العالم العربيسياسة

عن دوافع الهجرة الى السويد ودول أوربية: عندما يتحالف الشيطان مع نفسه !

 

أثار الصديق د. سامر الجمالي من على موقع "التجمع العربي للتنوير" مسألة تستحق النقاش. سوف أحاول تقديم رؤيتي انطلاقًا من كوني اعيش الاغتراب منذ أكثر من ثلاثين عاما وعلى احتكاك دائم بمختلف الجاليات الأجنبية في السويد بحكم عملي أكثر من خمسة عشر عاما موظفا لدى الدولة في مجال الاندماج.  طرح الدكتور سامر السؤال التالي:
ماهي دوافع المهاجر الحقيقة ليتحول من مهاجر من أجل لقمة العيش وشيء من الكرامة إلى أداة متطرفة طيّعة؟

مقدمة
تشهد السويد في السنوات العشر الاخيرة صعود التيارات العنصرية المعادية للأجانب، واليمينية المتطرفة. تبرز لدى محاولة معرفة الاسباب الحقيقية لهذه الظاهرة عدة توجهات:
فريق يقول ان اسباب ذلك يعود الى الازمة الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية التي يعيشها النظام الرأسمالي في حلقاته الأكثر تطورا (الاوربية) وبشكل خاص تجلياته المتوحشة بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وخلو الساحة له، اذ يحاول الانقضاض على كل المكتسبات التي حصل عليها مواطنو تلك البلدان بعد الحرب العالمية الثانية. اعتقد ان النظام الرأسمالي يعيش في أزمة بنيوية حقيقة لإ يمكنه تجاوزها، كما كان يفعل سابقا عبر الترقيع، رشوة الناس بفتات الضمانات الاجتماعية او الحروب الخارجية. النظام الحالي فقد مبررات ومشروعية تواجده ويحتاج لتغييرات بنيوية شاملة تتكون عواملها ببطء …. احد اهم مظاهرها ارهاصات عالم متعدد الأقطاب (دول البريكس مثلا) .
لكن هذه الازمة وإفرازاتها الداخلية من ازدياد البطالة، الجريمة، الفساد، الدعارة وغيرها تشكل تربة خصبة لتزايد التيارات اليمينية المتطرفة والعنصرية طبعا عبر إلصاق كل الآفات به. هناك فريق آخر يقول ان أسباب الازمة وظهور التطرف والعنصرية تعود الى سياسة الهجرة وفتح أبواب السويد امام ما هب ودب وبأعداد كبيرة تفوق طاقة السويد لهضهم، المهاجرون الذين يأتون بأعداد كبيرة غير مدروسة يستفيدون من مزايا المجتمع ويأخذون أماكن عمل السكان الأصليين وهذا المنطق يخلق رأي عام معاد للأجانب عموما ويفضي الى تنامي نفوذ القوى العنصرية واليمينيّة المتطرفة.
للأسف فان سلوك بعض الاجانب يخلق مبررات إضافية لتلك القوى كيف؟
هناك بعض الاجانب الذين دخلوا للسويد كلاجئين يحملون معهم من اوطانهم "ڤيروس" التعصب الديني، الطائفي او الاثني ويحاولون ممارسته، نشره والدعاية له بأشكال مختلفة الامر الذي يعطي سببًا اضافيا لقيام المتطرفين والعنصريين بتخويف المجتمع السويدي من القادم الجديد لكسب أصواتهم .
ان سلوك بعض القادمين الجدد السلبي والمضر هذا، يغطي على المظاهر الإيجابية الكثيرة لآخرين قدموا للسويد وحققوا مكانة جيدة في المجتمع اذ نجد الطبيب، المهندس، المعلم، التاجر، الموظف الناجح بفضل اجتهادهم ومثابرتهم. نضيف لذلك ان فشل سياسة الاندماج للدولة السويدية يساهم ايضا في نشر النزعات المتطرفة والعنصرية. (سياسة الاندماج السويدية ما لها وما عليها تحتاج لوقفة خاصة ).
بعد هذه المقدمة او المدخل السريع نعود لسؤال الصديق سامر .
ان المهاجر القادم للسويد لأسباب مختلفة: هربا من الحرب، من الملاحقة او من الاضطهاد السياسي، الديني او الطائفي او الاثني او لتحسين وضعه المعيشي ….هذا القادم ليس بسوية واحدة ، بمعنى هناك المدني، العلماني المؤهل علميا وهناك المتعصب جدا دينيا او طائفيا .والمتعصب يزداد تعصبًا هنا من جهة بسبب فشل سياسة الاندماج ومن جهة أخرى بسبب المورثات العميقة التي يحملها من مجتمعه الأول .كشفت السلطات السويدية عددا من حالات طالبي اللجوء الذين حصلوا على الإقامة عبر تقديمهم معلومات كاذبة وتبين انهم كانوا يقاتلون مع المنظمات الإسلامية المتطرفة حيث تم تقديمهم للمحاكمة .
قلنا سابقًا ان الدولة العميقة والأجهزة الاستخبارية التي لها اجندات غير معلنة تمامًا في بعض البلدان والمناطق ( مرة تظهر كمدافع عن حقوق الإنسان ، حقوق المرأة والطفل، الديموقراطية او الربيع وووو) هذه القوى تسعى من اجل تنفيذ اجندتها التي تتماهى مع مصالح التجمعات الاحتكارية الكبرى للنفط والسلاح …..تسعى الى تجنيد او لنقل دعم بعض اللاجئين من ذوي الخلفيات المتطرفة من اجل استخدامهم في المناطق الساخنة. ازعم ان تلك الأجهزة تعرفهم بالاسم. هذا من جهة. من جهة اخرى يقوم هؤلاء المتطرفون مستغلين القوانين الديموقراطية بنشر او التبشير بدعوتهم وتجنيد عناصر جديدة .
بكلمة يمكن القول ان اجندة الأجهزة الاستخبارية والدولة العميقة تتلاقى مع اجندة المتطرفين الإسلاميين ويتم التعاون غير المعلن بينهما . بقي ان نشير الى ان هناك بعض السكان الأصليين يقعون في حبائل المتطرفين وينضمون اليهم ….. اما كونهم عاطلين عن العمل او بسبب المال والبعض نتيجة تقصير الأحزاب التقليدية في جذبهم الأمر الذي يؤدي الى وقوعهم في شرك التطرف …كلنا شهود عددً من السويديين الذين انتقلوا الى سورية للقتال الى جانب داعش (هناك دانماركيين ، فرنسيين ، بريطانيين وسواهم ).
اخيرا نقول ان ثمة عوامل عديدة ومتداخلة وراء وقوع بعض المهاجرين في براثن التطرف وتحوله الى اداة بيدها ….اهمها فشل سياسة الاندماج والأزمة البنيوية للنظام الأوربي الحالي اضافة الى دعم وتنشيط المجموعات المتطرفة بمختلف الأشكال والإرث الذي لم تتخلص منه تلك المجموعات تؤدي كلها مجتمعة الى تحولهم الى اداة طيعة بيد اجهزة الاستخبارات الدولية التي تنفذ اجندات محددة .
انه، بكلمة، تحالف الشيطان مع نفسه .

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى