سياسةمحليات لبنانية

الانتفاضة وتداعيات الفتنة..


لم تعد القضية وما جرى في الأيام الأخيرة تتعلق بحراك مطلبي له أتباعه ومناصروه، ومعترضون له في أسلوبه والتكتيك والتوجه، بل تعدّى الأمر ليصل إلى حد وقوع فتنة باتت على الابواب تهدد بنيران سيسقط في أتونها الوطن وكل إمكانية لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه. فمن الواضح أن أيادي خفية ظاهرة تحاول إيقاع البلبة بين اللبنانيين، والشيعة والسنة كما في الساعات الماضية، ولا تنفع دائماً كلمات العقلاء، كالمفتش العام المساعد في دار الفتوى الشيخ حسن مرعب والشيخ كاظم عياد والسيد علي فضل الله وغيرهم، في إطفاء النيران المتأججة حيث إن غالبية الناس، وشعبنا منهم، تثير المواقفُ العدائية المتطرفة غرائزها وتشعل من غضبها أكثر مما تكظم المواقف العقلانية والهادئة غيظها وتهدئ من روعها.   
لقد آن الأوان لهذا الحراك أن يعي أن هذا الوطن مستهدف، والمطالب المحقة التي نزل غالبية اللبنانيين لأجل تحقيقها لم تعد الهدف الأساس والواضح، وأحزاب السلطة في مجملهم من الذين دمروا البلاد لعقود طويلة واستثمروا الدماء والأرواح لمكاسبهم السياسية والشخصية، لن يألوا جهداً لكتابة مثل تلك السطور الدموية مجدداً. ومن الواضح أن مثل هذه الفتن المتحركة والمتعددة الأشكال تتواءم مع المواقف الأميركية الاخيرة من شخصيات عديدة مؤثرة أوضحت نواياها لاستغلال الحراك ليكون مطية سوف يحققون من خلالها مآربهم القريبة والبعيدة.
كما آن الأوان للرئيس المستقيل أن ينظر لهذا الوطن بعين العقلانية والمسؤولية والوعي، والابتعاد عن الأساليب الملتوية التي يكسب من خلالها أوراقاً سياسية تقوّي من موقعه السياسي والشعبي والمذهبي. وربما عليه تحدي الضغوط الخارجية بشيء من الفدائية، سواءً أقبلَ التكليف أو رفض، لإنقاذ البلد وما يواجهه وخصوصاً الوضع الأمني الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الحرب الأهلية. ونأمل من المفتي دريان، مفتي الجمهورية اللبنانية، أخذ ذلك بعين الاعتبار.
إن التصدي للأزمة لا يحتمل ترف الوقت عند تشكيل الحكومة العتيدة التي يبدو أنها لن ترى النور في المدى المنظور، وذلك بسبب التعقيدات الطائفية والمذهبية والمناطقية والحصص الموزعة على الأقطاب المختلفة. فعلى الجميع إزالة كل العراقيل المعهودة بعيداً عن المحاصصة والكسب الشخصي واعتبار ما جرى ويجري إنذاراً حقيقياً لخطر حرب أهلية، ويجب ألا نعول على مقولة إن الغرب لا يريد حرباً في لبنان، فبوادر الفتنة التي شهدنا أشباحها لا تترك مجالاً لأي رهان بعيد.
لقد كان أملنا كبيراً في الانتفاضة الوطنية ضد السلطة الفاسدة، وكبر أملنا عندما اجتمع اللبنانيون من كل طائفة ومذهب ومنطقة وحزب وعائلة، لكن أملنا سقط عند واقعية عدم جهوزيتنا للتغيير والوحدة والتحرر، وواقعية ضيق آفاقنا لاستشراف واقع جديد متجدد، فإن انتماءنا للحزب والزعيم والعائلة أكبر من الانتماء للوطن، كما أظهرته الوقائع في كثير من الصور، ويبدو أننا نفتقر قبل كل شيء، إلى ثورة فكرية تحدد المعايير الوطنية والسياسية والاجتماعية، ولذلك فشلنا في إحداث ثورة أو انتفاضة أو حراك. لا شك أنها خيبة مميتة…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى