سياسةمحليات لبنانية

نهاية رجل صالح..

 

في الركن الواقع خلف الباب ، يجلس في عتمة غرفة تتسرب الرطوبة من جدرانها كافة، مختبىء من أفكاره المشوّشة ومن هواجسه المرعبة ومن ضوء ما ألحقَ به الا الضرر والهزائم…
يعود في الذاكرة، يتذكر وشوشات أمّه مع جدّته وهي تشرح لها عن سوء طالعه وعن النحس الذي يرافقه منذ ولادته رغم اجتهاده ورغم تفوقه في المدرسة.
يتذكر والده وهو يشرح لعمّه ولخاله كيف انقذه من حوادث متكررة، لا رأي ولا ذنب له فيها، مصائب تحلّ عليه من كل جانب ومن كل صوب رغم صلاته ورغم صيامه ورغم صرفه للمال في صندوق الزكاة وفي يد السيّد كخمسٍ وفي صندوق  صدقة لردّ المصائب ولدفع البلاء، حتى صلاة الليل وصلاة الهزات والخسوف والكسوف لا تفوتنه…
جلس في ركن الغرفة المظلمة خلف الباب يعيد  حلقات مسلسل حياته، كيف قام بكل واجباته ونال اعجاب كل معلميه وزملائه وكيف إن تقدم لأي عمل ابعدوه بحجج لاتقنع حنى اعداءه، حتى المال الحلال لا يصمد داخل جيبه لدقائق، يصرفه على صحّته او على سيارته او على حدث غير متوقع مع اولاده وكأن ماله حرام سرقه من يتيم او من فقير او من وقف اسلامي او من مسجد…
كلّ اترابه حققوا اهدافهم بسهولة وتوسعوا في أعمالهم وفاض الخير بين اصابعهم بأقل جهد ممكن، وامدهم الرب بالصحة والعافية والعمل والمال الوفير ،رغم نفاقهم وصفقاتهم المشبوهة الا هو ما بلغ هدفه الا بعد جهد مضنٍ وتعب لا يوصف ، الا بعد ان يفقد لذة الوصول والحصول على مبتغاه ، يصل امنيته دائما انما بعد ان يكون قد سئم  وفقد الهدف قيمته رغم سلوكه الاخلاقي الجيد…
اليوم بلغ الثمانين عاما من عمره ، ثمانون خريفا ، خريفاً بعد خريف…
جلس يعيد الحسابات بتأن بعيدا عن اطفال احفاده، بعيدا عن دوره الجديد في العائلة كحكواتي للأحفاد وكمهرج لأطفال الأحفاد…
تذكر البراجة والبصارة ومفكك الحجابات وكاتب الكتب وكيس القماش، وما كانت امه تشكله عند كُمّ الكنزة لتحميه من حسد الحساد وتذكر البخور والعطر المسحور وكيف ربطته امه بقفص ضريح قديس من اخواننا النصارى او لصالح من  اخواننا الدروز او لمحدث من اخواننا السنة بعد ان جربت معه اقفاص اضرحة علماء الشيعة…
ما إن نوى ان يبعد تلك الخزعبلات من رأسه حتى فُتح الباب بقوة ليضرب راسه بشدة وليضرب راسه بالحائط  بعنف ولينزف بغزارة وليموت في لحظتها في العتمة من دون صراخ او تأوّه…
ميتا وممددا على سرير، لا يبكي من حوله احد، سمعهم جميعا يرددون مواسيين بعضهم البعض:
"الحمدلله ارتاح"
فكّر مليا لينتبه انهم يقصدون بالعبارة السحرية تلك انهم ارتاحوا جميعا منه فازداد موتا على موت، خريفا على خريف…
 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى