العالم العربيسياسة

الأبعاد الاستراتيجيه لهزائم حارس مرمى الناتو المتعددة المستويات..!

 


محمد صادق الحسيني
لا شك ان حارس مرمى الناتو رجب طيب اردوغان قد وصل الى موسكو مجرداً من اي أوراق قوة ، سواءً كانت سياسية او عسكريه ، يمكنه ان يستخدمها في محادثاته مع الرئيس الروسي  فلاديمير بوتين .
ولا شك ان الكلمة المقتضبة ، التي افتتح بها اللقاء بين الرئيسين ، تعبر عن واقع الحال ، حيث اضطر اردوغان المنكسر الى القول بصريح العبارة ان لقاءهما قد تأجل بسبب مشاغل الرئيس بوتين ، ما يعني الاعتراف المباشر بان الرئيس بوتين هو ( باسمه وباسم حلف المقاومه طبعاً ) من يضع النقاط على الحروف ويحدد السقوف بعد ملحمة سراقب الاستراتيجية.
وهذا بالضبط ما يعكسه الواقع الميداني ، ليس فقط على مسرح العمليات السوري وانما على مسرح العمليات على كافة الجبهات ، من ايران مروراً باليمن والعراق وصولاً الى لبنان وفلسطين .
لذا فان المثل الذي ينطبق تماماً على اردوغان بعد معارك ادلب وحلب  يقول : "يا ريتك يا أبا زيد ما غزيت "..!
ذلك لأن اردوغان ، الذي كان يهدد ويتوعد الجيش العربي السوري بعملية عسكرية واسعة النطاق تجبره على التراجع الى خطوط معينه ، قد سجل فشلاً ذريعاً في تنفيذ تهديداته .
فالجيش  السوري  مضى محرراً حازماً و لا زال ، وسيواصل ، تنفيذ عملياته العسكريه الواسعه ضد القوى الارهابية ، التي يتماهى معها اردوغان وبعض وحدات جيشه ، وهو ما يعني فشل استراتيجية اردوغان ، التي كان يهدف من ورائها الى تحقيق هدف الصدمة والترويع في صفوف القوات المشتركه ، من خلال الضربات الجويه النوعيه بواسطة الطائرات المسيره ، وبالتالي بظنه التسبب في انهيار خطوط هذه القوات ووقف زخم هجومها على مواقع المسلحين الارهابيين ، ما يتيح له الفرصه بشن هجوم شامل على وحدات القوات المشتركه المهاجمة وعلى مواقعها الثابتة وخطوط إمداداتها ،وذلك بهدف دفعها الى التراجع حتى جنوب خان شيخون كما كان يحلم السلطان العثماني  …!
لكن حسابات البيدر لم تتطابق مع حسابات الحقل الاردوغاني وذلك للاسباب التاليه :

1. فشل اردوغان في قراءة طبيعة العلاقات التي تحكم أطراف القوات المشتركه ( الجيش العربي السوري وحزب الله والمستشارين الإيرانيين وبقية فصائل المقاومه ) وكذلك علاقة روسيا ومصالحها ، التي دفعتها للتدخل عسكرياً لدعم الدولة السوريه ومنع المعسكر الصهيو- اميركي من السيطرة عليها .
اذ ان دوافع الدولة الروسيه لم تكن انتهازية  وبدوافع مؤقتة على الإطلاق ، بل انها كانت ، ومنذ البدايه ذات منطلق استراتيجي ، تهدف الى تغيير موازين القوى الدوليه لصالح الاستقرار والأمن الضروريين للتنمية والتطوير للخرائط على مستوى العالم . بالاضافة الى ان مشاركة عشرات آلاف المسلحين الارهابيين ، من دول الاتحاد السوفييتي السابقه الواقعه على حدود روسيا الجنوبيه ، تشكل تهديداً امنياً مباشراً للامن القومي الروسي لا يمكن لروسيا ان تقبل به او تسكت عليه .
2.  كان على اردوغان ان يحسن قراءة طبيعة الصراع ، في الميدان السوري على وجه الخصوص ، وطبيعة علاقات القوى الفاعلة فيه .  والان  عليه ان يفهم ، مرة والى الأبد ، بان وقف إطلاق النار ، الذي أعلن عنه مع الرئيس بوتين مساء يوم الخميس ٥/٣/٢٠٢٠ ، ليس سوى استراحة محارب، وذلك لان روسيا ، عدا عن سورية وحلفائها ، لا يمكن لها ان تقبل باستمرار وجود ما يزيد على ٢٥ الف ارهابي مسلح ، من جمهوريات السوفييت السابقه، في منطقة ادلب . وهذا يعني ان على اردوغان ان يفهم ماذا تعني روسيا بقولها : يجب القضاء على الاٍرهاب في ادلب . فهذا يعني ان القوات المشتركه ستواصل عملياتها العسكريه ، حتى تحرير كل محافظة ادلب ، ورغماً عن انف اردوغان .
3. كما لا بد من التأكيد على ان السبب الرئيسي ، لفشل حسابات اردوغان ، كانت الكفاءه القتاليه المنقطعة النظير للقوات المشتركه ، سواءً على جبهة سراقب او على جبهة جنوب غرب ادلب ، حيث تنفذ هذه القوات عمليات استراتيجية واسعة النطاق ، على الرغم من سقوط عدد من الشهداء ، من الجيش العربي السوري وحزب الله ، في محاور حلب ، من خلال الضربة الجويه التركية التي نفذتها طائرة مسيرة ، قامت القوات المشتركة ، والايرانية منها على وجه الخصوص ، باتخاذ الاجراءات الفنيه التقنيه للحيلولة دون تكرار مثل تلك الضربه من جانب ، وإبلاغ اردوغان بان سلاح الطائرات التركيه المسيرة قد تم تحييده تماماً ،و بإبلاغ الجهات المعنيه في ان القوات المشتركه اصبحت قادرة على اعادة توجيه الطائرات التركيه المسيره وجعلها تقصف أهدافاً في انقره واستنبول .
وهو ما ادى الى وقف استخدام هذه الطائرات ، بشكل كامل منذ اليوم التالي لعملية اغتيال شهداء الجيش العربي السوري وحزب الله . وهي بالمناسبه عملية غدر واغتيال ، مارسها اردوغان على الطريقة الاسرائيليه المستخدمة ضد قيادات وكوادر المقاومه في فلسطين ولبنان وسورية .
4.  فشل اردوغان وقيادته العسكريه في قراءة وفهم القواعد التكتيكيه والأبعاد الاستراتيجيه لخطط القوات المشتركه ولقدراتها العاليه على تنفيذ عمليات نوعيه ذات تداعيات استراتيجية كبيره ، لا تقتصر على مسرح العمليات في سورية ، وانما لها تأثير مباشر وعميق على مسرح العمليات المركزي في المنطقه ، الا وهو مسرح العمليات على اليابسة الفلسطينية .
فبعد الانسحاب التكتيكي للجيش العربي السوري من مدينة سراقب ، الذي اعتقد اردوغان ورهطه انه تراجع  ينم عن ضعف، فقد قامت القوات المشتركه لحلف المقاومه ، وبالتحديد لواء الرضوان ، من القوات الخاصه التابعة لحزب الله ،  بشن هجوم ليلي شامل على المدينة ، مستخدمة اجهزة رؤيا ليليه لا مثيل لها ، دون الدخول في الحديث عن مواصفاتها التقنية ، تحيل الليل نهاراً ، ولا يمتلكها حتى الجيش الاسرائيلي نفسه . وذلك في اطار محاكاة قوات الرضوان لتنفيذ عملية هجوم واسعة النطاق ، داخل الجليل الفلسطيني المحتل ، ليلاً والتخندق والتحصن ، بعد انجاز السيطرة على الارض ، اي اقامة مواقع دفاعيه والتثبت في الارض ، استعداداً للدفاع عنها صباح اليوم التالي .
5.  فِي خلاصة الامر فان اردوغان سيبقى محكوماً لنتائج الميدان السوري ، الذي يفرض عليه اعادة قراءة الواقع ، خاصة في ظل الارتدادات العميقه ، التي خلفها فشل خطط حارس مرمى الناتو العدوانيه في سورية ، على الداخل التركي . وما الاشتباكات والتعارك العنيف ، التي حدثت داخل البرلمان التركي بعد ذلك بين أعضاء من حزب اردوغان وأعضاء من احزاب المعارضه ، الا تعبيراً عن حالة الرفض لسياسات الطاغية الارعن والغضب الذي يسود المجتمع التركي ، الذي ينظر بدوره الى ضرورة تصحيح مسار السياسه الخارجيه التركيه والعوده الى اتباع سياسة حسن جوار مع كل الدول المحيطة بتركيا ، الامر الذي عبر عنه الرئيس التركي السابق ، عبد الله غول ، حينما قال : "ان الاسلام السياسي قد فشل ويجب العودة الى سياسة خارجية تركية واقعية قابلة للتطبيق ".
وهكذا يكون اردوغان قد اوصل نفسه الى محطة اللاعودة في المسرح السياسي والديبلوماسي الداخلي والخارجي بعد ان تخبط بما فيه الكفاية في اوحال مستنقع القوى الارهابية واسيادهم الدوليين الذين نصبوا له المصيدة وتركوه يقع فيها وتخلوا عنه كما يتخلى رؤساء العصابات عن اشقياء الاحياء وزعرانها …!
مصير اختاره اردوغان بنفسه وبارادته تماما كما فعل ادولف هتلر في الحرب العالمية الثانية ،يوم فكر ان بامكانه الزحف على الاتحاد السوفياتي واسقاطه مثل ما فعل مع بولندا اولا ، ناسيا ان سورية الان كما الاتحاد السوفياتي بالنسبة لهتلر آنذاك، لقمة كبيرة على صغار اللاعبين الهواة الذين لم يتعلموا دروس الحياة كما يجب ، وقرروا اللعب مع الكبار بادوات صغيرة وعاجزة وعقيمة …فكان ان خسر كل شئ ،ولم يبق امامه الا الاذعان بان ورقته الداخلية والاقليمية والدولية قد استنفذت وعليه الرحيل سلماً او بالقوة ..!

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى