منوعات

هكذا تُجرى عملية توسيع الشرايين بالبالون والروسور

نتيجة فحص تمييل شرايين القلب أو القسطرة القلبية تعطي الطبيب فكرة دقيقة عن أماكن وجود الانسدادات على الشرايين التّاجية للقلب ،وتؤكد او تنفي الاصابة بهذا المرض. وبعد مناقشة ملف المريض وحالته الصحية وعوامل الخطورة الموجودة عنده والأمراض المزمنة الأخرى التي يعاني منها ،خاصّة لناحية وجود قصور ام لا في عضلة القلب أو وجود قصور حاد أو مزمن في وظيفة الكلى أو الكبد ،وحول امكان تناوله القصير او الطويل الامد للأدوية المضادة للتخثّر التي قد تعرّضه لبعض حالات النزيف بعد العملية، في ضوء ذلك يقرّر طبيب القلب العلاج المناسب الذي من الممكن أن يكون على الشكل التالي:
1-عدم وجود اي مرض في الشرايين التاجية للقلب .وهنا نكتفي ببعض الارشادات الصحية التي نقدمها للمريض، ونعالج فقط عوامل الخطورة الموجودة عنده وننصحه بايقاف التدخين وممارسة الرياضة وتخفيف الوزن ومراقبة الضغط الشرياني ومرض السكري وارتفاع الدهنيات، وقد نعطيه احيانا حبة اسبيرين يوميا وبعض الادوية لتخفيض الدهنيات للوقاية فقط من الحوادث القلبية في حال وجود بعض الترسبات الدهنية او بعض الانسدادات الخفيفة داخل شرايين القلب عنده.
2-علاج دوائي يتضمّن أدوية موسّعة للشرايين مع أدوية مضادة للتخثر وأدوية لتخفيف نسبة الكولسترول في الدم ،اضافة الى أدوية المريض الأخرى التي تعالج مرض ارتفاع الضغط الشرياني ومرض السكري والأمراض الأخرى. وهذه هي حالة المرضى الذين يكون عندهم انسدادات متوسطة في شرايين القلب ،ولكن حالتهم لا تستدعي علاجا تدخليا لأن هذه الانسدادات لا تتجاوز نسبتها ال 50 الى 60% من قطر الشريان.
3-علاج بواسطة تقنيات توسيع الشرايين بالبالون والراسور(علاج تدخلي للقلب)وهو ما سنشرح كيفيّته لاحقا".
4-علاج بواسطة الجراحة القلبية(عملية قلب مفتوح لاجراء ما يعرف بالجسور ألابهرية-التاجية).
وهنا نشير ايضا الى أنّه في مطلع سنة 2019 من الممكن القول أنّ النسبة الكبرى من المرضى ،أي حوالي 70 الى 80% من المرضى، من الممكن لهم أن يستفيدوا من من علاج مرضهم بواسطة تقنيات الطب التّدخلي للقلب(توسيع بالبالون والروسور).أمّا النسبة الباقية منهم وهي نسبة تتراوح بين 20 الى 30%،فهم يخضعون لعمليات القلب المفتوح لاجراء جسور أبهرية تاجية. ذلك لأنّه وكما ذكرنا سابقا ان طب القلب التّدخلي تطوّر كثيرا في السنوات الماضية وأصبح من الممكن حاليا توسيع معظم الانسدادات التي كانت تعتبر في السابق من أخطر الانسدادات لوجودها على فوّهة الشريان الأيسر الذي يسمّى النهر الكبير أو الانسدادات الموجودة على التّفرعات وحتى الانسدادات الشريانية المتكلّسة جدا أو الانسدادات المزمنة(Chronic Occlusion) .ولا يرسل حاليا للجراحة الّا المرضى الذين يكونون في حالة متردّية جدا، أي أنّه يوجد عندهم عدّة انسدادات متتالية ومتكلّسة او طويلة جدا،بحيث تصبح أمكانية نجاح علاجهم بواسطة تقنيات توسيع الشرايين بالبالون والروسور ضئيلة او معدومة او كثيرة المخاطر. كذلك امكانيات معاودة الانسداد كبيرة جدا مما يجعلنا نختار العلاج الجراحي، وخاصة اذا كان المريض يعاني من مرض السكري المزمن وغير المراقب بشكل جيد لان انسدادات الشرايين تكون اكثر تعقيدا وخطورة في هذه الحالة.
أمّا عن كيفيّة اجراء عملية توسيع الشرايين بالبالون والروسور فهي كما شرحنا سابقا" تتم على شكلين مختلفين:
ا-الحالات الباردة:
وهي حالات يقوم بها الطبيب بتوسيع الشريان التاجي المسدود أو المصاب بمرض تصلب الشرايين دون أن يكون هناك ذبحة قلبية، أي أنّ المريض يعاني فقط من آلام صدرية متكرّرة عند القيام بمجهود جسدي معيّن(مشي لفترة معيّنة أو صعود السلالم أو أي نوع من الجهد الجسدي) وهو يكون بحالة مستقرة ولذلك يطلق على مرضه اسم الخناق الصدري المستقر.وهنا دون الدخول في التفاصيل الدقيقة للعملية وكما في حالة التمييل القلبي يتم ادخال سلك معدني رفيع، يدخله طبيب القلب بدقّة متناهية وبطء شديد في داخل الشريان المتضيق ويتجاوز المنطقة المتضيّقة ويوصل هذا السلك الى أقصى منطقة من الممكن أن يصل اليها في هذا الشريان. ويدخل من بعد ذلك أحجاما متعدّدة من البالونات لتوسيع المنطقة المتضيقة عدّة مرّات وتحضيرها بشكل متدرّج لزرع الروسور في داخلها.
ونشير الى ان كل البالونات التي نستعملها خلال هذه العمليات يتم سحبها الى خارج الجسم ولا يبقى منها شيئ  داخل الشريان. بعد ذلك يتم ادخال أنواع متعدّدة من الروسورات (روسور مطلي بالدواء في معظم الحالات كما ذكرنا سابقا) وينفخ البالون الذي يوجد عليه الروسور الى مستوى معيّن لفتحه بالكامل والحصول على نتيجة جيّدة تعيد سيلان او مجرى الدم بشكل طبيعي الى كامل الشريان المتضيق.
وفي سنة 2019 لم يبق هناك عمليات توسيع شرايين تستعمل فقط البالون كما كان في السابق قبل وجود الروسورات ،أي قبل سنة 1986 ،وذلك لأن كل عمليات التوسيع بالبالون يتبعها حاليا زرع روسور أو أكثر في المناطق المسدودة لمنع معاودة انسداد الشريان ،وذلك لأنّ كل الدراسات التي اجريت حتى اليوم اكدت ان الروسورات العادية او  الذكية المطلية بالدواء أثبتت فعاليتها الكبيرة في منع معاودة الانسداد في الشرايين المسدودة، اضافة الى فعالية قوية لها لمعالجة الاطباق المفاجئ للشريان الذي كان يحدث كثيرا في السابق نتيجة تمزق جدار الشريان بعد توسيعه بالبالون فقط، ولان وضع الروسور في داخل الشريان يشكل دعامة قوية تمنع اطباق هذا الأخير. ومن هنا نطلق ايضا اسم الدعامة باللغة العربية على كل الروسورات لانها فعلا تلعب هكذا دور قبل اي شيئ أخر، وهي تلتقط الكتلة الدهنية وتمنعها من تضييق مجرى الشريان، وهذا ما كان ينشده منها اطباء القلب في بدايات استعمالها .
ب-الحالات الحادة او الطارئة:
وهي عمليات يجريها الطبيب لمريض يعاني من حالة ذبحة قلبية أو من حالة خناق صدري غير مستقر. أي أنّه يعاني من الم صدري حاد ومطول مع علامات سريرية وبيولوجية لذبحة قلبية ،او من آلام صدرية متكررة في حالة الراحة مع ارتفاع في خمائر القلب في الدّم. وهي حالات تستوجب ادخاله الى المستشفى والى غرفة العناية الفائقة القلبية تحديدا لأنّ حياته تكون في خطر في هذه الحالة. وهنا لا تعود الحالة باردة كما في الحالة السابقة ويخضع المريض لعملية توسيع الشريان المصاب مباشرة بعد اجراء عمليات التمييل لأنّ حالته الصحية لا تنتظر تأجيل العملية لدقائق او لساعات او لأيّام لاحقة ،ويتوجب علينا فتح الشريان المسبب للازمة في اسرع وقت ممكن، ولا يجب ان نخسر اي دقيقة من الوقت لان اي تاخير قد يؤدي الى ضرر بلغ في عضلة القلب ويعرض المريض للاصابة لاحقا بمرض قصور عضلة القلب، وما يتبع ذلك من اعراض خطيرة سوف نتناولها في مقالات اخرى.
وكما أشرنا سابقا فقد أصبح هذا العلاج هو العلاج الأساسي المعتمد في معظم المستشفيات في لبنان والدول المتقدّمة لمعظم، بل كل حالات الذبحة القلبية ولحالات الخناق الصدري غير المستقر، لانه اثبت انه انقذ وينقذ حياة الملايين من المرضى الذين تعرضوا لهكذا اعراض خطيرة، ولم يعد مسموحا في عصرنا الحالي ترك هؤلاء المرضى يموتون نتيجة اي ظرف كان( عدم وجود تغطية مالية او دفع كفالة مالية عند الدخول الى المستشفى، تاخر عمدي لوصول الطاقم الطبي، عدم توفر العلاج في المستشفى الذي وصل اليه المرض وعدم السعي الى نقله الى مستشفى اخر مجهز لاجراء هكذا عمليات الخ…) .
5-الأعراض الجانبية أو مخاطر عمليات توسيع الشرايين بالبالون والراسور:
أمّا اذا أردنا الاشارة الى مخاطر عمليات توسيع الشرايين بواسطة البالون والروسور ،فهي أصبحت قليلة جدا في الوقت الحاضر، وهي تكون امّا على شكل فشل لعملية التوسيع بسبب وجود تكلّس كبير في الشريان وبالتالي عدم امكانية لفتح الشريان بسبب التكلّسات الشديدة الموجودة داخل هذا الشريان(Severe calcifications). وهناك حالات أخرى يحصل فيها فشل لعملية التوسيع وعدم القدرة على استعادة مجرى او سيلان الدم بشكل طبيعي في داخل الشريان خاصّة اذا ما كان المريض قد حضر الى المستشفى بشكل متأخر عن بداية حصول أعراض الذبحة القلبية.وتسمّى هذه الحالة حالة(No-Reflow) أي أنّ الشريان يفتح بواسطة البالون والروسور ،ولكن الشعيرات الشريانية الصغيرة تبقى مسدودة وبالتالي لا توصّل الدم بشكل طبيعي الى خلايا عضلة القلب ،وهذه الحالة لها علاجاتها الخاصّة دون الدخول في تفاصيلها، لكنّها تحدث أكثر عند المرضى المصابين بحالة الذبحة القلبية الحادة التي يتم علاجها مباشرة بعملية توسيع الشرايين بالبالون والروسور.
لكن بعض المرضى يعانون أحيانا من هذه الحالة التي لا يمكن فيها استعادة  التدفق الطبيعي للدم داخل الشريان ،ويتعرّضون للأعراض الجانبية الناتجة عن هذه الحالة، وهي كارثية في بعض الاحيان او قد تؤدي الى استمرار اعراض الذبحة القلبية ،وبالتالي لتعرض المريض لمخاطر الاصابة بقصور عضلة القلب وما يتبعع من اعراض. وأحيانا أيضا يحصل تمزّق في المنطقة التي توجد فوق أو تحت التضييق الذي تمّ توسيعه بواسطة البالون والروسور. وهنا على الطبيب أن يكون سريعا ويعالج هذه التّمزقات بواسطة روسورات اضافية توضع في أماكن التمزق.
أخيرا هناك بعض الحالات التي يتعرّض فيها المريض لحالة فشل كلوي نتيجة المادة الملوّنة المستعملة في عمليات التوسيع والتي أشرنا سابقا الى أنّها مضرّة بوظيفة الكلى. لذلك فانّ استعمال كميات كبيرة من هذه المادة خلال عملية التوسيع قد يعرّض المريض لحصول حالة فشل كلوي حاد من الممكن أن تستدعي بقاءه في المستشفى لثلاثة أيام أو أربعة أيام اضافية لعلاج هذه الحالة التي يخرج منها عادة العديد من المرضى دون اثار جانبية تذكر. ومن هنا تأتي أهمية أن تكون وظيفة الكلى طبيعية قبل الدخول في عملية التمييل أو عمليات توسيع الشرايين بالبالون والراسور .ولذلك يطلب فحص وظيفة الكلى(Creatinine) عند كل المرضى الذين يخضعون لعمليات تمييل أو لعمليات بالون و روسور. ويتم تحضير المرضى بشكل دقيق قبل العملية في حال وجد طبيب القلب أنّ هناك قصورا أو فشلا كلويا وذلك بالتعاون مع الطبيب المتخصّص بأمراض الكلى.
*طبيب قلب تدخلي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى