانية في الايام المقبلة، مع أن الجميع يعي  أن استمرار التحدي لن يوصل الاطراف الا للخراب والفراغ ونحن بلد محكوم بالتوافق. 

أقفلت مجالات الحوار 

 

حتى ما قبل ساعات قليلة من عقد الجمعية العمومية للجنة الأولمبية اللبنانية التي دعت اليها مجموعة من الاتحادات تشكل أكثر من ثلث الاعضاء، كان العقلاء والوسطاء في مكاتب الرياضة التابعة للأحزاب السياسية يسعون الى ايجاد حلول وتسويات، الا أنها سقطت لأسباب كثيرة.

هو المشهد نفسه قبل انتخابات عام 2021، يومها اقفلت ابواب الحوار بعدما ظن الطرفان أنهما سينتصران فوقعت المعركة. اما اليوم فقد جاءت لحظة رد الاعتبار وبالتالي من خسر بالأمس، وجد الفرصة متاحة أمامه لكي يرد على من هزمه ويوجه رسائل في أكثر من اتجاه.

ردُ جهاد سلامة وفريقه جاء مزدوجا، فقد احتضن من استخدموا كسلاح لهزيمته، وضرب الجهة التي استخدمتهم في الوقت نفسه. 

من تابع الجمعية العمومية في منتجع “لا مارينا” الضبيه، قرأ في عيني رئيس اللجنة الأولمبية بيار جلخ حزنا عميقا مما وصلت اليه الأمور.  كان يتحدث بمرارة عن ممارسات أحرجته كثيرا فأخرجته مرغما من التحالف الذي اجلسه على كرسيه.   

  

تحضير مدروس

يقول جلخ إنه وبعض رفاقه في اللجنة التنفيذية حاولوا جاهدين التصدي لما وصفه “مخالفات صارخة حصلت” وانه هنا يحتكم للجمعية العمومية لتصحيح المسار. 

تقاطعت مصلحته مع اخصام الأمس الذين وصلوا الى الجلسة اليوم “مذاكرين كويس” على حد تعبير المصريين. جاؤوا بـ”كاتبة عدل” لتدوين محضر الجلسة لأنهم على علم مسبق بأن الأمين العام للجنة لن يحضر، وكذلك الأمين العام المساعد، لأن كليهما في الفريق الآخر.

ثمة رسائل وكتب ومحاضر كثيرة ينبغي تلاوتها، وبالتالي لا بد من تكليف من يقرأها، فوقع الخيار على عضوي اللجنة الأولمبية فرانسوا سعادة وربيع سالم، والأخير كان الأكثر حماسا للحديث، الا أن استعجاله ربما جعله يقرأ مصطلحات على نحو خاطئ فراح بعض الحضور يصححها.

هنا تدخل رئيس اتحاد “البادمنتون” جاسم قانصوه قائلا : “إذا استمرينا على هذا الحل فإننا لن نفهم شيئا” مقترحا أن يتم استعراض الوقائع التي اوصلت الى عقد هذه الجمعية بالتسلسل وباختصار على أن يبنى على الشيء مقتضاه. 

 

سلامة

بإسهاب وطلاقة، ارتجل المحاضر الدولي والأولمبي من دون أن يحمل بيده أي ورقة، بالتواريخ والأرقام والمواد راح يشرح لماذا انتفضت الاتحادات على ما حصل، معتبرا أن كرامة رئيس اللجنة الأولمبية أهينت عندما اقفل باب مقر اللجنة في وجهه وجرى تعطيل الجلسات التي كان يدعو اليها ثم اتهم بالعرقلة. 

واشار الى أن هناك من يمعن في مخالفة القوانين، وقال رئيس اتحاد المبارزة ” نحن كمجموعة من الاتحادات ارتضينا خسارتنا الانتخابات ولم نكن في وارد التحرك لكن سلسلة من الوقائع اثبتت لنا ان عمل اللجنة معطل، وقد بدأ ذلك منذ أن تم ترخيص 5 اتحادات جديدة على وجه غير شرعي”. 

ثم اعطى مثالا على ذلك اتحاد “الخماسي الحديث” وهي لعبة تتألف من 5 رياضات، وتساءل ” إذا كان النادي يمارس هذه الرياضة، الا يجب أن يكون اولا منتسبا للاتحادات المعنية بهذه اللعبة؟”. وتابع:  اكتشفنا أن الأندية التي يتألف منها هذا الاتحاد ليست منتسبة أولا الى مجموعة الاتحادات المكونة لها، فكيف يمكن للاعب أن يمارس العاب القوى أو غيرها دون أن يكون قد مارسها من قبل؟”.

ثم عرج سلامة على موضوع التراخيص وتحدث عن مخالفات فيها، اذ تم ترخيصها في 27 حزيران استنادا الى كشف ميداني تم في 6 تموز اي جرى الكشف بعد الترخيص.

ولدى انتهائه من الشرح قال:  ” لهذه الاسباب نحن نطالب بإضافة 5 بنود الى جدول الأعمال للتصويت عليها بينها معاقبة الاعضاء الذين خالفوا الأنظمة متسلحا برد اللجنة الأولمبية الدولية على خطوة الكتاب الموجه من جورج عبود الذي وصفه بانتحال صفة الرئيس، مع ان الأولمبية الدولية ردت بوضوح أنه لا يحق له ذلك.

وختم:  اختصرت لكم ما كان سيقرأه الكومودور ربيع سالم فأجاب الأخير ” لم تترك لي شيئا لأقوله”.

 

سحب الثقة من اللجنة بأكملها  

 

من بين الاتحادات الـ 17 الحاضرة، تمايز اتحادان بمواقفهما عن الأكثرية وهما الريشة الطائرة “البادمنتون” والرغبي يونيون.

الأول اتحاد يرأسه جاسم قانصوه الذي يعده الكثيرون من العقلاء في الرياضة اللبنانية، وهو اصر على أن ما وصلنا اليه اليوم هو نتاج لجنة تنفيذية هجينة فشلت بأكملها ،وقد رفض معاقبة اعضاء معينين وقال “إن كان ولا بد المحاسبة فأنا ادعو الى سحب الثقة من اللجنة بأكملها تمهيدا لتصنيع تركيبة جديدة ومتجانسة. وقد شاطره اتحاد الرغبي يونيون الممثل بنائب الرئيس ايغل زريق. وكان كلامهما هادئا مع الدعوة الى الحوار مع تأكيدهما الحضور ليس لتغليب كفة طرف على آخر بل لأن اللجنة الأولمبية الدولية شرعت هذه الجلسة ودعت لمعالجة الخلافات في داخلها.  

 

مشاهد “سوريالية”

المعروف أن عدد اعضاء اللجنة التنفيذية هو 14 مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وقد حضر الجمعية العمومية 6 اعضاء جميعهم من المسيحيين، والى رئيس اللجنة جلخ، برز حضور نائبه الثاني جاك تامر المحسوب على الطرف الآخر. وتردد أنه حضر هذا الاجتماع بعد أن تعرض لخديعة من فريقه الاساسي، إذ طُلب منه الحضور من فرنسا لكي يتم انتخابه رئيسا لكنه جرى التوافق بعدها على جورج عبود.

وفور وصول تامر متأخرا والتحاقه بالجلسة قال ” اشكر الاتحادات التي جاءت لتكون الى جانب الرئيس بيار جلخ نظرا لتعرضه للإهانة، ونحن لا نقبل بذلك”. ثم اكتشف لاحقا أن الورقة التي دوَّن عليها كلمته ليست بحوزته، ثم قرأ من الهاتف.

 وبعد أن تحدث جلخ عن نتائج زيارته الى اللجنة الأولمبية الدولية واجتماعه بأركانها، كشف تامر أنه كان متواجدا في لوزان وقد جهز بنفسه ملف المخالفات الذي تقدم به جلخ. وهنا رد سلامة “منشكرك”.

من المشاهد اللافتة ايضا كان حضور العضو المستشار المحامي فرنسوا سعادة وهو يعد احد صقور الانقلاب على سلامة في الانتخابات الماضية، وبرغم تعيينه “أمين سر الجلسة”، الا أن كلامه كان قليلا.   

أما نائب الرئيس الرابع اسعد النخل فلم ينبث ببنت شفه على مدار أكثر من ساعتين.

جلس الكثير من المحايدين يتحسرون على كل تلك المشاهد. يتأسفون لحال الرياضة اللبنانية، وتحديدا الهرم الأولمبي في رئاساته المتعاقبة، أحدهم متهم ومبتعد، وآخر مدان ومسجون، وجديدهم يشعر بالطعن. كما ان الأعضاء الحاليين يظهر معظمهم على نحو لا يليق بسمعة الرياضة والرياضيين. والقلة القليلة تدفع فاتورة لا علاقة لها بها. أما من يجب أن يحاسب فعلا فبعيد عن الصورة.

 

القرارات

كل ما تقدم كان تمهيدا لاتخاذ قرارات جرى تحضيرها مسبقا، مع ان المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، استمرت حتى ما قبل ساعات من الجلسة وبرغم المساعي لاستثناء بعض الأسماء الرموز من الايقاف، وبعد مطالعات ومساعي قانصوه وزريق، برز كلام هادئ آخر لرئيس اتحاد التزلج فريدي كيروز الذي حاول ان يجمع بين العقاب واتخاذ توصيات من شأنها تهدئة النفوس.

بعدها حمل سلامة كتاب نظام اللجنة الأولمبية وقال:  “هناك من أصرّ على مخالفة القوانين والتحدي وترؤس جلسات على نحو غير شرعي برغم كتب الأولمبية الدولية كما جرت مراسلات غير شرعية واتخذ قرارا بإقالة رئيس اللجنة الأولمبية، وعليه نحن نصر على التصويت على العقوبات بناء على الفصل الخامس ، بند الايقاف والطرد والاستقالة. 

وختم كلمته بالقول حرفياً: “اطلب من الجمعية العمومية طرد ثلاثة من اعضاء التنفيذية للجنة الأولمبية وهم هاشم حيدر مع احترامي لقيمته وخبرته الا أنه أخطأ عندما ترأس جلسة بصورة غير قانونية في 28 نيسان الفائت، وجورج عبود لانتحال صفة رئيس اللجنة الأولمبية، والعميد الركن حسان رستم لمخالفته عددا من مواد نظام اللجنة الأولمبية. كما طرد المتعاقد مع اللجنة الأولمبية وسام شيري”.

ثم جرت عملية التصويت ليعلن جلخ ما يلي:  “15 اتحادا صوّت على اسقاط عضوية رستم وعبود و14 لحيدر وشيري”. 

وصوّتت 3 اتحادات فقط من أصل 17 على سحب الثقة من اللجنة التنفيذية للجنة الأولمبية وبالتالي سقط الاقتراح. الا أن سلامة تعهد بأنه في حال لم توافق الأولمبية الدولية على هذه القرارات فإن اللجنة التنفيذية يمكن تفعيل بند سحب الثقة. 

كما جرى ابطال نتائج جلسة 28 نيسان 2023 التي انعقدت في اللجنة الأولمبية وتقرّر تعيين موعد 5 حزيران موعداً للجمعية العمومية المقبلة. كما تقرّر لاحقاً انتخاب 5 اعضاء ضمن مجلس التحكيم وتسمية عضوين بعدما انتهت ولايته. الى اتخاذ قرار بالاجماع بتعيين شركة لتدقيق كيف تذهب اموال صندوق التضامن الأولمبي. كما تمّ تكليف جلخ اتخاذ الاجراءات اللازمة لاستلام مقر اللجنة الأولمبية.

لجنة أولمبية ثانية

ولاحقا صدر بيان عن الدائرة الاعلامية في اللجنة الأولمبية يفيد بأن رئيس اللجنة الأولمبية اللبنانية السيد جورج عبود وبعد التشاور مع أعضاء اللجنة التنفيذية يرون أن ما سمي بالجمعية العمومية برئاسة رئيس اللجنة الأولمبية السابق الموقوف بطرس جلخ  ” غير قانونية ”  كون الدعوة إليها ” غير قانونية ” ويشوبها العديد من المخالفات  وبالتالي فإن كل ما بني على باطل فهو باطل .

وتابع البيان “أن رئيس اللجنة السابق هو موقوف وقد صدر بحقه قرار عن اللجنة التنفيذية بهذا الخصوص وبالتالي منعدم الصفة القانونية، ولذا تعتبر خطوته اليوم هي انتحال صفة واغتصابا لسلطة اللجنة التنفيذية.

كما وان كل ما صدر عن هذا اللقاء هو باطل ولا مفاعيل له على كافة الصعد وكأنه لم يكن . 

خلاصة

المزيد من الضبابية تسيطر على المشهد، وفي حال وقع وزير الشباب والرياضة جورج كلاس على الافادة الادارية برئاسة جورج عبود يصبح لدى لبنان لجنتان أولمبيتان وسيزداد الوضع تعقيدا، ويتحدث كثيرون ما بين تجميد الأموال والمساعدات من صندوق التضامن الأولمبي، أو تجميد نشاط لبنان الرياضي كليا.

وفي هذا السياق، يستبعد نائب رئيس الاتحاد الآسيوي ورئيس الاتحاد اللبناني لكرة السلة أكرم الحلبي أن يتم تجميد النشاط الرياضي ويرى أن كتب الأولمبية الدولية واضحة لجهة شرعية الفريق الذي ينتمي اليه، وأنه لا خوف على مشاركة لبنان في كأس العالم المقبلة في كرة السلة.

كما رأى الحلبي أن ما جرى في الجلسة فرصة للعودة الى لغة العقل والجلوس مع بعضنا مجددا لنعمل لرياضة نظيفة بعيدة عن الصراعات والاقصاءات ونمد اليد للطرف الآخر مجددا للحوار ،علما اننا لم نقفله يوما وكل ما نطالب به هو الشفافية بعيدا عن التعنت واهانة كرامات الناس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى