العالم العربيسياسة

نقاشٌ في أفكار الكاظمي: هذه هي مصالح أميركا في العراق

 

د . جواد الهنداوي* -الحوارنيوز خاص
               
للولايات المتحدة الاميركية وللغرب الموالي لها مصالح متعددة ومتنوعة في العراق  وفي المنطقة ( النفط والغاز و وطرق وشبكة إمدادها ، والدين والحضارة …)، وكل هذه المصالح تهون أمام أولويّة واستراتيجيّة مصلحة اسرائيل في المنطقة ، ليس فقط لأمنها وانّما لمشروع هيمنتها.
سياسية أميركا الخارجية تجاه العراق و تجاه المنطقة مرهونة ليس بالمصلحة الأميركية وانماّ بالمصلحة الاسرائيلية، هدف أميركا هو ضمان هيمنتها على العالم وتحقيق هيمنة اسرائيل على منطقة الشرق الأوسط، ليكون شرق اوسط جديد مثلما روّج له رئيس وزراء اسرائيل الأسبق شيمون بيرس و غيرهِ، قبل اكثر من ثلاثة عقود.
لم تتردد أميركا باتخاذ كل ماهو مشروع وغير مشروع ،اخلاقي  وغير اخلاقي ،من اجل تحقيق هذه الأهداف؛ استمرار هيمنتها على العالم وتحقيق هيمنة اسرائيل  على منطقة الشرق الأوسط . نُكرر الآن ما كتبناه، ومنذ اكثر من عشر سنوات ، حين ازدهرت و عّمت صناعة وتجارة وبضاعة الارهاب في العراق وفي المنطقة .
نُكّرر الآن الذكر والكتابة لأنَّ البعض لا يزال يعتقد و يبني رؤيته السياسية على مبدأ  "مصالح أميركا في العراق و في المنطقة " ،بَيدْ ، في الحقيقة ، هي مصالح اسرائيل و تمرُ عبر الإدارة الأميركية.
صراحة ،نتمنى ان تربطنا  وأميركا مصالح اقتصادية وتكنولوجية ومالية وعلمية ، ولكن هل هي أميركا تسعى لذلك ؟
هل تُقيم علاقتها معنا ومع دول المنطقة على اساس مصالحها ام على اساس هيمنة اسرائيل ؟ ومن المعروف أن هيمنة اسرائيل تتطلب تدمير  دول المنطقة ، وفي مقدمة تلك الدول ، الدول العربية المحسوبة على محور المقاومة و ايران الداعمة للمقاومة .
مَنْ يعتقد بأنَّ اسرائيل تريد السلام وتريد ترسيم حدودها في المنطقة فهو واهم ،وأسباب استراتيجية تكمنُ خلف هذه الرؤية الصهيونية الأميركية الاسرائيلية ، والتي تتحدث بالسلام وتحاربه: تدرك الصهيونية بأنَّ السلام مع دول المنطقة دون يهودية اسرائيل  ودون الهيمنة السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية لاسرائيل هو نهاية اسرائيل . علاقات دبلوماسية لاسرائيل مع دول عربية ليس هي الهدف وانماّ خطوة نحو الهدف ؛ تطبيع اسرائيلي خليجي ليس هو الهدف وانّما خطوة نحو الهدف ،تدمير العراق وتدمير سوريا ليس هو الهدف وانّما خطوة نحو الهدف . الهدف الهيمنة ، والهيمنة يعني تجريد الدول العربية من إرادة القرار ،تجريدها من سيادتها ، وجعل أمورها السياسية والعسكرية والاقتصادية مرهونة بارادة و برضا اسرائيل .
وهذا هو واقع الحال الآن  مع بعض الدول العربية الصديقة لاسرائيل و المطّبعة معها .
     تدرك الصهيونية وواجهاتها (اسرائيل ، أميركا ، العملاء والرجعية ) بأن لا مستقبل لاسرائيل ، دون يهوديتها ودون هيمنتها ، لا مستقبل لاسرائيل وهي بين  دول غنيّة في مواردها وحضاراتها وسكانها وتاريخها ، ستذوب اسرائيل وسط هذا الكيان الضخم مالمْ تفرغه من فحواه وجوهره ، وترّده هيكلاً ،لا حول له و لا قوة .
إذاً ،مصالح أميركا في العراق ليس بناءهِ وليس ازدهاره ، وانّما تجريده من مناعته العسكرية والاقتصادية لخدمة المصالح الاسرائيلية الاستراتيجية .
مصالح أميركا في العراق ان يعود العراق حارساً للبوابة الشرقية وان يعادي ايران  ويعادي سوريا و يساهم في تقويض دولهما .
مصالح أميركا في العراق ليس في إخراجه من الفصل السابع ،ولا في أعماره ، ولا في اعادة حقوقه في الأراضي التي سُلبت منه بالإكراه ،وبموجب قرارات غير قانونية لمجلس الامن ، وهو غير مختص في ترسيم الحدود .
مصالح أميركا في العراق ليس في استكمال سيادته وحقه في التصرف في اموالهِ ، و في تحسين خدمات الكهرباء وسياسة الاستثمار والإعمار .  وظفّت أميركا الارهاب في العراق لأجندات واهداف سياسية ووظّفت ايضاً الفساد في العراق وتمسكه ورقة ضغط و ابتزاز ضّد هذا وذاك ، وتستخدمه ايضاً فرصة لدعم هذا وذاك ،عندما تسمح باستخدامه وتأذن بمطاردة هذا او ذاك !
قرار أميركا بالانسحاب لم يكْ وليدة اليوم . قررت أميركا الانسحاب من العراق منذ عهد الرئيس جورج بوش الابن ، وبعدما  ادى الجيش الامريكي  ومرتزقته ( بلاك ووتر ) مهامه في التدميروتشتيت العراق  وتحضيرهِ للتقسيم .
     ما تخطط له اسرائيل  وأميركا هو ان ينتقل مركز الشرق من العراق وسوريا ولبنان والاردن الى اسرائيل والإمارات والبحرين وباقي دول الخليج ،  وان تكون اسرائيل هي النواة  ومركز الشرق .
   ما تريده اسرائيل و أميركا  والعملاء و الرجعية هو ان يتحول العراق  ، ساحة خلفية للصراع مع ايران ،باعتبار ايران تنافس اسرائيل في المنطقة و تحول دون ترسيخها وهيمنتها ، وباعتبار ايران حليفا للصين ولروسيا . ايّ ، ايران ركن أساسي في محور مقاومة هيمنة اسرائيل في المنطقة ككيان محتل ، وكذلك ركن أساسي في المحور الروسي الصيني والساعي الى كبح عنجهيّة و إمبريالية الولايات المتحدة الأميركية .
العصر الامريكي في العراق ، والذي بدأَ في عام ٢٠٠٣ ،  ولايزال ،شهدَ ولادة واستفحال ظواهر الارهاب والقتل الطائفي والتهجير والنزوح والفساد وتهرأ المنظومة القيمية ، كل ذلك ولأميركا في العراق القواعد العسكرية والشراكة الاستراتيجية والإرادة السياسية . لم يكْ ممكناً تشكيل حكومة دون الضوء الأخضر الامريكي ، ودون الضوء  الأخضر الإيراني و ضوء المرجعيّة ، ولكن زمن العراق كان و لايزال امريكياً بأمتياز ، والدليل سقوط حكومة السيد عادل عبد المهدي فقط ،بالرغم من ان مطاليب التشرينين ( نسبةً الى تظاهرات و احتجاجات تشرين ) كانت تطالب بتغيير النظام السياسي و إلغاء الأحزاب وإلغاء نتائج المحاصصة ،ايّ تغيير الرئاسات الثلاث وليس فقط رئاسة الوزراء .
لم نحصدْ من ثمار هذا الزرع الامريكي سوى تقهقر الدولة اقتصادياً وسيادياً وسياسياً ومالياً . لا أحد يفّكر كيف أميركا ولمصلحة اسرائيل تطّوق العراق ،فتمنعه من التعامل مع ايران ،مع سوريا ، مع لبنان ، او تخنق الدول التي تحيط بالعراق ، وكيف أميركا تسعى الى فك عزلة اسرائيل في المنطقة و ترغم الدول العربية على الانفتاح على اسرائيل و التطبيع معها ، بل والامتثال لإرادتها و مصالحها السياسية والاقتصادية والمالية والعسكرية !
علينا، في رؤيتنا السياسية، ان نفكر في مصالح العراق قبل ان نفكر في مصالح أميركا  في العراق ،و التي هي، في حقيقة الامر مصالح اسرائيل في العراق .
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى