رأي

غزة المجروحة لا تموت (حيدر شومان)

 

بقلم حيدر شومان – الحوار نيوز

 

غزة التي تستريح فوق هضبة الآلام التي استمرت من الأيام المثقلة خمسين،لم تستكن ولم ترمِ السلاح وقاومت الظلام البهيم بكل جدارة… وقف إطلاق نار، لا بأس، فالبندقية يجب أن تُزين مجدداً لتصيب الهدف أكثر،وتشق العتمة أكثر، وتحضن المحبين من جديد… فلا شيء أجمل من تلاقي الأحبة بعد فراق حثيث.

تُركت غزة وحيدة في أتون الحرب المستعرة، لم يُعِد الشجب والتنديد ماء وجه للأشقاء الضالين، ولا عقدة ذنب تجول في رؤوسهم الجوفاء، ولا عاطفة حب تنبض بها القلوب السقيمة، ولا يد تمسح الدماء الدافقة عن وجه طفل يُحتضر…

 تُركت غزة وحيدة، ولم تتأفف، ولم تلعن العقوق الوقح، ولم تلم يدي الشقيق اللتين تعانقان الغاصب المحتل، وتدعوان الباري أن يسدد خطاه ليسحق المقاوم الأعزل إلا من كبير عنفوان. غزة لم تستجر بالرمضاء ولا النار، فقد جربت عذابهما من قبل، فالحقد الواقع حاضراً لم يمنع الذاكرة من أن تستعيد قسوة الشر، وإهمال ذوي القربى.

أيام وتستريح غزة، لكنها تعلم أن خلف هذه الأيام، هناك جولة غدر جديدة، من العدو والصديق، وكلاهما يحمل ورقة الذل لتوقع غزة على الخضوع والخنوع.

ولكن… لم يقبل العدو الهدنة، وهو الذي تأمل تحقيق المستحيل، فقد فشل في البحر والجو، وكان السقوط الكبير عند التوغل البري، فالمقاوم علم أن وراء الإبادة نية إخلاء الأرض من سكانها، وأبى السكان ولو على حساب الأرواح والمال والبيوت، أبوا الاستماع لهمزات الشياطين التي تحثهم على الاستسلام مرحلياً، وأن الفرج آتٍ بعد حين. ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، ولا يعاود خطأ ارتكبه فيما مضى بعد ثقته بمن يدعون أنهم أهل القربى، فسقطت العهود والوعود، وذاق الأمرّين بين التقسيم والشتات.

علم المقاوم أن الدفاع عن النفس والأرض والعرض هو السبيل الأوحد، وعليه ألا يخضع للمغريات الناعمة التي يسمعها في كل آن وهي تحثه على إلقاء السلاح، ومد اليد العارية للسلام والأمان والعيش الرغيد في أرض غير الأرض، تعلوه سماء غير السماء، وليترك بيته القديم وذكرياته الحالمة ليعيش في بيت غير البيت الذي حمله عقوداً طويلة عزيزة من السنين.

علم المقاوم أن غير الدفاع عن النفس والأرض والعرض سبيله الهوان والذل والبكاء أخيراً على قارعة العجز والندم، ولهذا تحمل قتل الأهل والأحبة والطفولة، تحمّل الدمار والخراب، تحمل العذاب خمسين يوماً ولما تنته الجولة بعد، تحمل الآلام والصروف القاهرة طالما أن القضية باقية والأرض ستظل تحمله في حناياها والشعب سيبقى حراً أبياً لم يعرف الخنوع…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى