رأيسياسةمحليات لبنانية

لبنان بين الواقع الإنتحاري.. والمرتجى المستحيل(د.عماد عكوش)

بقلم د.عماد عكوش

يعيش لبنان حالة من الإنهيار في الواقع الإقتصادي والمصرفي نتيجة لتراكم الأسباب التي بدأت تظهر بشكل جلي منذ بداية الأزمة السورية، بعد أن كانت الفترة الماضية هي الأساس في تشكيل أسس الإنهيار لكن الإحتفاظ بميزان مدفوعات إيجابي خلال تلك الفترة منع هذا الإنهيار في حينه ، أما الإنهيار هذا فيعود بشكل أساسي الى سببين رئيسين  :

– صراعنا الدائم مع إسرائيل ونتيجتها عقوبات

– نظام حكم ينتج لصوصا

لكن ما يجري اليوم من انهيار مالي ، وواقع مزري إقتصادي ، وفساد سياسي ، وحتى ما نتخبط به اليوم من أزمة صحية متفاقمة كان يمكن مواجهتها بشكل أفضل لو أن الطبقة السياسية قامت بالحد الأدنى من واجباتها فقط من اجتماعات مجلس الوزراء ، وإصدار القوانين اللازمة ، إصدار الموازنة الدورية ، لكن المؤسف أن هذا الحد الأدنى لم تقم به الطبقة السياسية  .

بالعودة للسبب الأول فإن ذكره لا يعني الإستسلام لواقع إسرائيل ، لكن فلنكن موضوعيين ، هل استطاعت إسرائيل نفسها مواجهة هذه العقوبات عندما كان العرب أنفسهم يفرضونها عليها من جانب واحد ويمنعون عنها الأجواء ويفرضون على كل شركة تتعامل معها عقوبات ؟ بالتأكيد إسرائيل لو كانت لوحدها في هذا الصراع لما استطاعت أن تصمد لسنة واحدة ، بل أن وقوف الولايات المتحدة الى جانبها عبر مساعدات كريمة جدا تصل الى خمسة مليار دولار سنويا ، اضافة الى فتح باب تبرع شركاتها الى اسرائيل مقابل إعفائها من ضريبة الدخل ، الى منحها امتيازات جمركية للتصدير ، كل هذا ونحن نتحدث فقط عن الولايات المتحدة الأميركية ، وهذا ما فعلته ألمانيا لتعويض اليهود عن المحرقة وفقا لأدعائهم ، آضافة للإمتيازات الجمركية التي منحها الإتحاد الأوروبي للإقتصاد الإسرائيلي ، كل هذا الدعم هو ما جعل إسرائيل تصمد أمام العقوبات العربية والتي لم يكن ليستهان بها .

نحن اليوم أمام واقع جديد ، عقوبات تفرض علينا ، وهي عقوبات أقسى من العقوبات التي فرضتها الدول العربية على إسرائيل ، وعلى الشركات التي تعاملت مع إسرائيل ، وبنفس الوقت هذه العقوبات لن يقف أحد الى جانبك فيها ، بل على العكس هناك تجمع عربي بالمقابل يساعد في هذه العقوبات عبر حرمانك من مورد مهم يمد الإقتصاد اللبناني بالمال وهو مورد المغتربين والتحويلات الخارجية . طبعا الدعوة ليست للإستسلام ، لكن الإستمرار في هذا الخيار دون إيجاد البدائل ، ودون وجود عوامل مساعدة على هذه المواجهة هو إنتحار جماعي ، ويقع في مقدمة هذه العوامل ربط إقتصادات دول الممانعة ببعضها ، فهل نحن قادرون على ذلك ؟

في رأيي نحن أعجز من أن نفتح طريق سوريا الى العراق ، أو حتى إعادة الحياة الى أنبوب نفط كركوك ، فكيف سنقيم هذا الربط  ؟

أما السبب الثاني لما نحن فيه والذي لا يمكن معالجته فقط بمعالجة السبب الأول، فهو هذا النظام السياسي الذي يخلق اللصوص ، ويبدع في إبتكار أساليب الفساد . لا تصدقوا أيها اللبنانيون أنه يمكن حل مشكلة لبنان بخلع هذه الطبقة السياسية والإتيان بطبقة جديدة ،والأمثلة على ذلك كثيرة . فكل حزب اشترك في الحكم كان يرفع قبل اشتراكه بالحكم لواء الإصلاح ومحاربة الفساد ، وعندما اشترك في الحكم دخل في المحاصصة كغيره من الأحزاب الحاكمة، لا بل ذهب بعيدا الى حد إيقاف نتائج إمتحانات لمجالس رقابية لمجرد ان النتيجة لم تكن تصب في مصلحة نيل حصة وازنة له في الوظائف ،والحجة جاهزة وهي التوازن ، ووصلت أمور المحاصصة الى كل الوظائف حتى الجيش اللبناني والقضاء ، فكيف يبنى وطن على قاعدة المحاصصة وعدم العدالة بين اللبنانيين ، وعدم إعطاء نفس الفرصة لكل لبناني وفقا للمادة الأولى من الدستور والتي تنص على المساوات بين جميع اللبنانيين في الحقوق والواجبات ؟

إن عدم الإستماع لصوت العقل في هذين السببين سيؤدي بنا الى الإنتحار الجماعي ، والهجرة الجماعية المؤكدة من لبنان ، وللبنانيين فقط . لبنان سيفرغ من سكانه اللبنانيين إذا ما استمر هذا الواقع على حاله ، فماذا ستختارون ، وكيف ستعالجون هذين السببين  أيتها الأحزاب الحاكمة ؟؟؟

من هنا كانت دعوتي الى اعتماد النظام العلماني في لبنان كونه النظام الوحيد الذي يمكن أن يوحد 18 طائفة متناقضة تسعى كل واحدة منها الى إثبات ذاتها من خلال تمسكها بإمتيازاتها بحجة الحفاظ على وجودها حتى لا تذوب  ، ويمكن من خلال هذا النظام تجاوز عامل الخوف من الآخر .

ومن هنا كانت دعوتي لاعتماد اللامركزية الأدارية الموسعة باعتماد المحافظات الكبرى كمراكز إدارية أذا كنا غير قادرين على تجاوز عامل الخوف الطائفي ،مع اعتماد الديمقراطية الكاملة في تشكيل السلطات المحلية في كل محافظة كبرى وإلغاء طائفية الوظائف واعتماد مجلس الخدمة المدنية فقط كباب إلزامي للتعيينات الوظيفية سواء في الإدارة ، القضاء ، وحتى الأجهزة العسكرية المحلية في المحافظات . الخوف من اللامركزية غير مبرر ولعله يكون بابا لتوحيد بقية المنطقة على أسس ديمقراطية بدلا من الإستمرار في الخوف من الآخر .

هذا ما طرحته سابقا، ومن يملك أفضل من هذه الحلول فليقدمها.نحن طلاب عقل وتحاور ولسنا هواة فرض الأمور على الناس . نحن طلاب حياة ولسنا هواة إنتحار .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى