سياسةمحليات لبنانية

التلوث البيئي في الكورة: ارتفاع نسب الإصابة بالسرطان .. ماذا يقول الأهالي وأصحاب المصانع؟

 

تحقيق ميشالا ساسين
أعدت الزميلة ميشالا ساسين من الوكالة الوطنية للإعلام تحقيقا عن التلوث البيئي في منطقة الكورة كاشفة عن ارتفاع نسب الإصابة بالسرطان في بعض القرى المجاورة لعدد من المصانع والكسارات فضلا عن التشوه الكبير الحاصل في البيئة والطبيعة الكورانية.
ونظرا لهمية التحقيق تنشر "الحوارنيوز" التحقيق كما جاء في الوكالة الوطنية.

"مصانع الموت القاتل"، عبارة يرددها الكورانيون يوميا بسبب معاناتهم اليومية من التلوث البيئي الناجم عن مقالع معامل الاسمنت ومصانعها، وأضرار هذا التلوث على صحتهم الجسدية والنفسية وتهديده حياتهم وحياة سكان الكورة عموما. كما يروي السكان أنه لا يخلو بيت في قرى قضاء الكورة وبلداته من إصابة أو أكثر بمرض السرطان، بخاصة المحيطة بهذه المصانع، وهي فيع وبترومين وشكا وبرغون وبدبهون وزكرون وكفرحزير، وقد سجلت في هذه القرى نسبة عالية من الاصابة بالسرطان والامراض الصدرية والتشوهات الجينية.

تتواصل الوقفات الاحتجاجية البيئية في الكورة ضد طريقة عمل هذه المعامل والأضرار البيئية والصحية الناجمة عنها، وكان آخرها الاعتصام الذي نفذه الائتلاف الشعبي ضد المقالع والكسارات ومصانع الاسمنت بمناسبة اليوم العالمي لسرطان الاطفال شارك فيه ممثلون عن الهيئات البيئية قرب شركة الترابة الوطنية (السبع)، وأكد الائتلاف في خلال الاعتصام أن "هذه المصانع هي مصانع موت قاتلة تحصد الأرواح بالتوازي مع حصادها المال ودمارها للبيئة وتشويهها للطبيعة وتلويثها للمياه والهواء وبالتالي إلحاق الدمار الشامل بالمنطقة واهلها وانطلاقا مما تقدم وبعد تفاقم حالات الامراض ولا سيما السرطانية منها والصدرية وغيرها وجميعها تتسبب به هذه المصانع حتى غدت المنطقة منكوبة صحيا بحيث ان نسبة الإصابة بالسرطان اصبحت عالية جدا".

كما شارك أهالي الكورة في الاعتصام معبرين عن أسفهم بارتكاب شركات الاسمنت المجازر البيئية والصحية بحقهم وطالبوا بإقفال المقالع والشركات كما طالبوا الدولة والحكومة الجديدة وفيها اربعة وزراء من الكورة بالتحرك وانقاذهم من الذوبان بالسرطان ونقل المصانع من المنطقة".

جريج
ويقول الباحث والناشط في قضايا البيئة والتراث والتنمية حافظ جريج :" المطلوب تحرير ساحل الكورة وتلالها من صناعة الاسمنت ومقالعها ومن اي صناعات ذات اضرار مماثلة، وذلك لتحسين القيمة العقارية للأراضي وترتيبها بتنظيم مدني جديد، مناطق خضراء بين سياحية و سكنية وزراعية".

وتابع :"كفى استهتارا بأرض الكورة لا سيما الشواطئ والتلال المشرفة على البحر التي جعلتها المقالع تفقد قيمتها المالية والصحية والجمالية، نريد إعادة الاعتبار إليها لإنشاء تنمية صالحة تنسجم مع خصائصها لاستثمارها في مجالات صالحة للبيئة والإنسان والموارد الطبيعية برا وبحرا".

وقال:" كفى استهتارا وتساهلا على التنظيم المدني أن ينقذ المنطقة المنكوبة بتنظيم أفضل مع تنفيذ ما اجمع عليه المجلس الوطني للمقالع والكسارات بنقلها الى سلسلة لبنان الشرقية، وأضيف هنا أهمية تحديد مناطق صناعية فيها لا سيما صناعة الأسمنت مع إعادة تأهيل السكك الحديد لنقل الإنتاج الى محطات تجميع في لبنان وسوريا ، والا والاستيراد يكون هو الحل اذا لم يتم تكريس السلسلة الشرقية والقطار لحل مشكلة صناعة الأسمنت في الكورة ولبنان ، وفي هذا تنمية لمنطقة البقاع شرط إنشاء المصانع الجديدة بمواصفات صحيحة وادارة سليمة".

وأكد "ان مصانع الأسمنت في الكورة ولبنان تملك مساحة من مئات الآلاف من الأراضي الصالحة للمشاريع السياحية او السكنية او الزراعية بعد تحريرها مع مقالعها وبذلك تتوفر فرص عمل جديدة كثيرة للعمال والموظفين الذين يتخذهم أصحاب المصانع درعا لحماية صناعاتهم بحجة أنهم يصبحون عاطلين عن العمل".

وسأل جريج: أيهما افضل أن يعملوا بين الغبار والضجيج والتلوث أم في مشاريع جديدة خالية من هذه المصائب؟! وقال:" لا أحد ينكر ما لصناعة الأسمنت من قوة اقتصادية عمالية في لبنان ولكن لا يجوز أن ننكر ما لصناعة الصحة من اقتصاد وطني كبير وعند المقارنة والمفاضلة من الحكمة والعدالة والتوفير أن نختار صناعة الصحة، صحة الإنسان والبيئة والموارد البشرية والزراعية والطبيعية والسياحية، وهنا اذا تعذر الإصلاح الصناعي سيكون إستيراد الأسمنت هو الأسهل والاوفر على المستهلك وعلى المنتج أيضا .

وختم :"كفى تهميشا واهمالا لمعاناة الكورة من صناعة الأسمنت ومقالعها. نتوخى من الحكومة الجديدة أن ترفع الغطاء السياسي عن السلوك الصناعي السيء وتتخذ الإجراءات الحازمة لإصلاح ما ارتكبته حكومات الفساد في حق البيئة والصناعة والإنسان في الكورة وكل لبنان".


الغلام
وروى الرئيس السابق لبلدية زكرون مارسيل الغلام أن نسبة الإصابة في السرطان في القرية تفوق ال 40 في المئة من نسبة السكان حيث تعاني القرية على الصعيد البيئي من التلوث الناجم عن عمل المقالع والكسارات التابعة لمعامل الاسمنت وغيرها من المصانع الموجودة بين شكا وانفه، مشيرا الى انه اضافة الى الضرر الصحي، فقد تعرضت المزروعات لضرر كبير، وقد فقدنا الكثير منها ابرزها الاجاص والعنب والتين واللوز التي اشتهرت فيها زكرون منذ القدم بسبب الغبار الناجم عن المصانع بحيث تشعر أن المنطقة وخاصة في فصل الصيف مغطاة بالكامل بالغبار وهذا كله ناجم عن الفساد في المجتمع وتقاسم الحصص".

للشركات نظرة مختلفة
وتختلف نظرة الشركات عن نظرة الشارع، ويؤكد المدير الاداري في شركة الترابة الوطنية (السبع) روجيه حداد أن " هناك مفهوما خاطئا عن تدمير الكورة وعن الإصابة بالسرطان في المنطقة ، فالمعتصمون الذين نفذوا وقفات احتجاجية أمام شركات الترابة قد اختاروا المكان الخطأ، فلا شيء يثبت علميا أن عمل شركات الترابة يسبب مرض السرطان او تشوهات جينية، فالعديد من الدراسات والمنظمات الدولية لا سيما VDZ تؤكد أنه لا يوجد أي رابط بين صناعة الإسمنت و وجود حالات إصابة بالسرطان في محيط شركات الترابة".

وتابع: "إن شركات الاترنيت هي التي تسبب مرض السرطان MESOTHELIOMA وقد تم إثبات ذلك وتم ايقافها في كل أنحاء العالم بقرارات قضائية، أما شركات الترابة لا تزال تعمل في جميع أنحاء العالم و لم يقفل أي مصنع إستنادا إلى الأبحاث التي قامت بها منظمات دولية المجلة الطبية البريطانية BRITISH MEDICAL JOURNAL "BMJ".

وتابع: "هناك تواصل دائم مع وزارتي الصناعة والبيئة ونحن نعمل ضمن المواصفات اللبنانية والعالمية"، والمرجعية المختصة في هذا القطاع هي لوزارة البيئة".

وقال: "إن وزير البيئة السابق فادي جريصاتي كلف خمس شركات أجنبية CONSORTIUM بالكشف على المقالع في قضاء الكورة تعمل على دراسة خطة ما اذا كانت هذه المقالع تستوفية الشروط البيئية أو انها تحتاج الى تحسينات معينة، ويفترض تقديم التقرير النهائي قريبا لوزارة البيئة".

أضاف: "لدينا فريق عمل يجول على البلديات في الكورة يقدم شرحا عن طريقة عمل الشركة كي نتمكن من إقناع الناس أن هناك أفكارا خاطئة انتشرت عن عمل المصانع والمقالع، وقد قدمنا العديد من الدراسات للبلديات".

وختم:" نحن نعمل ضمن الأطر القانونية والقوانين المرعية، ونعمل حاليا على زرع أنواع عدة من الأشجار في مكان عمل المقالع المستثمرة في كفرحزير وبدبهون، ونعمل منذ فترة على تسريع وتكثيف عملية التشجير حيث زرعنا في الأعوام الثلاثة الأخيرة حوالى 5000 شجرة على مساحة حوالى 90,000 متر مربع وذلك في إطار المسؤولية تجاه المجتمع وتجاه أنفسنا".

بين رأي أهالي المنطقة ورأي الشركات يبقى المواطن الكوراني الضحية وتبقى الكورة وبيئتها في مهب الريح، ويبقى السؤال: هل بإقفال المعامل في الكورة وشكا تحل المشكلة أم أن العائلات الكورانية ستقع في مشكلة جديدة الا وهي إقفال بيوت وتهجير عائلاتها بعدما تسريحهم من وظائفهم؟.


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى