سياسةمحليات لبنانية

“الذئب المنفرد” مصطلح تعني تضحية الفرد من أجل الجماعة!

"ذئب منفرد".. هكذا تراءى لعدد من الصحفيين اللبنانيين توصيف عبد الرحمن مبسوط، منفّذ عملية ليلة عيد الفطر، في مدينة طرابلس، في حفلة رعب، امتدّت حتى ساعات الصباح الأولى، منتهية باستشهاد عناصر أربعة، توزّعوا ما بين قوى أمنٍ داخليّ وجيش.
وعبارة "الذئب المنفرد" تقع على القارئ أو السامع وقعًا دراميّا، مأساويّا، متخيّلا، يؤذن بـ "موت الفرد" لتحيى "الجماعة" وتستمر، في استعارة من قول لـ “Ned Stark” قالها في إحدى حلقات المسلسل الشهير "Game of Thrones". ورغم فردانيّة العبارة، فهي تحمل في طياتها روح جماعة متماسكة على فكرة، وزمن ومستقبل، ولكنّها في نهاية الأمر خُرافة.
والترويج لخرافة الذئب المنفرد، تتضمن في طياتها، تعدّدا في الأهداف، معليةً من شأن الـ "أنا" لدى الإرهابيّن، وسامحة لهم بزرع فكرة "أنّ جار اليوم هو عدو الغد"، في حين أنّ العبارة تفيد الأجهزة الأمنية والسياسيين، لأنّها تغذي مبرراتهم باستحالة توقّع هكذا سلوكيّات أو وقفها، وتضحي غطاء لإخفاقاتهم الأمنيّة الخطيرة.
إنّ آليات التظرّف الفردي يمكن ان تؤجّج من خلال المَظلَمَة الشخصية او الجماعية، ويمكنها أحيانا، ان تجمع بين المَظلَمتين، وتشكلان، انفرادا، أو اجتماعا، دافعًا لتحدّي السلطات الحاكمة أو الجماعة، أو الاثنين معا؛ في سعيّ متوهّمٍ لتحقيق العدالة، ومعاقبة المخطئ. وتلك المُعاقبة ناجمة عن انتهاك الحقوق الأساسيّة للفرد، وتلازمها مع الشعور بالمَهانة الدائمة، ما يجعله يكظم كل ذلك ويحيله اختزانا في لاوعيه، في تصاعد تدريجيّ، تغذيه غياب العدالة الاجتماعية، حتى يصل إلى أقصى مداه، وهي، اللحظة التي يتفجّر فيها المُختزن، النائم على سرير الأيام، على شاكلة ما حصل في مدينة طرابلس او ما يماثلها.
إنّ حادثة طرابلس ليست وليدة ساعتها، إنّما هي نتيجة لغياب الحقوق الأساسيّة للأفراد والجماعات، وللمهانة التي يتعرضون لها، من لحظة ولادتهم حتى موتهم المريع، الذي يأخذ بجريرته موت من لا ذنب لهم في ذلك الغياب، وتتحمّل مسؤوليته القوى الحاكمة، سياسيّا واقتصاديّا، واجتماعيّا، وأمنيّا، وقضائيّا، ولكلّ منهم له في ذلك الموت يد، قصُرت تلك اليدُ أم طالت، فهل من يتّعظ؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى