إقتصاد

مؤتمر دعم لبنان .. هل هو طوق النجاة ؟!(محمد فضل الله)

بقلم محمد عبدالله فضل الله*

ليس من مؤتمر عفو الخاطر، فهو يأتي في لحظة استثمار سياسي على إيقاع تسخين الساحة اللبنانية وتبريدها ،ارتباطًا بالسياسة الدولية التي تؤثر في سير الأحداث ورسمها والتحكم بمآلاتها؟!

مؤتمر باريس في 4 أغسطس/ آب دعما للبنان الهادف إلى جمع 350 مليون دولار ،تحدث خلاله العديد من الرؤساء والزعماء متغنين بلبنان وجماله .. المؤتمر هو بمثابة جرعة دعم في وقت خانق تتعرض له البلاد ،ولكن السؤال هل ستكون كافية بحجم هول الكارثة والإنهيار وما الثمن والضمانات مقابل كل ذلك؟

تزامن المؤتمر مع مرور الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت، ويصنف البنك الدولي الانهيار الاقتصادي في لبنان بأنه من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850.

من جهتها تسعى باريس إلى فرض عقوبات على سياسيين لبنانيين في ظل أزمة ثقة بالسلطة ، ومن جهة أخرى تحاول القول بأنه ممنوع الانهيار الشامل ،وتذكر بمبادرتها للحل في لبنان، ولكن هل ستنفع سياسة العصا والجزرة بعد التنسيق الفرنسي الأميركي السعودي في المستنقع اللبناني الذي يبتلع كل شيء وذي الارتدادات السياسية المفاجئة وغير المحسوبة كل آن ؟

تبرعات وتسول معيبان، فسياسيو البلد كرسوا نهج الفساد إلى درجة جعلوا من الدولة واجهة لنفوذهم وأطماعهم. أكنا بحاجة إلى كل هذه الشفقة المسيسة التي يستفيد منها السياسيون محليا ودوليًا على ظهر الناس الشرفاء والمضحين وعلى حساب أمنهم وجوعهم ومعاناتهم ؟

الخوف أن مصيرنا، شئنا أم أبينا ،ربطته الإدراة الأميركية بقوة بقضايا المنطقة ،وبوجه خاص بالملف السوري المتشابك إقليميا والمفتوح على الصراع الأميركي مع جبهة الممانعة ،كما يسمى. فحتى سوريا يراد لها أن تبقى مأزومة مع إثارة القلاقل وتفجير وضعها على هذه الجبهة وتلك، وهو ما ينعكس بطبيعة الحال على أوضاعنا العامة ..

طالما كانت سوريا متنفسًا طبيعيًا للاقتصاد اللبناني ،وهي اليوم قادرة إن خلصت النوايا السياسية اللبنانية على التعاون في ملفات كثيرة ،وأبرزها ملف النازحين الذين يشكلون عبئا ضخما على الواقع العام، ولا بد طبيعيا ومن قبل أي سلطة مراجعته وتزخيمه وفتح قنوات اتصال مباشرة مع الجار السوري بغية تنظيمه على الأقل. وهذا حاليا بعيد في ظل سياسة الضغط المعتمدة من كل الأطراف محليا ودوليا، ولن تستطيع أي حكومة لو تم التأليف حله، إذ لن تكون قادرة ولديها الوقت والبرنامج مع تراكم ما جرى وتحضيرا لربيع انتخابي قادم، لأن حل هذا الملف ليس بأيدي هذه الجماعة السياسية أو تلك، بل بيد الدول المؤثرة في المشهد العام.

ما تزال الوصاية الأميركية قائمة وبقوة اليوم تعويضا عن فشلها في العراق وأفغانستان واليمن. ويبقى إرباك الساحة اللبنانية الخيط الرفيع لهذه الوصاية ،مع هامش تحرك فرنسي. فلا انهيار ولا استقرار ، فلبنان ساحة صراع تطل على كل التجاذبات الإقليمية، وهو يشكل منصة للضغط هنا وهناك من الجميع ..

قدر اللبنانيين أن يدفعوا لعنة التاريخ والجغرافيا حيث هم في الوقت عينه، بعيدون عن الوحدة الحقيقية وطنيا وملتصقون أكثر بعصبياتهم المذهبية والطائفية وليسوا مستعدين للتخلي عنها لصالح التلاقي الحقيقي على بناء مؤسسات تجمعهم، وارتضوا أن يكونوا مع كل ريح تهب شرقا أو غربا تحرك أدوات الصراع إلى حين هدوء العواصف بين اللاعبين الدوليين الكبار ..

وعي اللبنانيين ،هو ما يعول عليه وحده لجهة نبذ كل العصبيات والشعور المناطقي والحزبي والطائفي الضيق والتمسك بشعورهم الوطني وسلمهم الأهلي وعيشهم المشترك الحقيقي والتمسك بعناصر قوتهم في وجه كل مشاريع التوتير والعدوان ،خاصة ما نشهده من تصعيد إسرائيلي خطير يشكل عنصر ضغط إضافيا ومقصودا على الساحة اللبنانية ، وفي هذه الأيام من العام 2006 سجلت المقاومة انتصارا عظيما على العدو مثّل تحولا استراتيجيا غيّر الكثير من المعادلات والتوازنات، واليوم من الضروري حفظ هذه الإنجازات والدماء، مزيدا من التضامن ورفع الحرمان والفقر والإذلال. فهدف أي مقاومة إعادة تشكيل الواقع وفق موازين العدل والحق وتجسيد العزة والكرامة في الحياة من خلال حفظ حقوق الناس وكراماتهم، وهذا ما كان أكده المرجع السيد محمد حسين فضل الله في كلامه للمقاومين الشرفاء :” لقد أعطيتم الأمة معنى الحرية في جهادكم، ومعنى العزة والكرامة في صمودكم، وجددتم العنفوان للمستقبل.. “.

فماذا صنعنا ونصنع اليوم للمستقبل يا ترى ؟ وأين نحن منه ؟

 

الوحدة والوعي والحكمة هي ما يشكل طوق نجاة حاضرا ومستقبلا، وليست صناديق التبرعات وصخب المؤتمرات..

 *كاتب وباحث 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى