العالم العربيسياسة

زواج بالإكراه بين أميركا والعراق: حقائق ووقائع لنا وللأجيال(جواد الهنداوي)

 

د.جواد الهنداوي – الحوارنيوز – خاص

     

 أحملُ  السؤال في رَحمِ الافكار، ومنذُ ثلاثة عقود، ولكنهُ عصّيٌ على الولادة. وقد أكونَ على يقين بأنَّ الادارات الأميركية التي تعاقبت، ومنذ الرئيس بوش الاب، عام ١٩٨٩، وليومنا هذا، تبحثُ، هي الاخرى،عن الاجابة على السؤال، موضوع المقال.

منذُ أنْ ورثت الولايات المتحدة الأميركية، مِنْ بريطانيا العظمى، تركة الشرق الاوسط وملفاته وواجب رعاية اسرائيل وحمايتها، بداية ستينيات القرن الماضي، حَملتْ أميركا، في جوفها، جنين زوال هيبتها ومكانتها وهيمنتها.

كَبُرَ الجنين، عقدا بعد عقد، حربا بعد حرب، منذُ حرب فيتنام، وحروب افغانستان والعراق، ومعارك اليوم في شرق سوريا وعلى الشريط الحدودي السوري العراقي، ودخلت أميركا في نفق التيه، لعلها تبحث عن زاوية لولادة جنينها. وولادته هي إعلان عن إحتضار هيمنتها على العالم. لم يبقْ لدى أميركا غير سلاحين، وخاصة تجاه دول منطقتنا: الحرب والدولار، وهي الآن تستخدم الثاني(لبنان، سوريا، العراق، تركيا، مصر)، عقوبات وتدمير الاقتصاد للبنان ولسوريا، وإبتزاز وتحذير للدول الثلاث المذكورة. وتحشد عسكريا بّراً و جواً وبحراً وخاصة في شرق الفرات والحدود الشريطي لسوريا وتركيا، و المثلث الحدودي بين العراق والاردن و سوريا ،كي تهدّدْ بسلاح الحرب .

أعودُ الى السؤال، عنوان المقال.

هل حرصتْ (ولا أقول سعت)  أميركا، في الماضي وفي عهد النظام السابق، وهل تحرص في الوقت الحاضر على مصلحة العراق؟

كُلّْ الاحداث والوقائع التاريخية تؤكد بأنَّ أميركا سعت، في وقت النظام السابق الى ايقاع أكبر ضرر ممكن بالعراق. غرّرت بالنظام السابق لشنْ الحرب على ايران، وسعتْ هي و حلفاؤها لإطالة أمد الحرب، والجميع يعرف ما كانت تنتظره أميركا واسرائيل وحلفاؤهما من الحرب العراقية -الايرانية. جاءت نتائج الحرب، بخلاف ما تنتظره أميركا  وحلفاؤها، حيث انتهت بعسكرة العراق، ومديونيته ،واستهلاك احتياطه النقدي وتدمير اقتصاده ، وبصمود ايران وتقدمها العسكري ،وترسيخ النظام والحرس الثوري.

ولتدمير الآلة العسكرية العراقية، وتدمير ما تبقى من امكانات العراق الاقتصادية ،وتمرير مشاريع هيمنة وسيطرة أميركا واسرائيل على العراق وعلى المنطقة، ضلّلو النظام السابق واستدرجوه في مصيدة “إحتلال الكويت”، كما وكان لديكتاتورية النظام  واستبداده قدر كبير في نجاح الخطط الأميركية الصهيونية، والتي استهدفت العراق كدولة وكشعب، وليس رأس النظام فقط، فتمَ تمرير مشروع حصار العراق  وترسيم الحدود بما لا يطابق الموروث التاريخي والموثق دولياً للحدود بين العراق والكويت، وبما لا يتماشى مع ميثاق الامم المتحدة، الذي لا تمنح بنوده صلاحية لمجلس الامن الدولي في ترسيم الحدود. وكان لبريطانيا دور كبير في الترسيم لتقديمها خارطة حدود بين العراق والكويت، حديثة ولم تُعرفْ من قبل، لا من الطرف العراقي، ولا من الطرف الكويتي، وتمّ تقديم هذه الخارطة من قبل ممثل المملكة المتحدة في مجلس الامن بإعتبارها من ضمن الادوات المناسبة لترسيم الحدود.

وما نكتبه ليس تحليلا وانما معلومات موثقّة في قرارات مجلس الامن وفي الوثائق وفي المراسلات المتبادلة بين مجلس الامن وخبراء الامم المتحدة في لجنة ترسيم الحدود، وبين مندوبي الدول وخاصة مندوب العراق في الامم المتحدة السيد عبد الامير الانباري، ووردَت الاشارة الى هذه الخارطة والاعتراض على اعتمادها، في رسالة وزرير خارجية العراق حينها، السيد احمد حسين.

 اذاً، لم تكتفْ أميركا بالسماح للنظام بقمع الانتفاضة وحصار وتجويع الشعب و فرض قرارات، بواسطة مجلس الامن، وبتنفيذ الامين العام للأمم المتحدة (السيد بطرس بطرس غالي)، قرارات مجحفة في ترسيم الحدود ،في التعويضات، وحتى في تمويل نصف نفقات عمل اللجنة التي شُكلّت لترسيم الحدود، والتي امتنع العراق عن المشاركة فيها !

 خداع ومكر الأميركان، وتشبث النظام السابق بالسلطة وظّنه بأن تطبيقه للقرارات الصادرة من مجلس الامن، والظالمة والمجحفة بحق العراق وشعبه، سيجعلانه بمأمن من أي اعتداء أو حرب. ظنَّ النظام السابق أنَّ تطبيقه لقرارات مجلس الامن المجحفة بحق سيادة وجغرافية وشعب العراق هو ثمن بقائه في السلطة، وضمان له من أي اعتداء أو حرب.

الأميركان ومن خلفهم لم يخدعوا النظام السابق فقط، وإنما خدعوا العراق وشعب العراق مرتيّن: الاولى في الانتفاضة الشعبانية، حيث دعت الادارة الأميركية حينها الشعب العراقي للثورة ضّدَ النظام، وحين انتفّضّ الشعب، سمحوا للنظام بقمع الانتفاضة، والمرّة الثانية حين استغلوا حاجة النظام للبقاء في السلطة، فسمحوا له بالبقاء، فمرّروا من خلاله تطبيق قرارات مجحفة وظالمة، لم يكْ بمقدورهم تمريرها في ظّلِ  نظام سياسي جديد مدعوم من قبلهم كالذي جاء بعد عام ٢٠٠٣.

هذا ما عمله الاصدقاء الأميركان للعراق ولشعبه، في عهد النظام السابق، وذكرنا الوقائع بإختصار شديد. استخدم الأميركان استبداد ودكتاتورية وحروب النظام لغرض تدمير العراق ، و أمعنوا في ذلك ، وإلاّ لكان بمقدور قوات التحالف الدولي التي حرّرت الكويت، الاطاحة بالنظام السابق ، او عدم السماح للنظام باستخدام طائراته التي قمعت الانتفاضة .

 وظّفَ الأميركان الفترة بين ١٩٩١ (تحرير الكويت) و ٢٠٠٣ (اسقاط النظام) ، لغرض فرض قرارات مجلس الامن، و لاتمام تدمير ما بقي من بنى تحتيّة وثروات في العراق، ولتكبيله بقيود وبالتزامات تنتقص وليومنا هذا من سيادته و مكانته.

مضى عقدان على سقوط النظام ، ومن حقّنا ان نتساءل، هل ثمّة ثقة متبادلة بين العراق و الادارة الأميركية؟

هل لمكونات الشعب العراقي ثقة في الادارة الأميركية او في السياسة الأميركية تجاههم ؟ هل للشيعة ثقة ،وهل للكرد ثقة، وهل للسنّة ثقة ؟

بينهم وبين الادارة الأميركية (أو السياسة الاميركية مهما اختلفت الادارات) زواج بالإكراه، أوزواج منقطع وعند الحاجة ، والميتّم من هذا الزواج هو العراق وطن  ودولة .

لو كان يعلم قادة النظام السابق بأنَّه ،وبعدَ تحرير الكويت ،تنتظرهم حرب و احتلال واسقاط لنظامهم ،لما وافقوا وطبقوا قرارات مجلس الامن و الامم المتحدة .

وهذه عِبرة لقادة اليوم برفض الرضوخ للاملاءات المفروضة ، والتمسك بسيادة العراق وبالاعتماد على ارادة الشعب ، والايمان بأن مستقبل العراق هو مَنْ مستقبل المنطقة ،و أنَّ أمن واستقرار العراق هو من أمن و استقرار المنطقة ،شريطة ان يكون هذا الايمان مشفوعا بارادة واعية ورافضة للرضوخ وقادرة على التحدي.

*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى