دولياتسياسة

من يلمّ الأقنعة الأميركية من ساحات العالم غير إسرائيل؟

 

 

*د. نسيم الخوري
خلعت الإنتخابات الرئاسيّة الأميركيّة حللها الدوليّة وبانت في بلادنا بل في العالم وكأنّها قضيّة محليّة. نعم. تجاوز الإهتمام العربي والإسلامي الرسمي والشعبي كلّ الحدود والإنقسامات جواباً على مع من نقف: دونالد ترامب القائل: "لو آل العالم بأجمعه إلى الخراب فلن أخسر دولاراً واحداً أم مع جو بايدن الذي طاردته الفواجع حتّى سمّي أبو الموت؟.
بكلمتين: تسهرأميركا ومعها العالم  منذ الليلة بين الجليد والنار وستتكفّل إسرائيل بالنتائج، إذ تلمّ الأقنعة الأميركية الكثيرة التي هرّت في ساحات العالم بعد عيد الهالاوين.
يعود السبب المباشر لما نحن فيه، إلى أثرالإعلام الشائع في تحريك الرأي العام وتشظّياته من السياسات الأميركيّة في العالم إبّان ولاية ترامب الأولى المثيرة. وقد يعود إلى سلوك الدولة العظمى في تعاملها مع المنطقة في ظلّ تداعيات الهزّات القاسية المستمرّة عصفاً منذ سقوط بغداد في ال2003، وصولاً إلى مستقبل القدس وفلسطين وصفقة العصر ومناخات التطبيع المتقدّمة في الأجواء ومقدمات الأخبار وأسرار الصحف. وقد يعود للإستعراضيّة المتدفّقة اللاصقة بشخصيّة الرئيس ترامب قبل ولايته الأولى وخلالها وتضجّ به حملاته الإنتخابيّة الثانية والتي يمكننني اختصارها من كتابه المعنون "ترامب بلا قناع":
"الإنسان هو أكثر الحيوانات ميلاً إلى الشرّ، والحياة سلسلة من المعارك تنتهي بالنصر أو بالهزيمة فلا تسمح للناس باستغلالك لتؤمّن النصر الدائم". ص. 142-143. كان ترامب مباشراً وفصيحاً في مدى إنكفاء الولايات المتّحدة الأميركية وإنخراطها في التحولات الهائلة المتسارعة التي تشهدها أنظمة الحكم في العالم ولو تحت عنوان أميركا أوّلاً، ولو أرجع هذا العنوان العالم إلى الإنقسام التاريخي الحاد والخطير الذي جعل مستقبل العلاقات الدولية محفوفاً بالتوقّعات المتناقضة والأسئلة الصعبة التي تنتظر إجاباتٍها النهائية عبر الولاية الثانية "المحتّمة" له وإلاّ …
لو عقدنا مقارنة سريعة بين جو بايدن ودونالد ترامب لوقعنا على شخصيتين متباعدتي الأمزجة والرؤى والإنتماءات والحظوظ والمسافات نافرة بين الرجلين:
1- ترامب شخصيّة حارة وحادّة وشعبيّة فاقعة. ترامب إسم لا تضبطه الأطر الحزبية الجمهورية أو غيرها. تتقدّمه صورته اللافتة ببذلاته الداكنة وربطات عنقه الحمراء الناريّة والصفراء وإبهاميه المرفوعين إلى فوق وهو المحاط قبل وأثناء وبعد رئاسته لأميركا بمكلكات الجمال والمظاهر الإستعراضية وبائع الأحلام في عالم الصفقات والتجارة العالميّة. ترامب يهوى الإشاعات الجميلة وكأنّها لا تضرّ أبداً بصفتها تمكّنت منه أو تمكّن منها ناجحاً عبر الثروات والشقق والمطاعم والمكاتب والكازينوهات وناطحات السحاب والسياسات. همّه مسكون بالسلطة الرابعة بإذكاء نيرانها وإثارتها بصفتها الكهرباء الإجتماعية التي يداريها الجميع، لكنّه دؤوب على إخضاعها المستحيل بدلاً من إخمادها وهو ما ينمّ، في تقديري، عن ذكاء خارق في فهم قوّة الإعلام المعاصرة كسلطةٍ أولى مفيدة عند تسخيرها لمصلحته إيجاباً أو سلباً لا فرق.
ليس القرّاء، ربّما على علمٍ من أنّ ماري آن ماكيلود هي والدة دونالد ترامب اسكتلندية الأصل من قرية متواضعة في جزيرة إسمها "تونغ"، كانت تعمل في تربية المواشي والصيد في الخلجان وجمع الفحم وأعشاب البحر سماداً وتنظيف أحشاء الأسماك الضخمة لمصلحة الشركات التجارية المستثمرة في الجزيرة، وعندما اتّخذت قرارها بالرحيل، وهي في الثامنة عشرة ، سجّلت مهنتها "مساعدة منزلية" أي خادمة، قبل أن يسمح لها بالصعود إلى السفينة التي ستقلّها إلى أميركا لتتزوّج هناك من فريد ترامب حفيد حلاّق إلماني، ويرزقان في الرابع من حزيران 1946، بإبنهما الرابع دونالد الذي يقوده الحظ فينقش اسم عائلته عميقاً في سجلّ التاريخ وما ملكه من الثروات والعقارات الناطحات والطائرات والملكات والرئاسات بعدما تذوي أو تمحى قصص أجداده من الذكريات في إلمانيا أو في اسكتلندا.
خرج ترامب الرضيع إذن من رحم إمرأةٍ بسيطة كانت ترضى بالقليل، ولهذا جاءت حياته حافلة بكسب الضجيج والشهرة والثروات والمغامرات وممارسة السلطات بمختلف أوجهها تأكيداً منه بأنّ القليل ليس أفضل من الكثيرعلى الإطلاق: قال: "إنّ من يرضى بالقليل من هذه الدنيا فهو غبي"ص. 266.
2- المرشّح جو بايدن محام ولد قبل سنواتٍ خمس من ترامب( 20 نوفمبر 1942 ) شخصيّة ديمقراطية طموحة رزينة لكنّ الفواجع كانت من نصيبه البائس عبرمسرى حياته. كيف؟
بعد وقتٍ قصير من إنتخابه في ال1972 عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي جاذباً إعجاب الأميركيين بكونه السيناتور المنتخب الأصغر عمراً في تاريخ أميركا ، حتى عاجله القدر بوفاة زوجته وإبنته بحادثة سير مروّعة، وأصيب ولده الأكبر "بو" وعمره سنتان مع شقيقه الأصغر، مما جعل بايدن ينسحب لحياته العائلية، واستمرّ الناخبون يختارونه عضواً في مجلس الشيوح لستّ مرّاتٍ متتالية. ومع أنّه تزوّج للمرّة الثانية في ال1975، وترشّح للإنتخابات الرئاسية في ال1988 و2008 ولم يحالفه الحظ  فقد شغل منصب نائب الرئيس الأميركي باراك حسين أوباما، لكنّه زاهداً بقي يتطلّع إلى تأمين مستقبل ولده "بو" الذي عمل مثله في المحاماة وشغل منصب المدّعي العام، ، لكن القدر خطفه بفاجعة إصابته بسرطان الدماغ وكان يتجهّز لخوض إنتخابات مجلس الشيوخ عن ولاية والده( 31/5/2015).
ومهما جاءت النتيجة، إنّ ما تفرّقه الحظوظ والأقدار والصفات بين المرشحين تردم نتوءاته إسرائيل فيستمرّ المجرى السياسي واحداً.
من يلمّ الأقنعة الأميركية من ساحات العالم غير إسرائيل؟

*كاتب وأستاذ مشرف في المعهد العالي للدكتوراه

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى